ليلة القَدْر ليلةٌ من الليالي العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وهي غير مُحدَّدةٍ بليلةٍ مُعيَّنةٍ. ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، والتَمِسُوهَا في كُلِّ وِتْرٍ)، وقد اختصّها الله -تعالى- بشأنٍ عظيمٍ؛ فأنزلَ القرآن الكريم فيها في مرحلةٍ من مراحل نزوله، وقال الله -تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). هي ليلةٌ مباركةٌ يُقدّر الله -تعالى- فيها ما سيكون في العام؛ إذ قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، وأجر العمل الصالح فيها أفضل من أجر العمل مدّة ألف شهرٍ، قال -عزّ وجلّ-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ). وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتحرّى ليلة القَدْر في العشر الأواخر من شهر رمضان، ويجتهد فيها بالعبادات والطاعات ما لا يجتهد في غيرها، فقد ورد عنه أنّه قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). وبهذا يجدر بالمسلم بَذْل الوُسع في المسارعة لأداء الأعمال الصالحة والعبادات في ليلة القَدْر؛ لِما لها من عظيم الأثر الحَسَن في الدُّنيا والآخرة. الحكمة من إخفاء ليلة القدر يُعلَّل سبب إخفاء ليلة القَدْر، وعدم تحديدها؛ بغاية ترغيب وتحفيز العباد على الاستمرار والمداومة على العبادة، والمثابرة عليها، والمبالغة فيها طوال العشر الأخيرة من رمضان، ولئلّا يقتصروا على العبادات والطاعات في ليلةٍ واحدةٍ؛ ولذلك كان جديراً بالمسلم تحرّي الليالي العشر الأخيرة من الشهر المبارك كاملةً، وقيامها، والمواظبة فيها على ذِكْر الله، والدعاء، والصلاة، وقراءة القرآن، وبذلك يُشغل العبد نفسه ووقته كلّه في طاعة اللهتعالى. الأعمال الصالحة في ليلة القدر 1 الدعاء يغتنم المسلم ليلة القدر بالإكثار من الدعاء، والأذكار، والتسبيح، وسؤال الله -تعالى- العِتق من النيران، والتعوُّذ منها؛ فالدعاء فيها مُستجابٌ، والاجتهاد فيه مرغوبٌ، ولذلك يتسابق العباد، ويحرصون على التوبة، والفوز برضا الله عزّ وجل وتوفيقه، ونَيْل المنزلة الرفيعة، قال سفيان الثوريّ: "الدعاء في ليلة القدر أحبّ اليّ من الصلاة". وأفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القَدْر العفو والمغفرة من الله -سبحانه-، إذ رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة أنّها قالت: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علِمتُ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي)، وقال ابن القيّم: "لا سبيل للعبد إلى النّجاة إلاّ ّ بعفوه ومغفرته -جلّ وعلا- وأنّه رهينٌ بحقّه، فإن لم يتغمّده بعفوه ومغفرته، وإلاّ فهو من الهالكين لا مُحالة، فليس أحدٌ من خَلقْه إلاّ وهو محتاجٌ إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاجٌ إلى فَضْله ورحمته". 2 قراءة القرآن: يُستحَبّ للمسلم تلاوة آيات القرآن الكريم وترتيلها في شهر رمضان، ولا يُشترَط خَتمه كاملاً في تلك الليلة، إلّا أنّه ينال أجراً عظيماً، وفضلاً كبيراً إن خَتمه؛ فالقيام لا يقتصر على الصلاة، بل يكون بأداء مختلف أنواع العبادات، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). 3 الصلاة في ليلة القدر: تُؤدّى صلاة القيام ركعتَين ركعتَين كما ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن صَلاةِ اللَّيْلِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى)، وقيام ليلة القَدْر من أسباب مغفرة الذنوب، وتكفيرها عن العباد.