كشف تحقيق استقصائى بثته قناة حكومية فرنسية، دور تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان فى اختراق البلاد عبر شبكات وشخصيات للتأثير على المجتمع الفرنسي، ونشر التطرف والفوضى وزرع النزعات الانفصالية بصورة «لا تتوافق مع قيم الجمهورية. وبثت القناة الفرنسية الثانية الممولة من الحكومة، وثائقياً ضمن برنامج التحقيقات الشهير «مزيد من التحقيق»، كشفت فيه ما أسمته «استعمال المجتمع التركى فى فرنسا من طرف أردوغان لنشر أفكاره التى تجمع بين التطرف القومى والديني». وأشار التحقيق إلى أن أردوغان «يحاول ممارسة نفوذه على الشتات التركى فى أوروبا من خلال شبكات قوية، سياسية وتعليمية ودينية»، خصوصاً أن فرنسا تحتضن على أراضيها نحو 700 ألف ما بين مقيم تركى أو فرنسى من أصل تركي. وكان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، قد قال فى فبراير 2020 خلال زيارة لإقليم الألزاس شمال شرقى فرنسا، حيث تتمركز الجاليات التركية بكثافة، إن بلاده «لن تسمح بتطبيق القوانين التركية على الأراضى الفرنسية». وأشار التحقيق الفرنسى إلى أن الحرب الكلامية التى اندلعت بين ماكرون وأردوغان فى أعقاب الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها فرنسا فى أكتوبر الماضي، جعلت أنقرة تتحرك على الأرض الفرنسية من خلال جماعة «الذئاب الرمادية» المتطرفة. وكشف عن تزامن المظاهرات العنيفة التى قامت بها عناصر الجماعة ضد الجاليات الأرمينية مع حرب التصريحات بين الرئيسين، ومع استنفار قوات الأمن الفرنسية لتطويق الحوادث الإرهابية. وفى 5 نوفمبر الماضي، قررت باريس حل حركة «الذئاب الرمادية» على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي. ونشر وزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانان، نص قرار الحل على حسابه بموقع «تويتر»، مشيراً إلى أن القرار «اتخذه مجلس الوزراء بناء على تعليمات من رئيس الجمهورية، باعتبار الحركة تحرض على التمييز والكراهية وتورطت فى أعمال عنف». ويأتى القرار بعد أيام قليلة من نزول نحو 250 شخصا، يعتقد أن أغلبهم ينتمى لحركة الذئاب الرمادية فى مدينة ديسين-شاربيو قرب ليون شرقى البلاد، إلى الشوارع، حيث هاجموا مواطنين يعتقدون أنهم من أصول أرمينية، بسبب النزاع فى إقليم ناغورنى كراباخ بين أرمينيا وأذربيجان التى تدعمها أنقرة، مما أدى إلى إصابة 4 أشخاص أحدهم كانت حالته خطرة. كما كتبت عبارة «الذئاب الرمادية» على نصب تكريمى لضحايا الإبادة الأرمينية والمركز الوطنى للذاكرة الأرمينية. وكشف الوثائقى الفرنسى عن شخصية غامضة تقف خلف قيادة المجموعة التركية المتطرفة تدعى «أحمد جيتين»، وهو فرنسى من أصل تركى عمره 23 عاما، كان يشتغل عامل صيانة وتحول سريعا إلى أحد رموز «الذئاب الرمادية» وأحد داعمى أردوغان المتحمسين فى فرنسا. وأشار التحقيق إلى أن جيتين قد حكم عليه سابقا بالسجن مع وقف التنفيذ فى قضية تتعلق بنشر الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث صرح بأنه يطلب من الحكومة التركية «راتبا وسلاحا ليقوم بما يجب القيام به فى فرنسا». ونقل التحقيق على لسان جوليان مارتيناز، المستشار البلدى فى مدينة أويونا فى إقليم الأين شرقى فرنسا، قوله إن «أحمد جيتين معروف فى الأوساط السياسية المحلية، فقد سبق له أن ترشح للانتخابات التشريعية عام 2017 والانتخابات البلدية فى 2020 فى المدينة، ودعا بوضوح إلى التصويت على أساس العرق والدين، مطالباً الأتراك والمسلمين بالتصويت له». وقال معدو التحقيق إن جيتين ترشح على قائمة حزب صغير يسمى العدالة والتنمية، يعتبر الذراع الفرنسى لحزب أردوغان الحاكم، ويتوجه أساسا للجاليات التركية والمسلمة، وضمن برنامجه السياسى يطالب بضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مما يشكل بوضوح اختراقاً تركياً سياسياً. وعرج تحقيق القناة الفرنسية الثانية على السيطرة التركية على مئات المساجد فى فرنسا، لا سيما عن طريق الرواتب التى تدفعها أنقرة لأئمة 150 مسجداً، كما أنها تدربهم على أراضيها، مشيرا إلى أن «الهدف من ذلك ليس فقط التأثير على الداخل الفرنسي، بل السيطرة على الشتات التركى ومناهضة معارضى الحكومة».