بينما كان النقاش محتدماً في حضور مجموعة من الصحافيين الأمريكيين وقت العدوان الاسرائيلي على غزة الشهر الماضي، انبرى صحافي يهودي ووجه إليّ سؤالاَ بينما كنت أشرب الشاي في «بيت الشاي الروسي» بمدينة نيويورك. ظن الأخ أنه يستطيع ان يسجل نقطة لصالحه بتغيير دفة الحديث الذي انصب معظمه على ادانة العدوان على المدنيين الفلسطينيين العزل.سألني: بلغني ان لديكم في مصر أناساً ينكرون الهولوكوست وأخشى ان ادانتك المريرة للعملية الاسرائيلية على الارهابيين في غزة قد تشي بأنك من الممكن ان تكون من هؤلاء الذين ينكرون المحرقة؟. شعرت باستياء شديد من السؤال الذي يحمل تهكماً واستياء وقلت في سري: سامحك الله يا برادعي.. أنت الذي فتحت علينا هذا الموضوع الذي لا علاقة لنا به من قريب أو من بعيد حين عبرت عن غضبك في حديثك لصحيفة دير شبيجل الألمانية من بعض خصومك السياسيين بدعوى أنهم لا يستمعون الى الموسيقى ولا يؤمنون بالديموقراطية، كما أنهم لا يعترفون بالهولوكوست!. قلت له: لست أعرف حجم ما فعله هتلر باليهود على وجه الدقة، وان كنت قد قرأت بطبيعة الحال عن جرائم النازي بحق اليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية.. ولا شك أنني أدين بكل قوة أي جريمة ضد الانسانية يرتكبها أي أحد بحق اليهود وغير اليهود.انفرجت أساريره قليلاً غير أنني عاجلته: ولكن من المؤسف ان الذين نجوا من الهولوكوست وأفلتوا من محرقة هتلر قد توافدوا على أرضنا في فلسطين فاحتلوها وطردوا أهلها بعد ان روعوهم وارتكبوا في حقهم المجازر في دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما. لم أكن وحدي صاحب هذا الرأي في تلك الجلسة وانما وقف معي بعض الاصدقاء العرب وأمنوا على كلامي، الأمر الذي دفع صاحبنا للانصراف ومغادرة المكان بعدما أدرك ان حكاية الهولوكوست لن تجعله يهزمنا في النقاش خاصة وأننا لا ننكره، لكن نؤكد ان الاسرائيليين انتقموا منا بدلاً من ان يردوا الضربة لمن أحرقوهم!. لست أقص هذا بغرض تسلية القارئ ولكن لأشركه معي في خطورة ان يستعر الخلاف بين الفصائل السياسية لأبناء الوطن الواحد فيلجأ أحدهم لمغازلة اليهود واستعداء الغرب على فصيل سياسي من بني وطنه يخالفه في التوجهات حتى لو كان هذا الفصيل غبياً ومحدود الكفاءة. عندما يسألني أحد عن الهولوكوست فانني لن أتحامق وأنكره، لكن اذا لم يكن مطروحاً فلن أستدعيه أبداً لأنني لا أعمل لصالح الآلة الاعلامية للكيان الصهيوني، وليس هناك ما يدعوني لتذكير العالم بدون مناسبة بما حدث لليهود خاصة وأننا لسنا مسؤولين عنه وانما كنا وما زلنا نتحمل الابادة والطرد من أبناء وأحفاد ضحايا الهولوكوست.. ثم ان الاسرائيليين لم يبرز منهم أبداً من يأسى على ضحايانا في مصنع أبو زعبل ولا على أطفالنا الصغار الذين أذاب النابالم عظامهم في مدرسة بحر البقر وفي معسكر قانا، كما لم نسمع ان أحدهم قد أدان احراق أطفال غزة بالفوسفور الأبيض. أخشى ان الكيد السياسي في الداخل المصري قد وصل الى مستويات رديئة يتم فيها الضرب تحت الحزام بكل الوسائل، ومن ضمنها استخدام دور العبادة في الترويج لفصيل سياسي معين، مع اختلاف هذا الفصيل باختلاف نوع الدار!.. غير ان أخطر أنواع الضرب تحت الحزام هو ان يفعل أحدهم ما فعله الأخ شاور في صراعه مع الأخ ضرغام.. ومن لا يعرف عما أتحدث فليعد الى التاريخ ويقرأ ما به من عِبَر.. اذا أراد ان يعتبر!. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية