خَلق الله تعالى آدم في الأرض واستخلفه فيها، كما استخلف ذريّته من بعده؛ لحكمةٍ أرادها، وهي: أن يَقوموا بعبادة الله وإقامة شرعه في الأرض، وعمارتها كما أمر، وجعل الله تعالى كلّ الكون موصلاً إليه دالّاً عليه، قال تعالى مخاطباً داود -عليه السّلام- عن الحكمة من استخلافه: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)،[4] . فالحكم بالحقّ هو معيار التفاضل بين الأمم في قضيّة الاستخلاف وبقدر الحرص على دوام الحُكم بالحقّ يدوم استخلاف الأمّة، فعندما صدّق بنو إسرائيل موسى وآمنوا برسالته، مكّن الله -عزّ وجلّ- لهم، باستخلافهم في الأرض، ولمّا أفسدوا في جميع الجوانب، أفسدوا عقديّاً؛ فكفروا بالله تعالى وقتلوا أنبياءه، وفي معاملاتهم تعاملوا بالربا، وفي مجتمعاتهم أسرفوا في الفواحش والمحرّمات، عندها نزع الله منهم منحة الاستخلاف و قيادة البشر، وكتب الله تعالى عليهم الذلّة والهوان إلى يوم القيامة، فالاستخلاف من سُنن الله تعالى القابلة للتغيير في حال ابتعاد الأمّة عن أمر الله، ومن الإشارات الهامّة في قضية الاستخلاف: لا يستخلف الله تعالى قوماً حُبّاً بهم أو مجاملةً لهم، وإنّما يستخلف الله من اجتهد في تحقيق الأسباب؛ لأداء المهمّة المناطة به على أحسن وجهٍ. الاستخلاف له عدّة أنواعٍ تتفاوت في مقدار المسؤوليّة؛ فالرجل مستخلفٌ على أهل بيته، وصاحب المال مستخلفٌ في ماله. يتنقّل الإنسان في مواطن الخلافة بقدر ما يقوم بحقّ المُستخلِف ويؤدي الأمانة، والاستخلاف من نعم الله تعالى المستحقّة للشُكر، فالله تعالى حيت يستخلِف القوم ينظر كيف يعملون بمنحة الاستخلاف. ما نرى من تمكين الكفار اليوم وسيطرتهم على العالم، يعود إلى عزمهم وإصرارهم على إبعاد الإسلام عن قيادة العالم، باستخدام جميع الأساليب، في حين ابتعاد أبناء أمّة الإسلام عن دينهم وزحفهم نحو التبعيّة والتقليد الأعمى. من الثابت في نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة أنّ الخلافة ستعود إلى المسلمين يوماً ما، وعودتها مرتبطةٌ بعزم المسلمين الصادق على الإصلاح والتغيير، بأن تمضي الأمّة إلى الأمام بتمسّكها بالكتاب والسنّة؛ لتحقيق النصر والتمكين.