كتب الأستاذ مجدى أحمد حسين فى مقال له بجريدة الشعب أنه اكتشف بعد لقائه بعدد من الفرحين أنه «تبين أن قرار الرئيس مرسى بإعفاء الفلاحين من الديون الأقل من 10 آلاف جنيه لا ينفذ وأن الفلاحين يتعرضون للمطاردة لدفع الديون والتهديد بالحبس فهل يوجد أخطر من ذلك تهديد لهيبة الرئيس ومصداقيته. وكذلك اشتكى الفلاحون من قلة صرف الكيماوى الذى لا يزيد عن شكارتين فحسب، وأيضا عدم تسليم الكيماوى للفلاحين المديونين أو المتهمين بالبناء على الأرض الزراعية أو المتهمين بالتأخر فى دفع أقساط الاصلاح الزراعى، والمثير للسخرية أن بعض أصحاب أرض الاصلاح الزراعى مايزالوا يدفعون أقساط منذ 60 سنة ولابد من إعفائهم من هذا العبث، وقد ملكتهم الدولة الأرض بقوة القانون». وهى كلمات هامة تعنى بكل بساطة أن الفساد ما يزال يرعى فى أوصال هذا البلد رغم الظن الذى شاع أنه بعد الإمساك بعصابة الكبار سوف يصفى الجو فى مصر وينقى ونستريح من الفاسدين بعد أن تم القبض على رؤوس المفسدين. بينما الحقيقة تكمن فى كون الفساد الذى عشش فى الأوكار التابعة لهم أو النفوس التى تعلمت منهم وتأثرت بسلوكهم وأخلاقهم هى الأخطر والأشد تأثيرا وضررا. لأن الديدان والسوس الذى يكمن فى أصل الشجرة وتنخر فيها هى أشد فعلية وأشرس فتكا. لأنها باندساسها وانتشارها وتغلغلها وتمكنها من كل مفصل من مفاصل الوطن وكل مرفق من مرافقه ومؤسسة من مؤسساته بلا استثناء سوف تظل تفعل فعلها الهدام حتى تتهاوى البنايات وتنهار المؤسسات ويسقط البشر مرضى وصرعى بعد أن يفرّ كثير منهم مهاجرين يائسين من أن تحولا حقيقيا قد حدث فى وطنهم أو أن تطهيرا ذا قيمة قد بدأ فى الحدوث حتى بعد أن تضاعفت مرتبات بعض الفئات ما بين أفراد شرطة يرتشون ومعلمى مدارس لا يزالون على إصرارهم فى إعطاء الدروس الخصوصية أو تهديد التلاميذ بالرسوب الظالم المتعمد. وما بين أساتذة جامعيين لم يكتفوا بزيادة مخصصاتهم ربما إلى الضعف فاستمروا يفرضون كتبا رديئة وملازم لم تتغير فيها سوى العناوين بل يبيعونها بإيصالات تكشف لهم من تقاعس عن الشراء ومن رفضه كى يقدرون له الرسوب المتعمد. وبين أعضاء هيئات تدريس جامعيين آخرين لا يزالون يدفعون بمبالغ سخية إلى محترفى كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقية سواء كانوا أفرادا – من هيئة التدريس بكلياتهم ومعاهدهم ؛ أو أصحاب مكاتب خصصت من أجل ذلك – كى يكتبون لهم فيأخذون درجات أعلى لا يستحقونها. أو كانوا من المرتشين المحترفين فى الوزارات والمصالح الحكومية وأفراد المرور. وقد رأيت ذلك بعينى فى مطار القاهرة وسمعت الشكوى المرّة من سائق التاكسى الذى أخذته من هناك بعد أن رأيت أمين شرطة ينهره ويبتزه ويساومه فيستسلم ويدفع وهو يرجوه فى مذلة مكررا نداءه بلقب باشا. وما بين مكافآت يمنحها مسئولون إلى محاسيب وأقارب وأصدقاء ومعارف إلى من لا يستحقونها. وبين سفريات متعددة إلى الخارج يهدونها لمن لا لزوم لسفرهم أو لمن يعود محملا لهم بالهدايا وبالبضائع المهربة. إلى آخر كل ذلك من جحافل النمل الأبيض وقوافله وجموعه التى ربما استمرت جيلا أو جيلين ولن ينقذنا منها – أو لن ينقذ أجيالنا القادمة – سوى تربية دينية وأخلاقية ووطنية حقيقية. لأن الرقابة وحدها وحتى المشددة منها لن تفلح فى القضاء على شبكتها الضخمة الهائلة بعد أن تغلغلت فى النفوس واستقرت فى العقول واستفحلت وأصبحت عادة يحللها المتدينون خداعا لأنفسهم وافتئاتا على الدين الذى هو بريء منها ومنهم. مثلما يتلذذ بها ويستمرئها من طال بهم العهد على أخذها وتقاضيها. ولا يعنى ذلك بالطبع يأسا من الرقابة المشددة عليهم بل مطالبة بها. وتخصيصا لجهاز يحاربها. جهاز اسمه مكافحة الرشوة فى المصالح المدنية. وتفعيلا لأجهزة التفتيش فى الشرطة وفى المحاكم وفى الشهر العقارى والمستشفيات حتى ولو كانوا من التطوعين وربما ساعد ذلك كثيرا. علاوة على تشديد العقوبة على الجناة وطمأنة المبلغين عن جرائم الرشوة والفساد وحمايتهم من التنكيل بهم أو الانتقام منهم قبل أن تستفحل الحالة – التى استفحلت بالفعل – وقبل أن يصبح الإنقاذ مستحيلا والعلاج غير ناجع.