عاشت طوال حياتها تعطى بلا حدود حتى لحظة وفاتها، لم تحصل على شىء غير الإهانة والسب والقهر والذل والغدر، كانت مكافأة نهاية خدمتها ممن يسمى أبى التعذيب، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، لتكون آخر كلماتها أولادى ارحلوا اتركوا هذا الأب اللعين، حتى آخر لحظات فراقها وهى تخشى علينا من هذا الرجل، أخجل أن أقول عنه «أبى» بالفعل فهو لم يستحق أن يكون أباً لأنه تجرد من مشاعر الأبوة، منذ أن فتحت عينى وأنا أجد أمى هى التى ترعانى أنا وأشقائى وتأخذنا فى أحضانها وتبادلنا الحب والحنان ومشاعر الأمومة الجميلة، رغم أن تربيتى الوسطى بين أشقائى ولم أقض معها عمرا طويلا مثل أشقائى، فإننى كنت أكثر إخوتى ارتباطا بها وأرى دموعها التى كانت تخفيها عنا حتى لا نشعر بحزنها أنا وأشقائى أو تنزع سعادتنا فكانت تحترق من أجل أن ترى ابتسامتنا، لم تعلم أننا رغم صغر سننا كنا نفهم كل شىء ونعلم تماما أنها تعيش حياة مليئة بالقهر والعذاب مع والدى، من يسمى أبى كان طويل القامة ويتمتع بعضلاته القوية ودائما كان يستعرض بها علينا نحن ووالدتنا، بل كان يتمتع بضربه لنا وكأنه يتصارع فى ملاعب الملاكمة، فهو كان يعيش فى المنزل كأنه يمثل شخصية «سى السيد» دائماً سب وإهانة ولم أره يوما طوال حياتى يبتسم لنا ولا يأخذنا فى أحضانه مثل باقى الآباء، فهو كان دائم الشجار معنا والتعدى علينا بالضرب، وعندما تتدخل والدتى لإنقاذنا من بين يديه كانت تنال قدرا لا بأس به من الضرب والركل والاهانات وكأنه يقول لها أنت المقصودة من هذا التعدى وكنت أفعل كل ذلك بأولادك كى تتدخلى وتنالى ما تستحقين من الإهانات أمامهم وعلى مسمع ومرأى منهم لم يسمع يوماً توسلاتها ولا صراخنا، ولم يتركها الا والدماء تسيل بجسدها، عقب ذلك يتوجه لتناول الطعام وارتداء ملابسه للخروج للتنزه مع أصدقائه، تجلس والدتى تبكى ونحن فى أحضانها نشاركها البكاء والألم ونحن لا نملك من أمرنا شيئاً ولا نستطيع الدفاع عنها أو منع هذا الوحش الآدمى من انتهاكه لحرمة جسدها النحيل ولم تجد أمامها غير الدعاء له بالهداية، ولكن للأسف ظلت حياتها تدعى لها بالهداية ولم تعلم أنه «إبليس» ولن يهتدى أبداً حتى الموت. بالفعل هذا الوصف بسيط له هو لم يكن انسانا فهو مجرد من كل معانى الانسانية لم يخش الله فى أولاده وزوجته، فهو كان يتمتع بشخصيتين: ظالم قاهر لأسرته، وشخصية أخرى مع زملائه يتعامل معهم بكل أنواع الاحترام، كنت أسمع منه الكلام المعسول وهو يتحدث مع زملائه عبر الهاتف وأشعر بالغثيان كيف هو هكذا وأتساءل من الأولى بحسن المعاملة كما أمره الله سبحانه وتعالى أنا وامى وإخوتى أم الغرباء، لم يحدث يوما أن تعامل معنا برفق أو معاملة انسانية كالغرباء مثلما يفعل مع زملائه والأقارب، كان يكرهنا بشدة ودائما يسب والدتى ويقول لها أولادك هم سبب تعاستى فى الحياة أنا أكرههم ولم أفكر فى الانجاب أنت السبب، فهو تزوج فقط من والدتى زواجاً تقليدياً، ولكنه للأسف لم يحب والدتى يوماً من الأيام ولم يقدر لها الأيام التى أفنت فيها صحتها وسعادتها من أجله ومساعدته ورحلة كفاحها معه حتى أصبح صاحب شركة، تناسى تماما أنها كانت تحرم نفسها كثيرا من ملذات الحياة وما تشتهيه نفسها من طعام من أجل أن توفر له متطلباته، كانت دائما تبخل على نفسها وتحرم نفسها وتمرض ولم تُشعر أحد بمرضها خوفا عليه وتوفير المال له، عاشت طوال حياتها على طاعته تحاول أن تلبى له كل ما يحلم به