«رحلة علمية موثقة عن عظمة مصر وحضارتها، شعباً وتاريخاً، لكل الأجيال». بلدي هي مصر.. مصر بشمولها بحياتها بماضيها بخلودها بحضارتها بنيلها المعبود القديم مصدر الخير والحياة «لأن مصر هبة النيل» كما قالها المؤرخ اليوناني «هيرودوت» الذي سجل في ذكرياته في مصر خلال القرن الأول الميلادي أن «مصر هي العظمة ما بين دول العالم القديم، وأن شعبها يبني الحضارة في شمولها وكبريائها» وللعقيدة الدينية عند المصريين مقام علي حين قال في مذكراته الموثقة: «إن الشعب المصري أكثر شعوب العالم تمسكاً بأهداب الدين فكراً وممارسة وتطبيقاً» ولعل خير شاهد هي تلك المعابد المنتشرة عبر البلاد من الجنوب إلي أقصي الشمال. ويكفي ما أكده المؤرخون من بعده أن أسباب الحضارة للشعوب جاءت مصر لتتبوأ مكان الصدارة والقمة، يكفي الإشارة إلي أن أولي الوحدات السياسية والاجتماعية والتشريعية والدينية كانت مع ملوك مصر، بدءاً من الملك مينا الذي تبوأ الحكم عام 3200 قبل الميلاد، فقام بتوحيد مدن الشمال والجنوب في وحدة سياسية واحدة، ولما كانت الآلهة مختلفة هنا وهناك جمعها في إله واحد هو الإله «رع» الأوحد، ووحدة قانونية حين جمع عادات وأعراف المدن المتناثرة في مجموعة قانونية حملت اسمه «قانون مينا» أو قانون «نعرمر» كما يطلق عليه المؤرخون. وامتدت جذور الوحدة الدينية حتي تبلورت في «إله واحد فرد صمد» مع عبادة «إخناتون» إله التوحيد في ظل انتشار عبادة آتون، الشمس واحدة والإله واحد والشمس ترسل أشعتها علي العالم كله والإله إله الكون كله «للعالم أجمعين». وإذا يممنا صوب بناء ما أشاد به العالم القانوني الفرنسي ذائع الصيت في الفكر القانوني وأيضاً السياسي «معاً» الأستاذ الدكتور «VALLON» عند بناء وفلسفة بنائه وما يرمي إليه من معان عظمي قال: «إن بناء الأهرام معجزة الزمان، لا ننظر إليه باعتباره أحجاراً وضعت فوق أحجار وإنما يكشف عن عقيدة دينية هي «خلود الروح» وعقل هندسي تمتع به من قاموا بالتخطيط إليه وبنائه بما يكشف عن حكومة مستقرة قادرة علي التخطيط الحكيم للحاكم وإيداع الشعب المصري الذي بسواعده الفتية وعماله الأحرار شيدوا صرح ومعجزة الزمان». هذه بعض ملامح عظمة بنيان الحكومة ونظام الحكم منذ فجر التاريخ.. وعظمة مصر تجلت في «القضاء المصري» في علوه وسموه، كانت دور القضاء بجانب المعابد حيث عرفت مصر القضاء المدني والقضاء، وكان يطلق علي المدرسة الأولي التي منها يتخرج طلاب العلم ويلتحقون إما بالمدارس المدنية أو الدينية اسمها «بيرعنخ» أي دار الحياة، حيث يؤهل الطالب نظرياً وعلمياً ليتمتع فيما بعد بمجلس القضاء، عرفت مصر وهي التي أعلنت للدنيا أن «العدل أساس الملك» كان في مصر الفرعونية مولده، وليعلم الكافة أن مصر الفرعونية عرفت «آلهة العدالة» واسمها «معان» وفي الصور الوثائق عن مجلس القضاء في ذلك الوقت كان كل قاض يضع «تمثالاً صغيراً حول عنقه ليذكره بأن يحكم بين الناس بالعدل». أكتب هذا في ظل آخر انتصارات الإنسان المصري وقيامه بالثورة العملاقة، ثورة 25 يناير 2011 حين هب الشعب المصري قاطبة علي قلب رجل واحد وأطاح بحاكم «جاء خطأ ليحكم أعظم بلاد الدنيا» وها هو الآن طريح سريره الذي لا يغادره في أحد ليمانات «من خانوا الأوطان». ولكن - وكما قيل عن ولكن لغة أنها في اللغة «ولكن المتمردة» - قد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وكنا نحن أبناء مصر ننتظر أن تؤتي الثورة ثمارها بالحق والخير ووحدة الصفوف والالتقاء «علي قلب رجل واحد» وحدة في الفكر ووحدة «إلي كلمة سواء» ولكن ما نراه - الآن - من اختلاف الرؤي يصيب أهل الفكر بالحسرة والألم، لأن ذلك من قبل ومن بعد لا يليق بما قامت من أجله الثورة، ثورة البناء وثورة في إرجاع الابتسامة إلي قلوب وصدور الإنسان المصري.. ولكن إيماناً منا بأن جميع الاتجاهات سوف تضع ذلك في الحسبان ويعود الجميع بإنهاء كل صور الخلاف في الرأي، وأن يضعوا نصب أعينهم «دماء الشهداء في عليين، وتعالوا إلي كلمة سواء»، وهي عنوان حديثنا القادم، والتي فيها نناشد الطب والطبيب وصور العلاج المنطقي والعقلي «ليكون في ذلك شفاء لجراح مصر العظمي». وننادي مع الثوار: بروحي مصر أفديكي علي مر السنين وإن دهاكي فأنت به النور اهتدينا ونحن الأُسد إن خطب عراكي ودائماً وأبداً: إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.