اختلف المؤرخون حول نشأة الابتهال كتراث شعبى لتعدد الرؤى حول بدايته ليرجعها البعض للعصر الفرعونى والبعض للعهد الفاطمى، إلا أن هناك من يرى أن كلمة الابتهال تعنى فى المعاجم الإخلاص فى الدعاء وهو لون فنى ضارب بجذوره فى التراث المصرى، وهو ظاهرة مصرية أصيلة راسخة فى الوجدان، وكثير من البرديات القديمة بها نصوص دينية تحمل الدعاء والابتهال للخالق عز وجل، واقترنت الأدعية والأذكار الدينية بأسماء منشدين عمالقة سكنوا القلب وأثروا فى الوجدان فى مقدمتهم الشيخ النقشبندى ونصر الدين طوبار وطه الفشنى ومحمد الكحلاوى وغيرهم الكثيرون، والذين لا تنسى ابتهالاتهم مثل «مولاى» و«ماشى فى نور الله»، و«يا بارئ الكون»، ومع شهر رمضان تنتعش فنون الإنشاد الدينى والابتهالات، والتواشيح والأذكار، بوصفها البوصلة التى تهدى إلى روحانيات الشهر الفضيل وأجوائه الصوفية ونفحات الإيمان به، وهو المعنى العميق والحقيقى للابتهال، وقد برزت أسماء فى هذا المجال عبر العصور المختلفة، وظهر جيل من الشباب البارع فى هذا المجال، ومن هؤلاء الشيخ الشاب محمد عبدالرؤوف السوهاجى، المبتهل بالإذاعة والتليفزيون، «الوفد» التقت به وهذا نص حديثه. البداية والنشأة يقول المبتهل الشيخ محمد عبدالرؤوف السوهاجى: بدايتى كانت بعد أن حفظت القرآن الكريم وجودته وعمرى وقتها 10 أعوام، على يد والدتى، ووالدى رحمه الله، حيث كان يعمل مديرا لشئون القرآن الكريم، وكنت حريصا على حضور الحفلات القرآنية فى الصعيد لكبار القراء، حتى أننى تأثرت بالقارئ الطبيب أحمد نعينع، وبدأت رحلتى مع الابتهال وأنا فى الصف الرابع الابتدائى عام 2000 مع سماع الشيخ عبدالتواب البساتينى – رحمه الله- والذى عشقته، وكنت حريصا على تدوين كل ما يقوله، وكنت أعتبره بمثابة الوالد، بالرغم من أننى لم ألتق به إلا مرة واحدة، فى احتفال المولد النبوى بمحافظة سوهاج، وكنت فى الصف السادس الابتدائى وقتها، وكان أول مبتهل تسمعه أذناى حتى أن صوته ظل محفورا فى وجدانى وتأثرت به، كما تأثرت أيضاً بالشيخ النقشبندى والشيخ محمد الهلباوى وبلبل الصعيد عميد الإنشاد الدينى الشيخ ياسين التهامى ونجله نقيب المنشدين الشيخ محمود التهامى، لكننى أعتبر الشيخ «البساتينى» النواة الأولى فى تكوينى ونشأتى فى عالم الابتهالات الدينية. الدراسة والجوائز يستكمل «السوهاجى» حديثه ل«الوفد»: أنشدت نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقى 2002 بمسرح قصر ثقافة سوهاج بصحبة كورال المعاهد الأزهرية وحصلت على شهادة عالية القراءات 2008 وليسانس أصول الدين عام 2001من الأزهر الشريف، وقد أصدرت 13 شريط كاسيت تجمع بين التلاوات المجودة والمرتلة والأناشيد الإسلامية، وكان أول إصدار عام 2013 ونلت عضوية نقابة الإنشاد الدينى والمبتهلين وعضوية نقابة محفظى وقراء القرآن الكريم، أما الجوائز فقد حصلت على المركز الأول على العالم فى تجويد القرآن الكريم عام 2005 فى المسابقة العالمية لحفظ وتجويد القرآن الكريم بوزارة الأوقاف المصرية، وقد قرأت القرآن الكريم أمام الرئيس الأسبق الراحل مبارك فى أول ظهور إعلامى لى، وحصلت على المركز الأول على الجمهورية فى مسابقة الإنشاد الدينى عام 2007، وأفضل أداء فى الإنشاد الدينى مناصفة من دار الأوبرا 2007، وحصلت على المركز الثانى على