يبدو أن الذين يقولون إن مرسي يسير على طريق مبارك سيكون لديهم بعض المنطق، وإلا مثلاً ماذا يعني العناد- وهو من ملامح شخصية وحكم مبارك - في الإبقاء على هشام قنديل رئيسًا للحكومة رغم أنه أثبت فشلاً ذريعًا خلال الأربعة أشهر التي تقلد فيها المسؤولية، فهو بحكم النتائج يعتبر الأضعف بين من تولوا المنصب بعد ثورة يناير - عصام شرف، وكمال الجنزوري - فلم يتدهور الوضع الاقتصادي كما هو حاصل الآن وإن كان التدهور هو نتيجة طبيعية للإدارة السيئة للمرحلة الانتقالية خلال عهد المجلس العسكري وحتى اليوم خلال عهد الرئيس المنتخب. الآن نقول بعد تجربة قنديل غير المبشرة وفقدان الأمل في أن ينجح هذا الشاب الحاصل على تعليم راقٍ في قيادة غير تقليدية لحكومة تعمل في ظروف غير طبيعية نقول ليت الجنزوري كان قد بقي طالما أن البضاعة المتاحة عند مرسي هي من عينة شخص غير خبير وغير مجرب مثل قنديل. وربما كان مرسي يريد الإبقاء على الجنزوري لكن الإخوان وهو نفسه - قبل أن ينتخب رئيسًا - شنوا حملة عنيفة عليه وطالبوا مرارًا بإقالته بعد أن كانوا قد دعموا اختياره للمجلس العسكري، لكن لم يكن هناك مخرج من ذلك الموقف المحرج له ولحزبه وجماعته. تمر الأيام ويتأكد أن الجنزوري كان الأقدر بخبرته وتمرسه على قيادة الحكومة في تلك المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد التي تزداد أوضاعها سوءًا مع قنديل حيث لا نلمس أي أثر لحكومته على مناحي الحياة المختلفة وكأنها غير موجودة من الأساس، فالاقتصاد يواجه الأزمة الأعنف ويتآكل ما تبقى من احتياطي نقدي وتقل قيمة الجنيه بشكل غير مسبوق والأزمات تتزايد وتتعقد من دون حل لتدخل مصر في منطقة خطر حقيقي تقربها من حزام الدول الفاشلة. هناك مطالب متزايدة بضرورة التخلص من قنديل وإسناد الحكومة لشخصية خبيرة قوية متمرسة قادرة على إنقاذ البلاد من الورطة أو على الأقل إيقاف التدهور الحاصل وإعطاء بعض الأمل للمواطنين المحبطين وضبط الأمن الذي عاد إلى ما كان عليه قبل تولي وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، حيث حصل بعض التحسن في عهده لكن حدثت انتكاسة في عهد الوزير الحالي أحمد جمال الدين الذي يحقق هو الآخر فشلاً ذريعًا فالجرائم والبلطجة والسرقات وتفاقم أزمة المرور والانفلات بكل صوره عاد وبشكل أخطر ليسيطر على الشارع ويروع المواطنين. في البداية لم يرق لي إسناد تلك المهمة الثقيلة لقنديل الذي كان وزيرًا مجهولاً في وزارة الجنزوري وقد لا يمنع ذلك أن يكون وزيرًا جيدًا للري لكن ليس بالضرورة أن يكون رئيس وزراء جيدًا وناجحًا ثم تفاءلنا بتصريحاته الأولى وبكونه شابًا سيكون قادرًا على العمل والإنجاز وليحصل الشباب مفجرو ثورة 25 يناير على الفرصة بدل العواجيز من أمثال الجنزوري لكن من الواضح أن خبرة الشيوخ مازالت هي الأنسب لمصر عن حماس الشباب. القول أن وجود قنديل هو لمدة شهرين فقط حتى إجراء الانتخابات النيابية وبعدها وحسب الدستور الجديد سيرحل، حيث سيكون هناك وضع مختلف للحكومة وتشكيلها وصلاحياتها هو تفكير يدفع بالبلد إلى مزيد من التدهور لأن كل يوم صار له ثمن والأوضاع الحالية لا تتحمل شهرين آخرين مع حكومة ثبت عجزها عن إدارة وحدة محلية وليس دولة مهددة. كان إقرار الدستور فرصة للرئيس لتشكيل حكومة طوارئ برئاسته شخصيًا كما اقترح عمرو موسى أو إسنادها إلى خيرت الشاطر مثلاً كي تكون المسؤولية الإخوانية مباشرة لنرى ماذا سيفعل الإخوان عندما تكون السلطة كلها التشريعية والتنفيذية في أيديهم فعليًا بدل ترك قنديل يفشل ليتخفوا وراءه ويتخذونه ذريعة لتعليق الإخفاق عليه. هناك من يلح في المطالبة بأن يشكل الشاطر الحكومة حتى يحمل الإخوان " الشيلة " ويحكموا ليأتوا بالسمن والعسل وإذا صدقوا فإن ذلك سيمكنهم في الانتخابات القادمة، أو ينكشفون في الحكم والإدارة وهذا سيجعل المصريين يحسنون الاختيار في الانتخابات مثل أي ديمقراطية فيها تداول سلطة. لا يلحظ المواطن أي تحسن على أحواله المعيشية والخدمية والأمنية بل تسوء تلك الأوضاع أكثر عما كانت عليه في حكومتي الجنزوري وعصام شرف بل عما كانت عليه قبل ثورة يناير، ألا يدرك الرئيس ذلك، وألا يدرك أن منحنى السخط العام عليه في صعود، وألا يدرك أن التصويت ب" لا" في الدستور كان تصويتًا احتجاجيًا على تردي الأوضاع أكثر منه رفضًا للدستور؟. الحقيقة أنه لا حكومة ولا دولة في مصر ولا رئيس وزراء مقنع ولا خبرة ولا خطط ولا أفق ولا أمل في اليوم والغد، فلماذا يسير مرسي على نهج مبارك في العناد، هل هي لعنة تصيب كل من يدخل قصر الحكم رئيسًا ديكتاتورًا أم منتخبًا؟. مسؤولية مرسي أكبر وحسابه أضخم من قنديل لأنه الرئيس المنتخب المسؤول عن السلطة التنفيذية الذي نجحت المعارضة في شغله عن خدمة المواطنين بمعارك سياسية وصراعات وانقسامات واحتقانات وعناد وكبرياء مزعوم واستكبار سيؤدي به إلى التهلكة إذا لم ينتبه فورًا أنه في خطر.