في شهر رمضان الكريم نتوضأ بالعلم والنور والإيمان ورأينا أن نقدم فيه دراسة عن بدء دخول الإسلام مصر، وكيف استقبل المصريون بكل الحب والترحاب دعوة الإسلام، وقبلها وفي نظرة خطفي عن تاريخ مصر منذ التاريخ وفي كلمات معدودات منذ تاريخ مصر الرسمي مع مولد الدولة علي يد الملك مينا عام 3200 قبل الميلاد، والذي وحد القطرين ووحد الديانة ووحد الدولة وكانت أول وحدة سياسية وتشريعية ودينية في التاريخ البشري القديم الذي دام حتي مجيئ الإسكندر الأكبر مصر عام 332 ق. م حوالي ثلاثين قرناً من الزمان هو حكم مصر الفرعونية، وفيه وبمنتهي الإيجاز تمتعت مصر بحضارة عظمي في كل نواحي الحياة، بنيت المعابد، وازدهر الاقتصاد وكانت مصر مزرعة القمح الخصيب، وازدهر التعليم الديني والدنيوي في «بيرعنخ» يطلق علي المدارس أي «دار الحياة» وقد امتاز العصر الفرعوني بالبناء والتشييد والازدهار الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بالزراعة «مصر كبلد زراعية» وازدهر البنيان الإداري ونظام الحكم في ظل سماحة آلهة العدالة «معات» وعرفت أن مصر الأولي عبادة التوحيد، وباختصار نعم المصريون بحياتهم في ظل من الاستقرار الاقتصادي والإداري والاجتماعي، إلا أن الصورة اختلفت تماماً إبان «العصر البطلمي» الذي جاء مع بطليموس الأول قائد الجيش مع الإسكندر الأكبر وتولي حكم البلاد بعده حتي بطليموس السادس عشر، وفيه ذاق المصريون الأمرين، وفرضت عليهم الضرائب وحرموا من الوظائف الإدارية العليا وأيضاً من الاختلاط في الجيش وازداد السوء بعد بطليموس الثاني الذي أعطي التخطيط الاقتصادي والمالي والعمراني إلي «اليهودي جوزيف» الذي فتح الأبواب أمام الهجرة اليهودية الذي أنشأ المدن الحرة وحرم المصريون من كل شيء ومن بعدهم وعلي نفس المنوال بعد معركة أكتيوم البحرية وانتصار الرومان وهزيمة كليوباترا واستولي الرومان علي كل مقاليد البلاد.. وأما العذاب فكان من نصيب المصريين أصحاب البلد الحقيقيين. ومن هنا كانت الفرحة الكبري أمام المسلمين لما كانوا يسمعون عنهم وعن عدلهم وعن معاملتهم لبني البشر. ونتكلم - إذن - عن أهم الأسباب وراء انتشار الإسلام في مصر؟ بمنتهي الحب رأينا أن أذرع المصريين امتدت لاستقبال الدين الجديد، ومن ضمن الرسائل المهمة التي أرسلها نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم إلي حكام الدول في ذلك الحين رسالته الشهيرة إلي «المقوقس» عبر من قبل الامبراطورية البيزنطية وإقباله للإسلام. «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي المقوقوس عظيم القبط، سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت إنما عليك إثم القبط ويا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء». وهذه الرسالة المحمدية هي عنصر من عناصر الدعوة الإسلامية تلك الدعوة التي خاطبت الناس أجمعين، والحديث عنها حديث عن «عالمية الدعوة الإسلامية» كما سنري ذلك بعد حين. ضاق المصريون ذرعاً بقسوة الحاكم البيزنطي، ورأي كثير من أقباط مصر خيراً في الدين الجديد فتحولوا لاعتناق الدين الإسلامي عن إيمان وعقيدة، وبعضهم اعتنق بالإسلام تقرباً وزلفي من الحكام سعياً وراء مغانم شخصية، إلا أن الذي حدث أن المصريين فرادي وجماعات اعتنقوا الإسلام ديناً، وكان وراء ذلك عدة أسباب نوجز بعضها في الآتي: الدين الإسلامي دين التسامح: 1 - قام الفتح الإسلامي، ليس علي حد السيف - وإنما علي مبدأ إسلامي أصيل هو التخيير للمصريين - كدأب باقي البلاد التي قاموا بفتحها - إما الدخول في الإسلام طواعية واختياراً وإلا دفع الجزية والحرب، وقد قبل المصريون دفع الجزية. وقد عومل المصريون معاملة أهل الذمة، وبمقتضي «عقد الذمة» تلتزم الدولة بتأمينهم وحمايتهم بل والدفاع عنهم، وذلك كله تحت المبدأ الإسلامي «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».. وقد عم التسامح المصريين جميعاً، خاصة أقباط مصر، وهنا نشير إلي ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم عن أهل مصر وحسن معاملتهم: «إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم منكم صهراً وذمة». 2 - ومن علامات التسامح في الإسلام أمور عدة كلها تدور حول حرية العقيدة والتسامح والأخلاق الكريمة. وفي الوقت نفسه خففت الأعباء المالية علي المصريين، وسمح لهم بتبوأ المراكز الإدارية أياً كانت درجتها، وبعكس ما كان من قبل حيث كان حرمان المصريين من تبوأ الوظائف العليا. 3 - ومما هو جدير بالذكر أن عدد المسلمين - قبل الفتح الإسلامي كان محدوداً تماماً في مصر - إلا أنه بعد الفتح استقبلت مصر بكل ترحاب وحب الهجرات العربية، وحدث التمازج السكاني والمصاهرة ويكفي أن النبي صلي الله عليه وسلم تزوج مارية القبطية المصرية وكانت هدية حاكم مصر «المقوقس» له. 4 - ومما زاد اختلاط الأجناس، العربية والمصرية، بجانب المعاملات التي سجلتها الحياة اليومية انتشار اللغة العربية، ورغم صعوبتها، إلا أن المصريين سرعان ما استسهلوها فكانت لغة التخاطب ولغة القانون بل وكانت عاملاً مساعداً في انتشار الدين الإسلامي: «إنا أنزلناه قرآناً عربيا» «وإنا له لحافظون». ومن هنا بدأت تتراجع تماماً اللغة اليونانية - اللاتينية بل والقبطية ليعلو شأن اللغة العربية ولتصبح لغة البلاد الأولي، أي اللغة القومية لمصر الإسلامية، وهي البحر في أحشائه الدر كامن كما قيل.. ونواصل المسيرة بإذن الله.