ما بين التكفير والتخوين، أصبح التعصب الفكري والديني والسياسي، آفة تستشري فى المجتمع المصري خاصة فى الآونة الأخيرة، وتحولت " ثقافة الحوار " فى المجتمع إلى نوع من الاحتقان والرفض التام للرأى الأخر، وانتقلت الحالة إلى الأسرة المصرية بالضرورة. وحول تحليل تلك الظاهرة المجتمعية الخطيرة وأسبابها، أكد الدكتور عمرو أبو خليل استشاري الطب النفسي، في حوار خاص لبوابة الوفد الإلكترونية، أن أسباب ذلك يعود الى عدة عوامل أساسية، أولها، إنعدام الحوار فى الفترة الماضية بشكل فاعل على مستوى المجتمع بصفة عامة، وعلى مستوى التفاعل الحقيقي بين الأفراد سواء في العمل أو المدرسة أو الجامعة أو المنزل، موضحا أن ذلك جاء نتيجة المناخ المغلق الذي عاشه المجتمع لسنوات طويلة فى ظل النظام البائد، وهو ما جعل النموذج الديكتاتوري، أو النموذج الأبوي للحاكم الذى تكمن كل الخيوط بين يديه، هو النموذج المسيطر، فانعكس ذلك على جميع مؤسسات المجتمع، فالأب يفرض آراءه على أبنائه فى المنزل، والمدير لا يقبل رأي مرؤسيه فى العمل، والقياس على ذلك فى مختلف الأماكن، فأصبحت الحالة العامة هي أن الديكتاتورية تبدأ من الشعب لتصل إلى الحاكم . مبينا أن العامل الثاني هو أن المجتمع المصري كان في سبات عميق، وفجأة رفع عنه هذا الغطاء بدون أي استعداد أو جهد مبذول من وزارة الثقافة، والتربية والتعليم، أو الإعلام، للتعريف بمعنى هذه الحرية التي تم انتزاعها بفضل ثورة 25 يناير أو مفهومها وقواعد الحوار الصحيحة، في حين أتى تقاعس الأطراف الفاعلة ومؤسسات المجتمع المدني عن القيام بدورها الأساسي في تحقيق التعايش المجتمعي، وتهيئة مجتمعنا لهذه المرحلة المفتوحة، كعامل ثالث ساهم فى تفاقم هذه الظاهرة. برامج التوك شو وقود التعصب وأتهم الدكتور عمرو وسائل الإعلام التي وصفها بأنها العامل الأكثر فاعلية فى زيادة الإحتقان، بتقديمها للنموذج السيئ وخاصة برامج التوك شو، التى أصبح معيار نجاحها الأول هو الصراخ والسباب والبهرجة الإعلامية، فأصبحت تلك النماذج السيئة هى القدوة للشباب الصغير الذى يقلد ما يراه، بالإضافة الى تأثير تلك النماذج على المواطنين البسطاء، مطالبا الإعلام بتقديم نماذج ايجابية، وتوفير المعلومات الصحيحة، والإلتزام بالحياد قدر المستطاع، حتى لا تزداد نار الفتنة، مشددا على ضرورة الإلتزام بميثاق الشرف الاعلامى، ومحاصرة النماذج السيئة بعيدا عن حملات التشوية المفتعلة . وبيّن أبو خليل أن كل هذه العوامل أدت الى نوع من الحيرة، فى ظل سوء إدارة المرحلة الإنتقالية التى تعيشها البلاد، فأصبح عدم التيقن من الخطأ أو الصواب، هو السمة الغالبة، لافتا إلى أن المجتمع أصبح يموج بالحيرة والبلبلة، مما نتج عنه ما نراه من الاحتقان والتعصب. الحصان الفيسبوكي ينطلق بلا لجام وعن مواقع التواصل الاجتماعى ودورها فى زيادة التفاهم والحوار المجتمعي من عدمه، بعد انتشارها بشكل كبير وتأثيرها فى الرأي العام، وتحريك التظاهرات والفعاليات، أكد عمرو أبو خليل أن تلك المواقع " زادت من الطين بلة "، فكل فرد يمتطى صهوة جواده الفيسبوكي على حد قوله، ويكتب، ويتناقش بدون حدود، ولا خجل، ولا قواعد أو قوانين منظمة، مما ساهم في زيادة القلق على مصير المجتمع، مشيرا إلى أن تلك المواقع تعج بالألفاظ النابية والسباب والشتائم وعدم وجود الحد الأدنى من إحترام الحوار، مما كان له تأثيرا بالغا فى زيادة حدة الحوار بين الأطراف المختلفة كافة، وأدى إلى حالة من الاستقطاب بين قطبين، كشريطى سكك حديدية لا تتلاقى أفكارهم أبدا . النضج والثقافة هما الحل وحول سبل الخروج بالمجتمع من هذا النفق المظلم وحماية الشباب من الوقوع كفريسة فى فخ الاستقطاب سواء على المستوى الديني أو السياسي، دعا الدكتور عمرو إلى زيادة النضج والوعي مخاطبا الشباب بعدم تسليم عقله لأي مدعي، لافتا إلى أن القراءة والتعلم والحصول على المعلومة بشكل جيد من مصدر موثوق، وبناء الرأي على نوع من النقاش الحر العلمى مع المخلصين، وعدم الاندفاع وراء الاخرين، هو أحد أهم أسباب الخروج من حالة الاحتقان التى يشهدها المجتمع المصري، مضيفا أن الإدراك بأن هناك حوار وقواعد للعبة السياسية والاجتماعية والثقافية أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي، هو أولى أن نقدره ونحترمه فى تحويل خلافتنا إلى طاقة بناء وتقدم إلى الأمام، وفعل ايجابي أما على المستوى الأسري فقد ناشد الآباء والأمهات بضرورة إفساح المجال للابناء من أجل مزيد من الحرية فى النقاش للتعبير عن أرائهم حتى يتقبلوا مفهموم الاختلاف فى الرأي منذ الصغر.