بين شقى الرحا، تمر حياة مفتشى وزارة التموين. يعيشون بين مرتبات ضعيفة لا تسد حاجاتهم، وطمع أصحاب المخابز ومخازن البوتاجاز، الذين يهدرون كرامتهم بالتعدى عليهم مرة، ويقدمون لهم الرشاوى مرة. يكسرون أعينهم ويشعرونهم بالدونية، من أجل التهرب من المساءلة عن المخالفات، لأنهم يعلمون أن راتب المفتش الذى قضى 20 عاماً فى عمله لا يتعدى 600 جنيه، مع أن فترات عملهم قد تصل إلى 12 ساعة يومياً. وكأنه كتب على المفتشين أن يظل حالهم متدهوراً، يتحملون فاتورة أزمات رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز والسولار وجميع السلع التموينية، وتبقى الصورة الذهنية عنهم سيئة بين الناس. رشا حسن مفتشة تموين بالقليوبية، أكدت أن مرتبات مفتشى التموين أقل مرتبات فى الدولة، بداية من تعيينهم بقانون 47 لسنة 78، الخاص بالعاملين بالدولة، إذ يبدأ بمبلغ 48 جنيهاً، وليس له امتيازات أخرى، مع أنه يقوم بالعمل فى أيام الإجازات والأعياد والمواسم بدون مقابل، ويزيد فقط 10٪ علاوة مثل أى عامل، يعنى أن من يقضى حوالى 20 سنة قد يصل مرتبه 630 جنيهاً لا غير، رغم أن عددهم لا يتعدى 9 آلاف مفتش. كما أنهم دائماً يؤكدون أنه لا يوجد درجات لتعيين مفتشين جدد. أما صالحين جابر عبدالله مدير إدارة تموين نجع حمادى، فأكد أن مفتشى التموين كثيراً ما يتعرضون للإهانات يومياً تهدر من خلالها كرامتهم وآدميتهم، فى ظل محاولات مستمرة من أصحاب المخابز والمنشآت التجارية للرشوة والإغواء بالمال، أو التعدى عليهم. مثل ما حدث من تعدى أحد أعضاء حزب النور على مفتش بقنا، عندما حاول منعهم من التدخل فى توزيع الخبز والبوتاجاز من خلال ما يسمى باللجنة الشعبية، لأن الأمر مسئوليته وليس مسئولية حزب النور الذى أراد أعضاؤه الحصول على العيش فى أماكن خاصة، وتوزيعها بمعرفتهم وهذا غير قانوني.. فالمفتش يجب أن يتأكد من وصول الأشياء المدعمة لمستحقيها. وأكد أن مفتشى التموين يشعرون بالظلم، وكأنهم أعداء للوطن أو أنهم من إسرائيل، وليسوا من الذين يراعون مصالح المستهلكين. محمد عوض النحاس، مفتش تموين، طالب بأن يعامل المفتش كما يعامل موظفى هيئة الرقابة على المطارات والموانى، وهيئة الرقابة على المبيعات، وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، وهيئة الرقابة الإدارية. وأضاف: نحن خبراء جودة ومواصفات للمنتجات نكشف أخطاءها وعيوبها، وأى قصور فى أى منتج من انتهاء لصلاحيته أو مواصفاته نتحمل مسئوليته. فمفتشو التموين هم حماة للمال العام المدعم، وأيضاً حماة للمستهلك، والمتصدين لجشع بعض التجار والمستثمرين من عديمى الضمير. العربى أبو طالب، رئيس الاتحاد والائتلاف العام للتموين والتجارة الداخلية، قال إن عدد المفتشين التابعين لوزارة التموين الذين يحملون الضبطية القضائية 9 آلاف مفتش ومهمتهم ضبط المخالفات التى يتعرض لها المستهلك بداية من الأكل والشرب وحتى الأدوية والكريمات والبنزين وأدوات العمليات الجراحية وغيرهما، وعليهم مسئولية وجود السلعة والرقابة عليها. وأضاف: رغم أننا تقدمنا أكثر من مرة بمذكرات للمسئولين عن الصعوبات التى تواجه المفتشين وضرورة تحسين أحوالهم وأوضاعهم المعيشية، وكشف العبء الكبير عليهم والجهد المضاعف الذى لا يتوازى مع ما يحصلون عليه من مرتبات، حيث نستيقظ فى الثالثة فجراً لنبدأ عملنا فى مراقبة المخابز واستعداداتها، لتقديم رغيف الخبز، ومتابعة إنتاجه بالجودة المطلوبة، والتصدى لتهريب الدقيق من المخابز للسوق السوداء، وكذلك أنبوبة البوتاجاز ومراقبة المستودعات، ومحطات التعبئة للقضاء على مافيا الدعم. كل هذا فى مواعيد العمل الرسمية وغير الرسمية لتظل السلعة متوافرة، وكذلك القيام بمراقبة السلع الغذائية والسوبر ماركت والبقالة والباعة الجائلين وموزعى التموين، وأسواق الخضر والفاكهة واللحوم. وقال: لعل آخر مذكرة تقدمنا بها كانت للرئيس محمد مرسى رئيس الجمهورية حيث عرضنا فيها ما نقوم بعمله فى أكثر من 5 ملايين و200 ألف منفذ بيع وتصنيع وتجهيز.. وكل ذلك يقوم به المفتشون من خلال لجان تتكون كل واحدة منها من 3 أفراد، و2 مساعدين، رغم قلة عددنا على مستوى الجمهورية، ورغم أنه من المفروض القيام بأعمال المراقبة يومياً.. لكن هذا غير منطقى لأن 3 آلاف لجنة لا تستطيع تغطية 5 ملايين و200 ألف منفذ من جميع المنتجات. وأوضح ضرورة وجود تشريعات جديدة، تشدد العقوبات على المخالفين مثل الغرامات الكبيرة والمنع من مزاولة النشاط مرة أخرى.. فمن غير المعقول أن يكلف نزول اللجنة 350 جنيهاً من أجل محضر تقوم به اللجنة لتسليمه للشرطة ومنها للنيابة، من أجل غرامة 50 جنيهاً فقط. كما يجب زيادة عدد المفتشين، وتتماشى التشريعات مع السوق الاقتصادية فى الوقت الحالي. كما يحتاج المفتشون لحماية من الممكن أن تكون سلاحاً مرخصاً مثل رجال الشرطة، لأننا نتعرض لكثير من حالات التعدى من «حرامية الشعب»، و«لصوص الدعم الذى تمنحه الدولة للغلابة»، خصوصاً أننا كثيراً ما نتصل بالشرطة عند تعرضنا للتعدى دون استجابة، رغم أننا عندما نضبط مخالفات ونحرر بها محضرا تنسب مجهوداتنا لرجال الشرطة. من جانبه أكد مصدر مسئول بوزارة التموين استياءه من عدم تحسين أوضاع موظفيها من المفتشين والإداريين، خاصة أنه منذ تولى الوزير «مصيلحى» لم يتم تعيين مفتشين جدد، وهو ما يؤدى إلى تدنى الرقابة، بسبب قلة عدد المفتشين الذين لا يتجاوزون 13 ألف مفتش، فى حين أن هناك 18 ألف مخبز و20 ألف «بقال» و3000 مستودع بوتاجاز، وعدد كبير من الموزعين، بالإضافة إلى الأسواق و«السوبر ماركت» وغيرها.