«ارتباك.. تخبط.. تناقض.. تراجع» أربع كلمات لخصت وفسرت بشدة حال مؤسسة الرئاسة. عبارات صغيرة ترسم صورة واضحة لما يحدث داخل هذه المؤسسة التي تنعدم فيها الخبرة السياسية.. فهي بلا رؤية واضحة تجاه المشكلات والأحداث التي يعيشها المصريون أو في إدارة شئون الدولة.. فمؤسسة الرئاسة في واد بعيد تماماً عن الشعب المصري، وهو ما يؤكد رأي البعض بأن مؤسسة الرئاسة تعمل لصالح فصيل معين وهو جماعة الإخوان المسلمين، وأن الرئاسة لا تحكم بل تدار من الخارج بواسطة مكتب الإرشاد التابع للجماعة، وهذا يشير إلي ما نحن فيه الآن من حالة الاضطراب السياسي داخل المجتمع بسبب ما تصدره تلك المؤسسة من قرارات مصيرية تغذي حالة الانقسام في الشارع المصري نجحت مؤسسة الرئاسة في تعميقها، ومن ثم فهي غير قادرة علي إيجاد حلول واضحة وعاجلة لمشاكل هذا الشعب الذي قام بثورة عظيمة من أجل حلها. تشكلت الهيئة الرئاسية من مجموعة مستشارين ومساعدين بلغ عددهم ما يقرب من العشرين عضواً، ولكن هناك 6 أعضاء انسحبوا وقدموا استقالاتهم من عضويتها اعتراضاً علي السياسة المتبعة لإدارة شئون الدولة. أما عن القرارات الخمسة التي أصدرتها مؤسسة الرئاسة ثم تراجع عنها الرئيس محمد مرسي هي إعادة مجلس الشعب المنحل، وأيضاً محاولة إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، بخلاف الإعلان الدستوري الأخير الذي قام بإلغائه بعد صدوره بأسبوعين مع بقاء كافة آثاره السلبية، ثم لاحقه قرار الرجوع عن زيادة الضريبة علي المنتجات الشعبية، ناهيك عن قرار الاقتراض مبلغ 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. «الوفد» استطلعت آراء السياسيين والقانونيين وأساتذة الجامعات في التخبط الذي تعاني منه مؤسسة الرئاسة: أحمد عودة – نائب رئيس حزب الوفد - قال: لاحظنا ارتباكاً شديداً في قرارات مؤسسة الرئاسة، وكانت قرارات متناقضة ومتضاربة، وهذا يرجع إلي أن الأمر ليس بيد الرئيس محمد مرسي وحده وإنما بيدي قرار زعماء الجماعة التي يتبعها رئيس الجمهورية وهي جماعة الإخوان المسلمين، وإذ كان المثل الشعبي يقول «المركب التي بها اثنان من الرؤساء تغرق» فإننا الآن أمام مركب يقودها ما يتراوح بين 20 إلي 30 رئيساً، وهذا من أسباب الفشل وغرق السفينة، ومع هذا فإننا ندعو لمصر بالنجاة والإفلات من تلك العصبة، وقد سبق قرار الرجوع في الأسعار، قرار محاولة إعادة مجلس الشعب المنحل، وأيضاً محاولة إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، بخلاف الإعلان الدستوري الأخير. وأضاف «عودة»: لقد طالبنا جميعاً بإلغاء هذا الإعلان الدستوري، إلا أن الرئيس محمد مرسي قام بإلغائه مع بقاء كافة آثاره السلبية، ولعلنا نتذكر إصداره قراراً في اليوم التالي في ولايته بزيادة مرتبات أساتذة الجامعات إلي مضاعفة المرتبات السابقة ولم ينظر في زيادة أي مرتب من أي موقع من مواقع الدولة رغم إضراب الأطباء وعمال المحلة.. إلخ. وأوضح «عودة» أن الرئيس يضحك علي شعب مصر عندما يقول: إنه رئيس لكل المصريين وأنه يبتعد عن شبهة الديكتاتورية أو الاستبداد بالسلطة، ووعد أثناء المعركة الانتخابية بأنه سوف يعين نوابه ومساعديه ومستشاريه، فإذا به يعين نائباً واحداً ويعين مجموعة مستشارين ومساعدين بلغ عددهم ما يقرب من العشرين