أخذني من يدي حتى باب الشقة وفتح الباب وهو يدفعني في رفق واوصلني الى المصعد وهو لا يكف عن الضحك!. عندما اجتمعت شلة الأصدقاء للتباحث في امره عللت عصمت المسألة بأنه يشعر بالوحدة ويحتاج الى ان يتزوج بأسرع وقت ممكن، وأرجعت الامر كله الى حالة اكتئابية بدأت أعراضها في الظهور. بعد يومين حضرت عصمت لزيارتي وكانت منزعجة للغاية بعد ان قابلته. سألتني ان كنت قد لا حظت آثار الابر المنتشرة في ذراع رامي.قلت لها أنه اخبرني انها نتيجة المحاليل التي علقوها له بالمستشفى التي ذهب اليها وحده.رمقتني بنظرة حائرة وتساءلت: وهل تصدق هذه الحدوتة؟.قلت مذهولاً: هل تعنين أنّ..قالت: نعم أعني ذلك ويجب ان نتحرك لانقاذه.عندما صارحته بظنوني ضحك بمنتهى البراءة وقال انه يقدر اهتمامنا به ولكن لا يجب ان يشتط بنا الخيال الى حد تشويه سمعتهّ! لم أعد انتظره في الصباح لأنه كان يتسبب في تأخيري عن العمل، ثم أصبح غيابه المتوالي أمراً عادياً وبدأت معاملته في الشغل تتغير ونال تنبيهات ولفت نظر ثم انذاراً بالرفت.قمت بالاتصال بوالده في مصر وحكيت له بعضاً مما يمر به رامي واقترحت عليه ان يعجل بتزويجه، ففوجئت بالرجل يسب ويلعن ويؤكد ان هذه العروس هي سبب مشكلته وأنه قد خطبها دون رضى منه وهو لا يتمنى لهذه الزيجة ان تتم.قلت للرجل: ان المشكلة أكبر من موضوع الزواج لاننا نعتقد ان رامي يتعاطى المخدرات.صرخ الرجل في التليفون واكد ان ابنه «زي الفل» ولا يمكن ان يكون كلامي صحيحاً فلما أكدت له ان حبنا له وحرصنا عليه هما سبب اهتمامنا وتدخلنا رجاني ألا أردد هذا الكلام واستحلفني ان أرعى رامي وآخذ بالي منه. حرصت بعد ذلك ان أناديه ليتناول طعامه معنا في البيت ولم اعد أتركه يأكل وحده وكنت آخذه كل ليلة تقريباً وأذهب به الى مجمع «السيف» الذي يضم عدداً كبيراً من قاعات السينما وكنا نشاهد فيلماً جديداً كل ليلة.بعد السينما كنا نطوف بالسيارة عبر دولة البحرين كلها متنقلين من المحرق الى المنامة ثم نعبر جسر «سترة» ونوغل حتى حي المعامير ثم نعود على أعقابنا ونكمل التسكع بالسيارة تصاحبنا شرائط منير ونصل الى «الرفاع» ثم نتجه الى منطقة الدبلوماسيين بحي «سار» التي يقطنها الأجانب ونعود آخر الليل.حمدت الله على ان حالته تحسنت واسترد شهيته للطعام وبدأ يعود نفس الشخص الذي عرفناه واحببناه.بعد عدة أيام فاجأنا بأنه سينزل في اجازة بمصر ولن يعود الا وفي يده عروسه. افتقدناه في غيابه وشعر كل منا بأن شيئاً أساسياً في حياته قد نقص.عندما عاد كان بادي السعادة وأخبرنا أنه نجح في اقناع والده بالعروس وحصل على رضاه، كما بشرنا بأنها قادمة بعد أسبوع.اتفقنا جميعاً على ان نتقاسم نفقات اقامة حفل له في قاعة محترمة نقوم بتأجيرها، ونزلت معه عصمت لشراء فستان الزفاف.في مساء اليوم التالي صعدت اليه لينزل معي الى القهوة على الخليج حيث الأصدقاء في انتظارنا.لاحظت أنه وهو يفتح الباب يتلفت في قلق، وعندما خطوت داخل الشقة لمحت شبح شخص يرتدي دشداشة يختفي داخل احدى الغرف.سألته: هل لديك ضيوف؟ أفزعني أنه انكر واعتذر بعدم استطاعته الخروج معي.تركته وانا حزين ولم أعد مطمئناً لأي شيء بشأنه.صارحت عفت بمخاوفي فأعربت عن ان هذا الشخص الذي اختبأ عند قدومي لابد وان يكون تاجر الصنف الذي يمده بالمخدرات.قضيت ليلة عاصفة أسأل نفسي عن واجبي بعد ان تأكدت من حالته وما الذي استطيع ان أفعله لأنقذه من المصير الذي يندفع اليه.في الأيام التالية كنت ابدو هستيرياً وأنا اناقشه بمنتهى العنف ثم بمنتهى اللين وأهدده ثم أحتضنه واصرخ في وجهه ثم أبكي وأنا اتمنى عليه ان يقلع عن تعاطي الهباب الذي يأخذه.كان يضحك ويتهمني بالوسوسة وأشار على بأن أرى طبيباً! قبل حضور عروسته بليلة واحدة اتصل بي ودعاني على العشاء مع شلتنا التي قام بدعوتها في شقته.اعتذرت عن العشاء لأني سآخذ أولادي الى الملاهي، لكني وعدته بأن أمر عليهم بعد ان أعود.في الساعة العاشرة وبعد ان قضيت السهرة بالخارج مع الاسرة دق جرس الباب ففتحت لأجد احد الزملاء ممتقع الوجه وألقى الخبر في وجهي: رامي مات.قفزت السلم وجسمي يرتعش بشدة ودخلت الى الشقة التي توافد عليها أناس كثيرون علموا بالخبر من أصدقائنا الذين كانوا عنده بالبيت.قالوا لي أنه استأذن منهم ودخل الحمام ولما طال غيابه طرقوا الباب فلم يرد فكسروه ودخلوا ليجدوه ممددا على الأرض وقد فاضت روحه.نظرت في الحمام فوجدت فوضى شديدة وأخبرتني الصورة التي رأيتها بالسيناريو الذي حدث.رأيت على الأرض حزاماً معقوداً وملعقة وولاعة وفص ليمون معصور وسرنجة فارغة ملقاة الى جانبه، كما وجدت زجاجة صغيرة مغلقة تحوي بودرة بيضاء. فأدركت أنه وضع البودرة في عصير الليمون وقام بتسخين المزيج في الملعقة ثم سحبه بالسرنجة وحقنه لنفسه، ولما كانت الجرعة أكبر من اللازم فقد شعر بالاختناق وحدث له هبوط بالدورة الدموية فسحب الحزام المعقود حول يده، ومادت الأرض به فتعلق بالحوض والمرآة ثم سقط ساحباً معه كل ما طالت يديه. احتجت الى فترة طويلة لأتخلص من احساسي بالذنب نتيجة شعوري بالتقصير والاهمال في حمايته، على الرغم من أنني عرفت ان أباه كان على علم بادمانه الهيروين وكذلك خطيبته وأهلها وأنهم أرسلوه الى البحرين ليبتعد عن رفاق السوء في مصر، لكن من الواضح ان هؤلاء الرفاق يسهل عليهم جداً ان يهتدوا الى بعضهم البعض في اي مكان.اليوم بت مقتنعاً بأن شيئاً لم يكن في الامكان فعله لمنعه من ملاقاة مصيره المحتوم.. رحمه الله. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية