لا تكادُ تخلو سورةٌ من سور القرآن الكريم من الدعوة لتوحيد الألوهية، وضرورة توجّه جميع عبادات الإنسان لله سبحانه وتعالى المُستحق للعبادة وحده دون سواه، فلله تبارك وتعالى الأمر والنهي، والحكم والقضاء؛ ولذا فالمُؤمن الحقّ يَعبد الله تعالى وحده، ولا يُشرك بعبادته أحداً. أخبر القرآن الكريم عن الله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وتحدّث عن الإيجاد والرزق، وهو توحيد الربوبية، ودعا إلى عِبادة الله وحده لا شريك له، وترك وخلع كل ما يُعبد دون الله، وما أَمْرُ الله في القرآن الكريم بالعبادات بأنواعها، ولا نهيه عن المُخالفات بأنواعها، وبجميع أشكالها إلّا إقرارٌ للألوهيّة، ودعوةٌ لتَوحيد الألوهية؛ فكلّ ما في القرآن من دعواتٍ للربوبية، وذكرٌ لصِفات الربّانية، ودعوةٌ للعبادة، وتركٌ للمخالفة إلّا لإخلاص العبادة والألوهية لله وحده المُستحق للعبادة. آيات توحيد الألوهية قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )وهذه الآية لا تتعارض مع الاستعانة بالمَخلوق بما يقدر عليه بتوفيق الله. قوله تعالى: (وَلِلَّهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ)[11]فالأمر كله لله، والمرجع لله عالِم غيب السموات والأرض، وبما أنّ الأمر لله ينبغي على الإنسان أن يعبده وحده، ويتوكّل عليه؛ فهو الذي سيوفي كل عاملٍ جزاء عمله يوم الحساب. قوله تعالى: (فَإِن تَوَلَّوا فَقُل حَسبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ)؛[13] فالله هو كافي العبد في كل ما أهمّه، وهو النافع الضار؛ فلا يستحق العبادة إلا هو سبحانه. قوله تعالى: (رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما فَاعبُدهُ وَاصطَبِر لِعِبادَتِهِ هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيًّا). فالله هو ربُ السموات وربُ الأرض، والأمر هنا بعبادته سبحانه وتعالى، ثم يُتبع الأمر بالعبادة بسؤالٍ إنكاري، بقوله: هل تعلم له سميّاً؟ أي: هل تعلم له نظيراً يستحقّ أن يُسمى خالق، وعالم، وقادر؟ ليُقدّم إثباتاً جديداً أنّه لا يستحق العبادة إلا الخالق، القادر، العالم بكل ما كان، وما يكون.[16] قوله تعالى: (وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنيبُ)؛[17]الآية هنا حكاية عن نبي الله شعيب -عليه السلام-، حيث جعل توكّله على الله، فالتوكل عبادةٌ، والعبادة يجب أن تكون خالصةً لله سبحانه وتعالى دون سواه.[18] قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)[19] وهي دعوةٌ للاعتماد في جميع شؤون الحياة على الله الواحد الأحد، فهو الدائم الباقي، والحيّ الذي لا يموت أبداً، وهو يكفي عباده وينصرهم ويظهر دينه على سائر الأديان، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي: دعوةٌ للمُؤمن لينزّه الله تعالى عمّا يصفه به الكفار من شتى الصفات ممّا لا يليق به سبحانه وتعالى من الشركاء والأولاد، (وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً) أي: يكفي المؤمنين اطلاع الله على أعمال العباد ولا يخفى عليه ولا عنه شيءٌ منها. قوله تعالى: (وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ)؛ فالآية فيها أمرٌ بِعبادة الله سبحانه وتعالى حتّى الموت، وهذا المعنى الذي يفيده إضافة قوله تعالى: (حتى يأتيك اليقين) بعد قوله: (واعبد ربك)، ولو اكتَفى بالأمرِ بالعِبادة بقوله: (واعبد ربّك) لحصل تحقيق الأمر بالعبادة لمرّةٍ واحدةٍ، ولكن جاء الأمر بأن: (اعبد ربّك حتى يأتيك اليقين.