عضواً، ومع هذا انفرد بكافة السلطات بشكل غير مقبول، حيث إنه أصدر الإعلان الدستوري الباطل الذي يعبر عن الاستبداد بالسلطة مما تسبب في بدء بعض المساعدين والمستشارين من الانسحاب وتقديم الاستقالات تعبيراً عن رفضهم عن هذا الانحراف بالسلطة، وهذا يشير إلي أنه اعتبرهم مجرد «ديكور» لا يستعين بهم ولا يشركهم في أمور البلاد، مما دعا إلي انسحابهم لأنهم معترضون علي الاستبداد والانحراف بالسلطة، مثلما استقال أيضاً عدد كبير من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان احتجاجاً علي نفس السبب. وحيد الأقصري – المحامي ورئيس حزب مصر العربي الاشتراكي - قال: لا جدال في أن الحكم الحالي يعبر عن أسوأ درجات التشويه والارتباك بجانب الاستبداد والديكتاتورية ولا ريب في أن تخبط وتناقض وتهاتر القرارات التي تصدر عن مؤسسة الرئاسة، ما هي إلا عبارة عن صورة واضحة لما يحدث داخل هذه المؤسسة التي انعدم فيها الخبرة السياسية وغير القادرة علي إيجاد حلول واضحة وعاجلة لمشاكل هذا الشعب الذي قام بثورته من أجل حلها، أيضاً لا يمكن ان نصدق أن مؤسسة الرئاسة، تتخذ القرارات من خلال الرئيس، إنما هناك مكتب للإرشاد في المقطم هو الذي يقوم برسم الخطط واتخاذ القرارات ويرسلها إلي مؤسسة الرئاسة ولا يمكن أبداً أن يقولوا عكس ذلك وأن نصدقهم والدليل علي ذلك القرارات الستة الأخيرة، التي نشرت في الجريدة الرسمية عن شرائح الضرائب وزيادة الضريبة علي المنتجات الغذائية والاستهلاكية والمعسل والسجائر والخمور.. إلخ، علي الرغم من أن تلك المنتجات الشعبية تعد أساسية مما يؤدي إلي إرهاق الشعب فوق إرهاقه الحالي ويتسبب في ارتفاع الأسعار بما لا يتناسب مع الدخول المتدنية للمواطنين وتلك هي سياسات إرضاء صندوق النقد الدولي الذي قبلت مؤسسة الرئاسة أن تقترض منه 4.8 مليار دولار، في الوقت الذي تدعي جماعة الإخوان المسلمين ورئيس الدولة الآن أنها ليست ربا بل هي مصروفات إدارية، في الوقت الذي ناقضت نفسها تماماً في نفس القرض حينما طلبه الدكتور كمال الجنزوري وهاجت وماجت، وقالت إنه ربا ونجد أن الرئيس يقول في إحدي خطبه لا نسمح أن يأكل الشعب المصري من الربا.. أليس ذلك ربا، فأخطاء تخطيط مؤسسة الرئاسة تظهر في قراراتها الكثيرة بداية من الحنث بقسم الرئاسة حينما ضرب بالقانون والدستور عرض الحائط وأصدر قراراً بعودة مجلس الشعب تحدياً لحكم القضاء وسيادة القانون، ثم إقالة النائب العام تغولاً علي السلطة القضائية التي تنظمها القوانين والعودة في هذا القرار ثم إعمالًا بمبدأ العناد والانتقام الذي تعود عليه الإخوان بإصدار إعلان دستوري يتضمن إقالة النائب العام قسراً ودون مراعاة لمبدأ الفصل بين السلطات وبغير ترشح النائب العام الجديد من المجلس الأعلي للقضاء وفقاً للقانون، إنما تم تعيينه من قبل مؤسسة الرئاسة بقرار فردي، كما أن هناك أمثلة أخري تدل علي أن مؤسسة الرئاسة ليست لديها خبرة فيما يخص بإدارة شئون دولة مثل مصر، كما وأن الحكومة الحالية والتي لم تسفر في عملها عن أي من الحلول التي ترضي هذا الشعب فهذه الحكومة لا تصلح لأن تكون حكومة مصرية في هذا التوقيت أو غير ذلك. وأشار «الأقصري» إلي أن مصر قد وضعت فريسة بين أنياب جماعة الإخوان المسلمين التي قفزت علي السلطة واستغلت الثورة