صدر مؤخرًا «شهود على التاريخ»، الكتاب السادس للكاتب الصحفى ماهر مقلد مدير تحرير الأهرام. يضم شهادات لمفكرين وكتاب سياسيين. يتضمن الكتاب حوارًا مع فايزة ابنة فؤاد باشا سراج الدين آخر باشوات مصر ورئيس حزب الوفد. تحدثت فيها عن الجوانب الخفية ل«سراج الدين» والتى لا يعرفها سوى المقربين منه. وأوضحت فايزة سراج الدين أن والدها كان يحب كرة القدم ويصمم ديكورات منازل المشاهير دون أجر، وأكدت أن والدها كان يصر دائما عن إبعاد بناته الثلاث نيللى ونادية وفايزة بقين بعيدًا عن شهرته. وأن معظم المصريين لا يعرفون عنهن شيئا لأن الباشا كان لا يحب الأضواء المسلطة عليه، ويرفضها لعائلته ولم تنشر صور أي منهن باستثناء ابنته الكبرى نيللى لتوليها لجنة المرأة فى حزب الوفد وتوفيت عقب وفاته بفترة قصيرة وكذلك ابنته نادية. وكشفت فايزة سراج الدين تميز والدها بالالتزام بالمبادئ بالاضافة إلى الحكمة والشهامة والرأى السديد، وأخرى تميزه عن باقى رجال عصره، لقد كان يملك قدرة كبيرة على التعايش مع الجميع ويحرص على التواصل والالتقاء بالناس، لكنه كان يحتفظ فى الوقت نفسه بقوة شخصيته وبحضوره، وهى معادلة صعبة كانت موجودة فى شخصيته. وقالت: كان بسيطا جدا مع الناس، ويرد على الهاتف بنفسه، ويقول لمن يطلبه بتلقائية شديدة أنا فؤاد سراج الدين من دون أى ألقاب. ويؤمن بمستقبل مصر. وأذكر أنه حضر فى إحدى المرات اجتماعا كبيرا، فدخل فى تلك الأثناء شخص لم نشاهده من قبل، وعندما لمحه ترك الاجتماع على الفور، وقام يقبله ويحتضنه، وبعد ذلك عرفنا أن هذا الشخص هو أحد معلميه فى السابق، وأنه ظل يذكره رغم مرور كل هذه السنوات، وقد قال له بكل تواضع: «أنا رهن اشارتك فى أى طلب»، لقد كانت هذه هى شخصية فؤاد سراج الدين، وكانت هذه التصرفات النبيلة جزءًا من طباعه، باختصار شديد لقد كانت حياته كلها للناس. وتقول: لوالدى مقولة شهيرة كنا نحن بناته نسمعها منه باستمرار وهى «من المهم جدا الوقوف إلى جوار الناس فى اللحظة الحرجة، وفى أوقات الضيق»، لقد كان يقول إنه لو تخلى الإنسان عن صديقه فى اللحظات الحرجة فلن يكون للصداقة أى فائدة ولا معنى، ولهذا لم يبتعد طوال حياته عن الناس، ولم يختف عنهم، بل كان مستعدا للوقوف إلى جوار أى إنسان يلجأ إليه لطلب المساعدة سواء كانت مادية أو معنوية. وتكمل: كان يعاملنا المعاملة نفسها، وكان شديد العدل بيننا، ولا يفرق بين واحدة وأخرى وكان يحثنا على أن نوظف جهودنا فى الأعمال الخيرية، ولهذا اهتمت شقيقتى الكبرى نيللى بالعمل الإعلامى وكانت تفهم كثيرا من الأمور السياسية، ومهتمة أيضا بالعمل التطوعى الإنسانى، كما ساهمت فى تأسيس جمعية «أبتى»، ومشروع «الكلى الصناعية»، وفى عدد آخر من المشاريع الإنسانية، أما أنا فقد كنت مهتمة بالعمل الاجتماعى التطوعى، حيث أنشأت مركزًا طبيًا بالتعاون مع الدكتورة كاميليا شكرى فى منطقة الملك