هل لدينا حوار في المجتمع؟! قد يستنكر البعض طرح مثل هذا السؤال في ظل الموجات العديدة والمتنوعة للندوات والمؤتمرات التي تتناول شتي القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومع كثرة برامج التوك شو التي تستضيف شخصيات للإدلاء بآرائهم في موضوعات كثيرة.. ولكن من يشارك في هذه الندوات والمؤتمرات واللقاءات فضلا عن برامج التوك شو سوف يتأكد أن ما يدور بيننا ليس حوارا حقيقيا.. إنما هو حوار شكلي مثل التدين الشكلي.. فنحن نتظاهر بالحوار ولا نمارس حوارًا. فهذا الحوار الدائر الآن يدور بدون قواعد.. نحن نتباري رياضيا في ظل قواعد، ولكننا نتباري حواريا دون أي قواعد.. لذلك هذه الحوارات الشكلية منفلته وغير جادة ولا تدور بناء علي معلومات، وإنما يثار فيها انطباعات عامة بناء علي التأثر بما يقال أو ما يتم سماعه.. وبالتالي فإن الحوارات الدائرة لا تتضمن نقدا للأفكار والآراء والرؤي وإنما تتركز في الأغلب الأعم من هذه الحوارات علي الطعن في الأشخاص أصحاب الأفكار والآراء والرؤي.. الطعن في وطنيتهم وشرفهم وفي سلوكهم من خلال توجيه الاتهامات، كل أنواع الاتهامات لهم! وفي هذه الحوارات الشكلية فإن الأغلب الأعم منها يتم بغرض إملاء رأي أو فكره أو تمرير قرارات أو فرض سياسات علي الغير.. ولعل استخدام مصطلح «الحوار المجتمعي» ظهر مقترنا برغبة في تنفيذ سياسات جديدة أو إصدار قرارات جديدة تتناول قضايا وأمورا حياتية تهم كثيرًا من المواطنين. كما أن معظم هذه الحوارات شارك فيه المتحاورون وكل منهم في خندقة لا يريد أن يخرج منه.. أي أنه يدخل الحوار من أجل إقناع الأطراف الأخري بأفكاره وآرائه لا من أجل التعرف علي آراء وأفكار هذه الأطراف والاستفادة منها من أجل تنقيح أو تعديل أفكاره وآرائه هو. وبالتالي لم يخلق هذا الحوار الشكلي الدائر الآن.. توافقًا مجتمعيًا علي شيء.. التوافقات تراجعت والاختلافات والخلافات هي التي فرضت نفسها.. أي أن هذه الحوارات الشكلية لم تحقق النتائج المرجوة منها.. فنحن من المفروض لا نتحاور من أجل الحوار، وإنما نتحاور من أجل خلق توافقات عامة حول القضايا الأساسية والرئيسية. بل علي العكس فإن هذا الحوار الشكلي الذي يفتقر إلي المعلومات وينمو نحو الإثارية ويعتمد الشجار أسلوبًا لا يحقق فوائد.. إنما يؤذي أحيانا.. ولعل المثال الصارخ هنا هو الحوار الذي دار مؤخرا حول قضية نهر النيل أو تحديدا مشكلة الخلاف الذي أصبح معلنا بين دول المنبع ودول المصب.. ففي هذا الحوار دعا البعض إلي معاملة دول المنبع بطريقة خشنة بل وبالعنف، وهو ما ترك تأثيرا سيئًا في نفوس ليس فقط مسئولي هذه الدول، وإنما نفوس شعوبها أيضًا، وكان له تداعياته السلبية علي المحاولات الجادة لتوثيق التعاون المصري مع هذه الدول، باعتبار هذا التعاون هو السبيل الوحيد الذي يحقق المصالح المصرية والأمن القومي المصري. ولكن حتي يستفيد المجتمع من أي حوار يتعين أن يكون هذا الحوار حقيقيا لا شكليا.. جادا لا صراعا.. وأن تكون له قواعد تحكمه أو أن يكون الهدف واضحا منه وهو التوافق.