عندما يتبدل الشعار ، ويختفى علم البلاد بآخر شوه الميدان ، كأن ثورة يناير ذلك الحلم الذى طال أمده ، لم تقم ، وكأن الدماء التى سقت التحرير ، والسيارات التى ظلت تدهس باقتدار عجيب جماجم وعظام كل الأوفياء لم تكن واقعا تألمت له الأفئدة ، بل وهما تخيله البعض ، سرعان ماأفقنا على الحقيقة المفجعة ، آخرون هم من قفزوا بسرعة الصاروخ على الأشلاء ، جعلوا من بقايا الشهداء سلما هاهم تربعوا واقتربوا من كل شبر فى مصر المحروسة ، أبو الهول ترتعد فرائصه ، أقباط مصر يحاولون جاهدين أن يمدوا جسور الحب والود ، فقد عاشوا متضامنين أربعة عشر قرنا يقتسمون الخبز وماء النيل ، واجهوا الأعداء باستبسال دون تفرقة بين محمد ومينا . الآن هاجس الخوف لاتخطئه العين ، يسعون بخطى حثيثة أن يتركوا الأرض مهاجرين تاركين الدفء والذكريات ، فالقلق لم يعد على الأرواح بل على المنارات والقباب أيضا ، أسوار الكنائس باتت تهدد الكارهون للشركاء ، فيبتدعون كل يوم وجع جديد ، المتطلعون أن نتربع على خريطة العالم كدولة تسبقها حضارتها العريقة ، تستقى من معين تاريخها العظيم مايجعلها تنهض بحق ، تعيد مذاق الألوان ، كل علم ، كل فن وثقافة ، يرتأون فى العودة للحقبة المظلمة خيارا لابديل عنه ، العالم المتحضر من حولنا يخطط هل هناك حياة على المريخ ؟ حتى إن لم تكن هناك إجابات شافية لكن المحاولة فى حد ذاتها ، الأبحاث العلمية التى تسبق الثمن كفيلة بأن تضع اللبنة الأولى للأجيال القادمة ركيزة يبدأون منها وحتما ستكتمل المسيرة يوما ما ، فى بريطانيا تم إختراع بديل لبنزين الطائرات من الهواء ، كيف يتم الحصول على عدة ليترات من الوقود ، فالهواء الذى خلقه الله يمكنهم إستغلاله لخدمة الإنسان ، بدلا من بث الأفكار المسمومة فنعكر صفو الأجواء ، العالم يعمل العقل باستخدام العلم ، ونحن أقمنا عشرات المليونيات فى خلال سنتين من بدء الثورة ، ليست من بينها مليونية واحدة من أجل العمل والتجويد فى الآداء ، لتعويض مافات ، لم نحاول أن ننهض من تلك الكبوة ،الشعب الذى إستطاع أن ينهى عقودا ظلامية ، جثمت على أنفاسه وأعادته للخلف ، نهبت مقدراته وهو الشعب الأبى ، لكننا أسرعنا الخطى للخلف نحرّم كل شئ ،أما القرارات العشوائية ، الصادرة دون دراسة فمن المؤكد أنها أرضية خصبة للمزيد من الفقر ، والفقر أساس النهب والسطو ، وبدلا من أن نصبح (مسلم مسيحى إيد واحدة ) تسابقوا معلنين أنهم لن يحضروا حفل تنصيب البابا الجديد ، ليس هذا فقط بل يؤثم أيضا كل من تسوّل له نفسه أن تطأ قدمه أرض الكاتدرائية ، والرجل فى كل حواراته يقول : قلوبنا وأبوابنا مفتوحة للجميع ، لانرحب بالزائرين فالكل صاحب مكان ، سوف نطوى كل الصفحات السوداء من فتن طائفية وأوجاع الشعب ليس مسئولا عنها ، الأزمات صنعها العهد البائد دفع ثمنها الشعب المصرى المتدين بالفطرة ، فتن كادت تعصف بالوطن فلنبدأ من جديد ، نفتح صفحة للتاريخ دون شوائب ، نخلص فيها النية لله أن نبنى الوطن بحب وتعاون نصنعه سويا ، لم يعد هناك مزيد من القول يامصر ، فالمؤسف حقا أن الغمامة التى غلفوا بها عقولهم وقلوبهم أعمت عيونهم ، وراحوا يطمسون صور الشهداء من محمد محمود .