فيصل بالجيزة، أما شقيقتى فقد توفيت مبكرا. وتكشف عن أنه كان يبدأ يومه فى الصباح بقراءة الصحف، ثم يشرع فى ارسال التلغرافات الخاصة، كما كان يحرص على مواساة الناس فى أحزانهم، وكان يحب السهر بعد انصراف أعضاء الحزب من المنزل فى منتصف الليل ليبدأ بعد ذلك فى القراءة حتى الثانية ليلا، وكان طعامه بسيطا جدا. وعن أصعب فتراته قالت إنها بلا شك تلك الفترات التى دخل فيها السجن، فقد كانت قاسية علينا جميعًا، وأذكر فى إحدى المرات التى كان فيها والدى معتقلا تم نقله إلى المستشفى بسبب سوء حالته الصحية، وبعد مرور بضعة أيام صدر قرار بالافراج عنه، وقد كان طعامه فى تلك الفترات يصله من المنزل، وفى يوم الافراج عنه شاهدت أمى وهى تعد الطعام لكى ترسله إليه، فأخبرتها بأنه سيخرج قبل الغداء فردت عليّ مؤكدة أن والدى هو الذي طلب الطعام، وبعد ذلك عرفت أنه فضل أن يتناول الطعام بنفسه مع رفاق السجن قبل أن يخرج. كان يستقبل قرار الاعتقال ويغادر البيت مع رجال الأمن كما لو كان ذاهبا إلى الوزارة، فلقد كان يرتدى أفخر الملابس، ويغضب جدا منا بسبب حالة الحزن التى كانت تعترينا، وكان يقول لنا: المسألة بسيطة ولا تستدعى كل هذا الحزن، وعندما كان الضباط يعتذرون منه كان يرد عليهم قائلا: «أنا أعرف أن هذا شغلكم وأنا أتفهم ذلك» لقد كان يصر على استقبالهم وعلى تقديم واجب الضيافة لهم. الأصدقاء المقربون كان إبراهيم فرج السياسى البارز، وعبدالفتاح باشا حسن، ثم أعضاء حزب الوفد خاصة الدكتور نعمان جمعة والدكتور محمود أباظة. كان يحب الرياضة، وكان رئيسا شرفيا للنادى الأهلى، وكان دائما يتوسط بين أعضاء مجلس إدارته عندما تحدث أى مشكلة، وأتذكر أنه حدثت مشكلة فى النادي الأهلى فتم عرض المشكلة عليه، فذهب إلى النادى واجتمع بأعضاء مجلس الإدارة، وطلب من والدتى إعداد وليمة، وبالفعل فقد جهزت والدتى الأكل وأرسلته فى أوانٍ فاخرة، وبعد العزومة تأخرت أوانى المائدة، وكاد القلق يفتك بوالدتى بسبب خوفها من ضياعها. وكان خبيرًا فى التحف والديكور وكانت هذه هى هوايته المفضلة، وبالمناسبة فإنه هو الذى صمم ديكور شقة الفنان محمد عبدالوهاب، وشقة الفنان عبدالحليم حافظ، وهى هواية لم يتقاض عنها أى مقابل، كما كان خبيرًا أيضا فى الأحجار الكريمة، وهى خبرة ورثها عن جدى سراج الدين. أما البصمات البارزة فى قصر جاردن سيتى كان من ورائها جدى، ولو شاهدت هذا القصر فى عام 1952 كنت ستلاحظ الفرق الكبير بين شكله فى الماضى وشكله الحالى لأننا اضطررنا لبيع معظم قطع أثاثه وقت الحراسات حتى نتمكن من الانفاق، لقد عشنا أياما صعبة بعد قيام الثورة فى مصر. ومع هذا عندما كان وزيرا للداخلية أذكر أن والدى كان ذات مرة فى مهمة فى أوروبا، وكنا فى فصل الصيف نقيم فى الإسكندرية، فطلبنا من والدتى أنا وشقيقتى أن نسهر فى نادى الشانزلزيه، لكنها رفضت، وبعد إلحاح شديد منا وافقت ورافقتنا.