الهداية والتقوى أبرز مقاصد القرآن والصيام أدرنا ظهورنا لحضارتنا فتطور الغرب وتراجعنا الحضارة الغربية وهمية لافتقادها القيم والإيمان أكد الدكتور عبدالوهاب القرش، مدير مركز الطبرى، أن الحضارة الغربية حضارة وهمية، لأنها تحمل دمارها وتفتقد إلى القيم والإيمان، على عكس الحضارة الإسلامية التى ستظل الأرقى بمكوناتها الدينية والثقافية والإنسانية، لأنها قامت على أسس شرعية صحيحة نقية. وأشار «القرش» إلى أن سنة الاصطفاء لا تأتى مصادفة، فلا يوجد صدفة عند الله، فالله عز وجل اصطفى من الملائكة رسولاً ومن الناس رسولاً ومن الأزمنة أزمنة ومن الأمكنة أماكن، فهناك المفضلون والأقل تفضيلاً وفى آخر الصف غير المغضوب عليهم والملعونون وأن ارتقاء درجات التفضيل يكون وفق ميزان الإيمان والعمل الصالح، وربط «القرش» بين شهر رمضان والقرآن فى أنهما يشتركان فى مقصد عظيم من مقاصد التشريع وهو تحقيق الهداية والتقوى وأن الصيام سبب لتطوير النفس من أمراضها وتزكيتها من شرورها حتى تتهيأ لاستقبال آيات الله. «الوفد» التقت بمدير مركز الطبرى وهذا نص الحوار: من سنن الله تعالى فى هذا الكون سنة الخلق والاصطفاء، فمن هم المصطفون؟ معلوم أن الله سبحانه وتعالى اصطفى من الملائكة رسولاً ومن الناس رسلاً، ومن الأزمنة أزمنة ومن الأمكنة أمكنة يقول الله تعالى: «يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم» (آل عمران: 74) ولكن ليس كل المصطفين على مستوى واحد، يقول الله تعالى: «لهم درجات عند الله والله بصير بما يعلمون» (آل عمران: 163) فهناك المفضلون والأقل تفضيلاً وفى آخر الصف غير المغضوب عليهم والملعونون وارتقاء درجات التفضيل يكون وفق ميزان الإيمان والعمل الصالح.. ولا شك أن شبه الجزيرة العربية هى مهبط معظم الأنبياء ثم إن أولى العزم منهم قبل الرسول صلى الله عليه وسلم هاجروا من أوطانهم وأقاموا فترة فى مصر وغيرها من بقاع شبه الجزيرة العربية، لذا نجد كثيراً من نسل الأنبياء وأقاربهم إضافة لنسل الرسول صلى الله عليه وسلم منتشرين ولا شك فى جميع الدول العربية، ويؤكد ذلك قوله تعالى: «ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم» (الأنعام: 87) إن الاصطفاء لا يأتى صدفة، فلا يوجد صدفة عند الله، وإذا أمعنا النظر فى تاريخ العرب البائدة، نجد أن الله قد أهلك كل الأقوام الظالمة التى كفرت بأنعم الله بأن أتاهم عذابه ونكاله ليلاً أو نهارًا، ولم يبق إلا نسل الصالحين واقتضت حكمة الله أن يكون هلاكهم بأمره ولم يجعل أقوام العرب تهلك بعضها البعض حتى لا ينالهم الوزر. برأيك.. هل ظُلم العرب بسنة الاصطفاء؟ بالطبع لا.. لم يظلم العرب فقد وصلت المسيحية إلى أوروبا سليمة نقية كما جاء بها المسيح عليه السلام بأنه بشر بنى لا ألوهية فيه، وقد أيد هذا الحقيقة الكثير من كبار القساوسة ومعهم الامبراطور قسطنطين وجنده، فأخذوا فى اضطهاد مخالفيهم، وبعد أن ضعفت دولة الاسلام فى شرق أوروبا وسقطت دول الاسلام فى الاندلس، تمكن الغرب من الأرض، لكنهم عتوا عن الحق، وعاثوا فى الأرض فسادًا يرهبون الآمنين ولم يفرقوا بين أطفال رضع وشيوخ ركع واستولوا على الأرض، وتركهم الله الحكيم الخبير يفعلون ما يشاؤون وسهل لهم حتى تنكشف طبيعتهم البربرية قال تعالى: «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيراً لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين» (آل عمران: 187). بالقياس إلى سنة الاصطفاء فى الزمان والمكان والخلق هل يمكننا أن نقول إن الله اصطفى شهر رمضان بالصيام؟ بكل تأكيد على هذه السنة الإلهية الكونية اصطفى الله عز وجل للمسلمين بصيام شهر رمضان وقد ميزه الحكم الخبير عن سائر شهور السنة بمميزات عظيمة، وخصه بخصائص وفضائل جليلة شرفته وكرمته وجعلته شهر القرآن الصوم.. ولم تكن لشهر رمضان قبل اقترانه بنزول القرآن العظيم وفرض عبادة الصوم ثمة مزية أو اصطفاء فكان رمضان عند العرب شهرًا من الشهور وكانت أيامه ولياليه كسائر الأيام والليالى ليست لها أى فضيلة أو خصيصة، فالله سبحانه وتعالى مدح شهر رمضان من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم. وهل توجد علاقة رابطة بين شهر رمضان والقرآن؟ لو أمعنا النظر فى العلاقة التى تجمع رمضان بالقرآن والمناسبة التى بين زمن الصوم والقرآن لوجدنا فى ذلك حكمًا بليغة وأسرارًا عميقة منها: أولاً: أن القرآن والصيام يشتركان فى مقصد عظيم من مقاصد التشريع هو تحقيق الهداية والتقوى فقال تعالى عن القرآن الكريم: «فيه هدى للمتقين» (البقرة: 2) وقال عن الصيام «لعلكم تتقون» (البقرة: 183). ثانيًا: أن الصيام سبب لتطهير النفس من أمراضها وتزكيتها من شرورها بتركها لما تشتهيه من فضول الطعام والكلام والنظر، فالنفس راغبة إذا رغبتها، وإن ترد إلى قليل تقنع فبالصيام تنتقل النفس من مقام إلى مقام، وترتقى فى منازل الإيمان، فتغشاها السكينة وتلفها الطمأنينة وتتهيأ لاستقبال آيات الذكر الحكيم. ثالثًا: أن الصيام سبب لصفاء الفكر وخلوص القلب مما قد يشوبه. رابعًا: أن القرآن يعرف الانسان بخالقه ويعلمه طريق الهدى والرشاد والصوم يربيه ويقوم سلوكه ويرتقى به فى سلم الكمال، ولا يمكن للانسان أن يصل إلى أعلى درجات الكمال الإنسانى إلا بهما معًا. وهل توجد مفارقات بين العرب والغرب فى الصيام؟ وهل يعيق الصيام تحقيق الأعمال كما يعتقد البعض؟ إن الصيام فى الإسلام عبادة مضادة لتيار الحياة الآن، لأن الفلسفات المادية المسيطرة فى الغرب تعرف الأرض ولا تعرف السماء، تعرف الجسم ولا تعرف الروح، تعرف الدنيا ولا تعرف الآخرة ليكن للقوم ما أرادوا، ذلك مبلغهم من العلم، بيد أن المسلمين يجب أن يعرفوا خالقهم وأن يلزموا صراطه، وأن يصوموا له، فقد شرع الله الصيام للمسلمين كى يدربهم على قيادة شهواتهم لا الانقياد لها، لم يكن الصيام عائقًا فى تحقيق جلائل الأعمال فقد حقق المسلمون على مدى تاريخهم فى شهر رمضان، انتصارات مدوية غيّرت مجرى تاريخهم لم يكن الصيام عائقًا فى تحقيق تلك الانتصارات، لأن شهر رمضان هو أيام السنة يكون المسلم فيه أكثر اتصالاً بالقوة المدبرة، بالعبادة أقرب إلى ربهم من سواه فيكونون مؤهلين للنصر أكثر ولأن رمضان هو شهر القرآن فيكون الإحساس بتعظيم الله هو المهيمن على شعورهم نتيجة الطاعات والقربات فيقوى التوكل والاعتداء، فإن انتصر تحقق له انتصاران، هما الانتصار على هوى النفس والانتصار على أعداء الله، وإذا استشهد لقى الله سبحانه وتعالى وهو صائم وتحقق فيه قول الله تبارك وتعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة» «التوبة: 111». فى رأيك ماذا تحتاج الأمة من التاريخ الإسلامى لكى تنهض وتسود كما كانت؟ الأمم لا يمكن أن تنهض بغير تاريخ أو أن تقوم بغير ذاكرة ولكى تنهض الأمة الإسلامية وتسود كما كانت لا بد أن تضع فى ذاكرتها إن التاريخ الاسلامى فى حقيقته هو تطبيق عملى للإسلام، فإذا كانت سنن الله فى القرآن تحكم الكون والأرض، فإن الرسول وصحابته الكرام قد عاشوا فى هذه السنن وتفاعلوا معها، فمكنهم الله فى الأرض، كما أن السيرة والسنة النبوية الصحيحة هى من شرائع الاسلام، فكل ما خطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كان بوحى وقدر من ربه، فتأثر به الصحابة والتابعون من بعدهم فطبقوا سنته وكل شرائع الاسلام تطبيقًا عمليًا ففتح الله لهم البلاد وقلوب العباد فدخلوا فى دين الله أفواجًا، ولو طبقنا المنهج النبوى لنهضت الأمة، ويكفى أن نشير إلى أن كل ما حدث ويحث للأمة الاسلامية الآن إلا وله شبه فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك يذكر الله الأمة فى كل زمان ومكان بقوله تعالى: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب: 21). هل يمكن أن نعتبر الحضارة الغربية حضارة وهمية؟ تكمن وهمية الحضارة الغربية فى مقاتلها الحقيقية وهى: قيامها على الربا، ونسبية الأخلاق، وموقفها الفاسد من المرأة والأسرة والمجتمع، ففى مبادئ الحضارة الغربية دمارها، وتحت أنوارها نارها، لأنها تفتقد إلى القيم والايمان، وفطرت على شوق لا حد له من الأنانية وحب السيطرة والترف والتخمة وعبادة الشهوات والغرق فى الملذات، والحضارة التى صنعها الانسان بهذا المفهوم، لهى حضارة مقضى عليها بلا شك، فقد نسى الرجل الغربى الله خالق الوجود، وماذا بقى بعد ذلك، وأى معنى لوجوده، إذن وقيم الكفاح؟ إن الإنسان لا يقف وحده فى هذا الكون كما ادعى «هكسلى» ومن سبقوه ومن جاءوا بعده. ما الذى يمكن أن تقدم الحضارة الإسلامية للعالم؟ على الرغم من الاضمحلال والتردى الذى يشهده العالم الاسلامى اليوم، فإن الحضارة الاسلامية ستظل الأرقى بمكوناتها الدينية والثقافية والانسانية، لأنها قامت على أسس شرعية صحيحة راسخة نقية، تهدف إلى صلاح الناس جميعًا وفلاحهم، ومن يقرأ تاريخ الحضارة الإسلامية فى عصور ازدهارها وريادتها سيدرك أن محاولات جرينا إلى التبعية الثقافية والحضارية للغرب اليوم ليست لأنه الأفضل أو الأرقى أو الأكثر تطورًا وتقدمًا، بل لأننا نحن المسلمين أدرنا ظهورنا لحضارتنا وثقافتنا وأمجاد أمتنا وتركنا ما يرفع شأننا ثقافيًا وحضاريًا وعلميًا للآخرين، فتلقفه الآخرون وأخذوا منه أسباب التقدم والرقى وبنوا عليه أصول حضارتهم الحديثة، فأمسينا ضعفاء تابعين وأصبحوا أقوياء متبوعين فتطور الغرب وتخلفنا وتقدم وتراجعنا. أخيرًا.. ماذا عن مشروعك الفكرى الذى تحلم بتحقيقه؟ كم أتمنى أن يمكننى الله من إعداد موسوعة للتاريخ الاسلامى الصحيح أو كما ينبغى أن يكون كما رواه سلفنا الصالح تجمع بين ذكر الوقائع وتحليل الأحداث وإبراز أكبر عدد من الفوائد.