حتى قبل أن يطلبها، كانت على أمل ان يتغير ويشعر بها كإنسانة تحبه وتخشى عليه من عقاب الله، كنا أحيانا كثيرة نلومها ونحملها المسئولية لأنها تحملته وظلت تعيش معه بعد أن اكتشفت معاملاته السيئة وانجبت منه 5 أطفال، كانت تبتسم وتقول لنا لأننى كنت اشتاق اليكم وهذه أجمل هدية حصلت عليها من والدكم، وتكتم أنفاسها داخلها وتقول هذه عاداتنا وتقاليدنا وكان لازم أننى أحترم هذه العادات والتقاليد وهى أن البنت عندما تتزوج لم تخرج من بيت زوجها إلا إلى قبرها، هذا بالفعل ما فعلته والدتى تحملت كثيراً حتى فارقت الحياة، وأملها الوحيد أن يعوضها الله بهذا الصبر بالجنة، تحملت مصاعب الحياة من أجلنا، لم أحد يصدق أن إبليس كان عندما يغضب منا يقوم بمعاقبة والدتى بتجريدها من ملابسها فى الشتاء والبرد القارس ويقوم بالاعتداء عليها بالضرب، كان اعتقاده الدائم أن الرجل هو الذى يفرض سيطرته على المنزل، ويرى فى أعيننا الخوف بدلاً من الحب، حول حياتنا الى دمار كنا نكره وقت حضوره للمنزل وكأنه عشماوى، ونفرح ونلهو ونلعب عندما يغادر المنزل، كنت أشعر أحياناً كثيرة أنه ليس والدى كنت أنتظر لحظة دخول أب حنون عطوف علينا يأخذنا بين ذراعيه ويبتسم لنا مثلما كنت أرى زملاءه فى المدرسة وهى تجرى بين أحضان والدهما عندما يحضر لمتابعة حالتهم التعليمية، عاشت والدتى فى خدمتنا طوال حياتها هدفها الوحيد هو حمايتنا من بطش والدى وكان طلبها الوحيد لنا هو الحصول على اعلى الشهادات لانه كان دائما يهددنا بالطرد من المنزل فى حالة رسوبنا، كنا بالفعل انا وأشقائى نذاكر ونحصل على اعلى الدرجات ليس خوفا منه بل لإسعاد والدتى التى كانت تستحق أن ترى السعادة التى حرمت منها طوال حياتها، بالفعل تحقق حلمها وحصلنا على أعلى الشهادات وتزوجت شقيقتى واعتقدنا أن والدى سوف تتغير أحواله، خاصة بعد كبر سنه ولكن للأسف، السن يكبر والجبروت والكراهية تستمر معه، تناسى أننا أيضا كبرنا ولم نعد نسمح بإهانة والدتنا قمنا بالتصدى له أثناء محاولته التعدى عليها بالضرب كان عقابه لنا محاولة طردنا من الشقة بالفعل خرج شقيقى بعد أن فاض به الكيل من عذابه، رفضت أن أخرج وبقيت مع والدتى أحافظ عليها، كنت أشتغل ليلاً مع نهار حتى استطيع أن أدبر مقدم شقة وأخذ والدتى ونترك هذا القهر والذل ولكن للأسف القدر كان أسرع منى، حدثت مشاجرة مع والدى ووالدتى لرفضه الإنفاق على المنزل وطمعه فى أموالنا أنا وشقيقى التى كنا نحتفظ بها مع والدتى، جن جنونه لرفضها إعطاءه ما ادخرناه بعض الأموال، قام بالتعدى عليها بالضرب وتعذيبها ونظراً لكبر سنها لم تستطع أن تتحمل سقطت مغشياً عليها بحجرة نومها، دق جرس التليفون علىّ وأنا أعمل لأجد والدى يطلب حضورى على الفور ويخبرنى بأن والدتى سقطت على الأرض، عدت الى المنزل مسرعة لأجدها ملقاة على الأرض دون حراك وبجسدها آثار تعذيب، صرخت أطلب منها أن تعيش من أجلى، لفظت أنفاسها الأخيرة بين ذراعى وهى تقول لى: اتركى هذا البيت وخذى أشقاءك، ابعدوا عنه، وفارقت أمى الحياة ولكنى لم أرتح أبداً إلا بعد أن أرى والدى يعدم أمام عينى فهو لم يستحق العيش أبداً. أبلغت عنه الشرطة وأنه السبب فى مقتل أمى. وأكد تقرير الطب الشرعى أن سبب الوفاة اعتداؤه عليها بالضرب المبرح. وكانت التهمة ضرب أفضى الى الموت. ولكنى طلبت تعديل التهمة فهو تعمد قتلها وداوم على تعذيبها منذ سنين طويلة. ويقبع فى السجن ينتظر حكماً يسلبه حياته، كما سلب من أمى الحياة.