دون أن تكون صاحبتها واستطاعت التنسيق وإعطاء الوعود والعهود لدولة الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها سيكون لها دور كبير في استقرار المنطقة لصالح الكيان الصهيوني المتمثل في إسرائيل والدليل علي ذلك الخطاب الذي أرسله الرئيس محمد مرسي إلي شيمون بيريز الذي تضمن عبارات من الغزل الرقيق بقوله «من الصديق الوفي»، كما وقع إلي الصديق العظيم متمنياً لدولة إسرائيل بالتقدم والازدهار ورفاهية العيش، تلك هي سمات جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين أيضاً الذين يسيرون علي نهجهم معتقدين أنهم هم فقط الذين يحملون مشاعل الدعوة إلي تطبيق الشريعة وأن ما عداهم من الكافرين المشركين، وفي الواقع هم أبعد ما يكونوا عن الشريعة الإسلامية، وعن أصحاب الدعوة الحقيقية الذين يطبقون تعاليم الكتاب والسنة في أنهم لا يكذبون ولا يخونون ولا يحنثون بوعود ويسيرون في طريق الفجور حينما يخاصمون كما أنهم ليسوا أهلاً للدعوة في تطبيق الشريعة الإسلامية. ويري الدكتور أحمد يحيي – أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس - أن هناك تخبطاً شديداً في كل ما يحدث داخل المجتمع سواء علي مستوي مؤسسة الرئاسة أو المجتمع ككل، ومن المؤسف أن هناك مغالطات وأكاذيب وتراجعات وعدم وضوح للرؤي لما يقال وما يتخذ من قرارات، ويفترض أن يكون هناك رؤية واضحة وشفافة في إدارة هذا المجتمع، ولكن للأسف الشديد أننا نشاهد ونقرأ ونسمع أن مؤسسة الرئاسة ليست لها رؤية واضحة تجاه المشكلات والأحداث التي نعيشها وأيضاً في إدارة شئون الدولة، والدليل علي ذلك أنها كثيراً ما تصدر بعض القوانين والقرارات ثم تتراجع عنها، والأخطر من هذا كله أن المجتمع يشعر بأن مؤسسة الرئاسة في واد والشعب المصري في واد آخر، بل إن هناك من يري أن هذه المؤسسة تعمل لصالح جماعة بعينها هو فصيل الإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، والدليل علي ذلك أن رئيس السلطة السياسية يخاطب بعض القوي ويستخدم كلمات التأييد والتأكيد، بعكس ما يخاطب القوي الأخري بما يشمله خطابه من كلمات التهديد والوعيد، كل هذا أوجد حالة من فقدان الثقة تجاه مؤسسة الرئاسة، ومن ثم فقدان الشعور بأن الرئيس المنتخب لم يعمل لكل المصريين، كما أن هناك يقيناً لدي الكثير من قطاعات المجتمع يرون للأسف أن مؤسسة الرئاسة لا تحكم بل تدار من الخارج بواسطة مكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين أو بتعيينات من أمريكا. وأضاف الدكتور «يحيي» أن الشعب المصري يعيش في حالة اضطراب وقلق ومنازعات ومخاصمات بين القوي السياسية بسبب هذه الحالة غير المستقرة أو الواضحة فيما تقوم به السلطة السياسية، وهو من الصعب فصله عن حالة الانقسام التي نجحت مؤسسة الرئاسة في تعميقها داخل المجتمع المصري، التي نري آثارها في الشارع السياسي، وكل الواقع التي أدت إلي سقوط شهداء جدد ومصابين آخرين بأعداد كبيرة، وهو ما يشير إلي فشل تحقيق مؤسسة الرئاسة للمهمة الرئاسية التي وجدت من أجلها وهي حماية أمن الوطن والمواطن المصري. وقال: أن كل الدلائل تشير إلي أن أمن الوطن في خطر وأمن المواطن تتنازعه القوي السياسية لحسابات خاصة ولتحقيق مصالح وأهداف تخدم مشروعها السياسي علي حساب أمن هذا الوطن وأمانه.