مرة أخرى أحثّ الأزهر الشريف على بدء جهد لبناء تحالف ديني مسيحي-إسلامي ضد إسرائيل والاحتلال وجرائمه، ولا أعرف أحداً أكثر علماً أو تأهيلاً من الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، للنهوض بالمهمة. سجلت الشهر الماضي في حلقتين متتاليتين عداء الكنائس المسيحية الرئيسية في الولاياتالمتحدة لإسرائيل وممارساتها ضد الفلسطينيين، ولا أعرف طائفة مسيحية تؤيد إسرائيل سوى المسيحيين الصهيونيين، وهم جماعة في ما يعرف بحزام التوراة في ولايات جنوبية من الولاياتالمتحدة، إلا أن هؤلاء حمقى، أو على حافة الجنون، فهم يعتقدون أن السيد المسيح سيأتي ويقف على غيمة يخلصهم وحدهم عندما ينتهي العالم، ولهم مؤشر لرصد النهاية، فإذا زادت الأخطار يقول المؤشر لهم «شدّوا الأحزمة»، بمعنى الاستعداد للرحيل. ممثلو الكنائس المسيحية الكبرى كانوا سبب ما كتبت قبل حوالى شهر، فهم وجهوا رسالة إلى أعضاء الكونغرس، الذي أيد قتل إسرائيل أطفال غزة قبل أسبوع، قالوا فيها إنهم يؤيدون حل الدولتين، ويتابعون انتهاك إسرائيل حقوق الإنسان الفلسطيني وقتل المدنيين وهدم البيوت وطرد السكان وتقييد قدرتهم على التنقل في بلادهم. وأختصر من فقرة أساسية في الرسالة قالت: نحثّ على تحقيق عاجل في احتمال أن تكون إسرائيل تنتهك قانون المساعدة الخارجية الأميركية وقانون تصدير السلاح الأميركي اللذين يمنعان مساعدة أي دولة تنتهك حقوق الإنسان وتستعمل السلاح الأميركي في «الأمن الداخلي» و «الدفاع عن النفس». ونحثّ الكونغرس على أن يدرس بدقة الموضوع ليضمن أن إجراءات الحكومة الإسرائيلية لا تضر باحتمالات السلام... إسرائيل من دون المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية ستفلس وتباع في المزاد. وما قال رؤساء الكنائس المسيحية يقوله كل عربي ومسلم، إلا أننا طرف، وأهميته هذه المرة أنه صادر عن رؤساء كنائس مسيحية غربية، والموقعون كانوا يمثلون الطوائف البروتستانتية، ومعهم كاثوليك وأرثوذكس، أي جميع الطوائف المسيحية الكبرى. هؤلاء القسس سجلوا في رسالتهم أمثلة على ما قالوا إنه «الانتهاك المنظم لحقوق الإنسان بمساعدة عسكرية أميركية»، بينها قتل المدنيين، ومنع التعبير السياسي والاحتجاج المشروعين، وهدم البيوت وتشريد السكان، واستعمال سلاح ممنوع في مناطق مكتظة بالسكان، وحرمان الفلسطينيين من حق الحركة، أي الانتقال من مكان إلى آخر في بلادهم. مرة أخرى، هذا ما نقول، إلا أنه أهمّ عندما يصدر عن كنائسهم وقساوستهم. اليوم أعود إلى الموضوع لسببين، الأول أن اقتراحي قبل شهر استُقبل بحماسة من القراء وأيدوه جميعاً، باستثناء رسالة واحدة، والثاني أنني أكتب اليوم على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. ما كادت إسرائيل تبدأ القتل والتدمير حتى كانت «الحملة الأميركية لإنهاء الاحتلال» تحث الرئيس أوباما على التحقيق في انتهاك إسرائيل قوانين استعمال الأسلحة الأميركية المصدرة. الحملة تضم حوالى 400 جماعة أميركية، بينها طوائف مسيحية كبرى، وأيضاً جماعات حقوق إنسان كبيرة وصغيرة، والقاسم المشترك بينها الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني وتسجيل الانتهاكات الإسرائيلية، مع اتهام إسرائيل بممارسة أبارتهيد، أو تفرقة عنصرية على طريقة جنوب أفريقيا السابقة، بل إنها تحيي ذكرى النكبة وتؤيد BDS، أي مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها. ردود فعل الكنائس المسيحية وجماعات حقوق الإنسان الأميركية على الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة تدعم ما اقترحْتُ قبل شهر بعد رسالة الكنائس إلى الكونغرس، وسأسعى في زيارتي القادمة للقاهرة أن أرى الشيخ أحمد الطيب لأقنعه بالعمل لبناء تحالف مسيحي-إسلامي ضد إسرائيل، فهي لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. نقلا عن صحيفة الحياة