الجمهورية فى مسابقة المزمار الذهبى وكنت ممثلا لمصر عام 2011، وحصلت على المركز الأول فى مسابقة الإنشاد الدينى من جامعة الأزهر عام 2011 ومثلت مصر فى مهرجان «منشد الشارقة» بدولة الإمارات 2011، وحصلت على الإجازة متصلة السند بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم وأجازنى فضيلة الشيخ إبراهيم عبدالعزيز 2018، وقد سجلت القرآن الكريم مجودا للعديد من القنوات الفضائية، وشاركت كعضو لجنة التحكيم بمسابقة منشد الشارقة لاختيار ممثل مصر عامى 2017 و2018. الإنشاد والابتهال ويضيف كروان الصعيد المبتهل الشاب «السوهاجى» أن الإنشاد الدينى يشمل عدة أقسام أهمها الابتهال وغيره من الفنون مثل التواشيح الدينية والموشحات والأناشيد الإسلامية مثل أى أنشودة وإن أول أنشودة فى الإسلام كانت قصيدة «طلع البدر علينا» ولها رتم إيقاعى له زمن معين، والابتهال الدينى عكس أى أنشودة لا يرتبط بإيقاع ولا يمكن أن تصحبه آلات موسيقية وإن صاحبته آلة موسيقية يدخل ضمن الموال، وحاليا أبتهل جميع أعمال الشيخ عبدالتواب البساتينى، إضافة إلى النقشبندى، وبالتأكيد كل منها له طابع مميز وصوت خاص به وأداء يعبر عنه وأسلوبه وكلماته، ولابد أن تكون لكل مبتهل كاريزما خاصة به وهو ما أحرص عليه الآن، فالمبتهل لابد أن يدرك أهمية شخصيته الإنشادية، لأننا اليوم نعانى من تشابه الأصوات والتقليد إلى حدٍ كبيرٍ، ومن الممكن تقليد المدارس القديمة لكن يجب ألا ينسى المبتهل نفسه فيها فعليه أن تكون له شخصيته الاعتبارية. الإذاعة والأعمال ويقول كروان الابتهالات: تقدمت لاختبارات الإذاعة المصرية أمام لجنة من كبار المشايخ وعلى رأسهم الشيخ أبو العينين شعيشع – رحمه الله- نقيب القراء وعضو لجنة الاختبار وبدأ صوتى يذاع عبر أثير موجات الإذاعة المصرية فى شبكة البرنامج العام عام 2012، ثم بدأ أول ابتهال لى فى فجر مسجد السيدة زينب رضى الله عنها بالقاهرة، أما كلمات ابتهالاتى فأستقيها من التراث الدينى من كلمات الشيخ القوصى والشيخ صالح الجعفرى رحمهما الله، كما أنشد كلمات أستاذى الدكتور على عبده عبدالراضى نجل القارئ الشيخ عبده عبدالراضى رحمه الله، وكلمات أستاذى الدكتور طلعت المغربى والمهندس أبوطالب مجمود والأستاذين طارق إسماعيل ومحمد على راشد، وكلهم أصحاب فضل وأدين لهم جميعا. ذكريات لا تنسي يستكمل «السوهاجى» حديثه: من أهم ذكرياتى فى شهر رمضان التى لا تنسى لأننى كنت دائما أحيى السهرات الرمضانية بالصعيد وتحديدا فى سوهاج وكنت بعد الإفطار الجماعى أصلى بهم العشاء والتراويح ونذهب للديوان أو «المندرة» وأقرأ القرآن الكريم والابتهالات الدينية، وتتزاور العائلات فيما بينها وتستمر السهرة يوميا طوال الشهر الكريم إلى منتصف الليل، وقد سافرت إلى العديد من الدول منها الإمارات العربية المتحدة والسعودية والمغرب والجزائر وتركيا والهند وغيرها من البلدان. أمنية ونصيحة وقال «السوهاجى»: أتمنى عودة الإنتاج الدينى، فالآن يواجه المبتهلون ضيق العيش بسبب عدم وجود الإنتاج الدينى وضعف الأجور وليس هناك دخل ثابت لهم، فالابتهالات لا تطلب إلا فى الصعيد والقرى والنجوع وتقتصر على المواسم الدينية فى قلب المساجد وشهر رمضان، وأنصح المبتهلين الجدد بالإخلاص، فالابتهال مناجاة وخشوع وعبادة لله، فلابد من التقوى والورع.