خطاب الرئيس محمد مرسي الذي ألقاه خلال استلامه مسودة الدستور الباطل، اعتمد علي لغة ناعمة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تشفي غليل الثورة الغاضبة ضد الجمعية التأسيسية والإعلان الدستوري.. لقد دعا الرئيس إلي حوار مجتمعي في الوقت الذي حدد فيه الموعد علي الاستفتاء بيوم 15 ديسمبر الحالي، يعني أنه لا فائدة من هذه الدعوة، وإنما هي من باب سد خانة والسلام، او بمعني آخر فإن الرئيس ماض قدماً علي حد قوله فيما يفعله دون الالتفات إلي الثورة التي تجوب ميادين مصر بطولها وعرضها ضد هذه التصرفات غير الديمقراطية.. الرئيس ينفذ أجندة جماعة الإخوان، وهي أجندة تعتمد علي الولاء للجماعة وليس لمصر، وعلي جميع القوي الوطنية التي تدعو إلي التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة، أن يضربوا رؤوسهم في الأسفلت.. كانت الفرصة سانحة أمام الرئيس لينزع فتيل أزمة انقسام البلد بهذا الشكل الخطير، لكنه آثر ألا يري إلا أنصار جماعته المؤيدين له والمنفذ لتعليماتهم التي تعتمد علي السمع والطاعة.. والذي لا يعرفه كثيرون أن رئيس الجمهورية ليس أعلي سلطة في تنظيم الجماعة، فالمرشد العام هو أعلي سلطة، ومكتب الارشاد وشوري الجماعة يسبق منصب رئيس الجمهورية.. من هذا المنطلق نخطئ تماماً لو كنا نتوقع مزيداً من خطاب الرئيس.. رئيس الجمهورية ليس عنيداً فحسب، ولا يري ثورة المصريين فحسب، وإنما هو يؤصل لدولة الإخوان التي اعتلت عرش مصر، فلا تتوقع منه سوي تحقيق كل مطالب الجماعة، وأول بادرة في ذلك هي انفراد فصيل واحد وحزب بذاته في وضع مسودة الدستور، والتضييق علي كل القوي المدنية في مناقشات حول مواد الدستور، مما دعاها لأن تنسحب مضطرة إلي ذلك، لأن رأيها لا يؤخذ به ولا يلتفت إليه.. وكان هذا هو يوم المني لأعضاء التأسيسية من التيار الديني الذين يريدون أن يضعوا دستوراً علي أهوائهم وأمزجتهم وليس معبراً عن جموع وأطياف الشعب المصري!! خلال متابعتي لخطاب الرئيس كنت أدعو الله أن يقوم الرئيس بنزع فتيل الازمة السياسية الطاحنة بالبلاد، ولكن خاب ظني إلا من جملة واحدة لا فائدة منها، وهي الدعوة إلي حوار مجتمعي حول المرحلة الانتقالية، فأي مرحلة هذه بعد تحديد موعد الاستفتاء، وأي حوار هذا بعد سلق وطبخ الدستور وإعلانه علي الشعب.. إن ما يحدث هو خدعة لهذه الأمة الثائرة في ميادين مصر ترفض الدستور والاعلان الدستوري، وترفض طريقة الرئيس في حكم البلاد، وترفض مبدأ تأصيل السيطرة علي مفاصل الدولة وترفض حكم الجماعة من أساسه، والذي فعله الرئيس هو مزيد من العناد ضد رغبة جماهير مصر، والانتصار لجماعته التي تشتري حشد الناس بالأموال، كما حدث في مظاهرات جامعة القاهرة الأخيرة! يبقي أن أسأل الرئيس من سيشرف علي إجراء الاستفتاء في ظل الاضراب الشامل للقضاة؟!.. وهل سيادة الرئيس الكلمات القليلة التي وجهتها للقضاة في الخطاب الأخير كفيلة بعدولهم عن رأيهم؟!.. هل بعد «مرمغة» العدالة المصرية في التراب وعدم الاستجابة لمطالب القضاة يمكن أن يتراجعوا عن موقفهم التاريخي والعظيم ويقوموا بالإشراف علي هذا الاستفتاء الباطل من أساسه؟!.. أم الرئيس يقوم بحشد جماعة الاخوان للإشراف علي الاستفتاء؟!.. أم يعلم الرئيس أن اجراء الاستفتاء بدون اشراف قضائي كارثة ووصمة عار علي جبين ثورة مصر العظيمة التي اختطفتها جماعة الاخوان.. أم أن الرئيس لديه رؤية أخري لا نعلمها سيقوم بالإفصاح عنها ليلة الاستفتاء علي هذا الاستفتاء الباطل علي دستور ساقط؟! فعلاً هو دستور العار الذي سيتم الاستفتاء عليه بحكم رؤية كل رجال القانون والدستور والسياسيين ورجال القضاء، طبعاً إلا المنتمين لجماعة الإخوان.. مصر ليس فصيلاً سياسياً واحداً ولا حزباً بعينه، مصر هي كل القوي الوطنية المحبة لتراب هذا البلد، وليس ملكاً لجماعة أو حزب سياسي يفعل بها ما يشاء.. إذا كانت جماعة الإخوان التي خرج منها رئيس الجمهورية تتصور أنها ستظل حاكمة للبلاد أبد الدهر، فهذا وهم خاطئ لن يحدث.. فشعب مصر بات واعياً لكل شيء حوله، والتجربة التي نمر بها الآن كافية لإسقاط الجماعة وكل من لا ينتمي إلي هذا الوطن.. تجاهل الرئيس للقوي السياسية المصرية الوطنية وعدم الاكتراث برأيها، هو أول مسمار في رحيل الرئيس.. فالرئيس لا يبالي برأي الأغلبية في الشارع المصري، ويهتم فقط برأي الأقلية من جماعة الإخوان التي ينتمي إليها، وهذا ما كشفت عنه الأحداث في الاسابيع الماضية!