قرأ القرآن فى جوف الكعبة.. وتلاه على مقربة من الفاتيكان.. ورحل فى شهر الصيام «حشاد»: رحيله خسارة كبيرة.. و«الساعاتى»: عطاؤه فى خدمة كتاب الله لم يتوقف أعترف بأننى من عُشَّاق صوت فضيلة الشيخ محمد الطبلاوى رحمه الله حتى أننى كنت أقلد صوته فى مراحل الصبا الأولى من حياتى حباً وعشقاً لصاحب النغمة المستحيلة، كما لقبه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وحتى الآن أذنى تعشق ذلك الصوت الفريد من القراء، فقد كنت حريصاً على حضور صلاة الجمعة فى الأزهر الشريف لفترة طويلة من الزمن لأستمع لتلاوة أسطورة التلاوة الطبلاوى رحمه الله. درة المقرئين وآخر حبة فى سبحة قراء الزمن الجميل «الطبلاوى» يرحل فى صمت عن عمر ناهز «86 عاماً» بعد معاناة مع المرض يوم الثلاثاء 12 رمضان 1441ه 5 مايو 2020م، بعد رحلة عطاء تزيد على 60 عاماً مع التلاوة. شرفت بلقائه عديداً من المرات سواء فى منزله بالهرم أو فى ميت عقبة، وكان لقائى الأخير به فى منزله بقرية صفط جدام مركز تلا بالمنوفية «مسقط رأسه» وكنت أجريت معه حواراً مطولاً انفردت به «الوفد» قبل رحيله بشهور قليلة. النشأة والسيرة ولد «الطبلاوى» رحمه الله فى 14 نوفمبر 1934 بقرية ميت عقبة مركز إمبابة الجيزة فى أسرة تعود إلى قرية «صفط جدام» بالمنوفية، كونه الابن الوحيد لوالده فقد عامله بالشدة منذ نعومة أظافره، حتى حفظ القرآن الكريم كاملاً بكتاب القرية وجوّده على يد الشيخ غنيم الزاوى فى الكتاب، وفى الثانية عشرة من عمره دُعى لإحياء الذكرى السنوية لرحيل والدة عمدة القرية وانبهر به الجميع، حتى التحق بمعهد القراءات أتم دراسته بعد ست سنوات إبان تلك الفترة شرع خلالها فى إحياء المآتم والسهرات الدينية مقابل خمسين قرشاً فى الليلة قبل أن يعين بشركة «ماتوسيان للدخان» يقرأ القرآن ويرفع الأذان بمسجد الشركة، حتى اصطحبه الشيخ ابراهيم المنصورى إلى الشيخ محمود خليل الحُصرى الذى استمع اليه ووجهه الوجهة السليمة لتجويد القرآن وفقاً لأحكام التلاوة، وبعد اعتماده فى الإذاعة عام 1970 ذاع صوته عبر الأثير بسرعة البرق فى أرجاء العالم الإسلامى، وسافر إلى 80 دولة لإحياء ليالى شهر رمضان خلال مسيرته القرآنية، حتى زار الصين والهند والشام والعراق وليبيا والأردن وسوريا، والمسجد الأقصى وقرأ فيه القرآن وسافر إلى السعودية وقرأ القرآن فى جوف الكعبة، وذهب إلى قارة أستراليا، كما قرأ القرآن على مقربة من المقر البابوى بالفاتيكان، كما شارك فى العديد من المسابقات الدولية للقرآن باعتباره مُحكماً، وعينه الدكتور زكريا البرى، وزير الأوقاف الأسبق، قارئاً للسورة فى جامع الأزهر الشريف بعد رحيل الشيخ مصطفى إسماعيل عام 1978 ثم عينه شيخاً لعموم المقارئ لشئون القراء خلفاً للشيخ عبدالفتاح القاضى عام 1982 وعينه عضواً بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ثم عين نقيباً للقراء. درة المقرئين اشتهر «الطبلاوى» درة المقرئين ونقيب القراء بملكات فردية خاصة، جعلت صوته يحلق بمستمعيه فى أحياء نورانية وخشوع لعظمة الخالق عز وجل، وجذب صوته إعجاب الملايين من شتى أنحاء العالم، حتى صارت هناك مدارس للتلاوة باسمه فى العديد من البلدان ودعى إلى إحياء مآتم كبار الشخصيات البارزة والزعماء، وارتبطت علاقاته بزعماء العالم ومشاهيره، وطوال مسيرته القرآنية ظل «الطبلاوى» رائداً فى عالم التلاوة وفى أواخر أيامه أمضى فترته الأخيرة من حياته بقريته صفط جدام مركز تلا بالمنوفية. الخاتمة شاءت إرادة الله أن يلبى الشيخ محمد محمود الطبلاوى نداءه فى شهر القرآن بعد رحلة عطاء دامت أكثر من 60 عاماً، ليظل صوته العذب مقصداً للتدبر فى آيات الذكر الحكيم وعلامة بارزة فى تاريخ عالم التلاوة. قال عنه الكاتب الصحفى محمد الساعاتى، المتحدث باسم نقابة القراء، إن عطاء الشيخ الطبلاوى فى خدمة كتاب الله لم يتوقف هو الدرة الأخيرة الباقية من درر مملكة القراء المصرية وآخر بقايا الجيل العظيم من المقرئين وأشهر مقرئى الإذاعة والتليفزيون المصرى وصاحب أطول نفس فى القراءة والترتيل عبر التاريخ، وقال الشيخ محمد حشاد شيخ عموم المقارئ المصرية ونائب نقيب القراء ومُحفظى القرآن الكريم إن وفاة «الطبلاوى» خسارة كبيرة لمصر والعالم الإسلامى قاطبة، كما نعت شبكة القرآن الكريم وفاة نقيب القراء، ونعته دار الإفتاء المصرية، كما نعاه السيد محمود الشريف نقيب الأشراف، وكيل أول البرلمان، قائلاً إن الشيخ «الطبلاوى» علامة بارزة فى تاريخ التلاوة وأحد أهم قراء القرآن فى مصر والعالم أجمع وسيظل صوته مقصداً للتدبر فى آيات الذكر الحكيم، وقد أثرى المكتبة القرآنية بتلاوات تقشعر لها الأبدان بسبب عذوبة صوته وجمال أدائه. نعم، رحل «الطبلاوى» بجسده هذه إرادة الله الموت كأس للبشرية.. لكن يبقى الأثر ذلك الصوت الشجن صاحب النغمة المستحيلة درة المقرئين «الطبلاوى» رحمه الله.