«افرحوا يا بنات يلا وهيصوا - رمضان جانا - وحوى يا وحوى - فوازير نيللى أو شريهان - مسلسلات بوجى وطمطم – بكار - عمو فؤاد - خواطر الشيخ الشعراوى قبل أذان المغرب - ابتهالات النقشبندى - مدفع الإفطار ليصدح صوت الشيخ محمد رفعت معلناً لحظة إفطار الصائمين – الكنافة والقطايف - انتهاء ب«المسحراتى» سيد مكاوى - المونولوجات».. نوستالجيا رمضانية خالصة، لها وقع خاص فى عقل ووجدان المصريين، فهى روحانيات وطقوس ممتزجة بالأصوات والألوان المبهجة، والروائح العطرة الممزوجة بالتواشيح والابتهالات، والتى لا تزال عالقة فى الأذهان مهما غيبتها السنون والأعوام. عادات ارتبطت بشهر رمضان، مزجها الشعب المصرى وتوارثتها الأجيال، حيث امتدت لسنوات لا حصر لها، تبادلها أهل مصر وشبوا عليها منذ مئات السنين، بداية من ثبوت رؤية الهلال، حتى أخر ليلة فى رمضان، ففى هذا الشهر الكريم، يأتى دائمًا الحنين إلى ظواهر وروحانيات الشهر الكريم، التى كانت سائدة خلال فترتى الثمانينيات والتسعينيات، واختفت من الشارع والبيت المصرى، بعد مطلع الألفية الجديدة، وساهم فى اختفائها انتشار الفضائيات والتطور التكنولوجى، ولم يكن هذا فقط بل يأتى رمضان هذا العام، فى ظروف استثنائية غيرت بشكل غير مسبوق مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين الناس، حيث إن التغييرات قد لا تقتصر فقط على مظاهر التعبد الجماعى والزيارات العائلية، وإنما حتى على الفريضة الجوهرية نفسها، فقد انطلق جدل حول ضرورة الصوم هذا العام من عدمه بسبب كورونا. فانوس رمضان تحول من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلاً، إلى وظيفة ترفيهية، إبان الدولة الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع، والأزقة حاملين الفوانيس، ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال – بفوانيسهم – المسحراتى ليلاً لتسحير الناس، حتى أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة فى هذا الشهر، وأصبح من المظاهر الشّعبيّة الأصيلة، وتطور صناعة الفانوس عبر الأزمان، حتى ظهر الفانوس الكهربائى الذى يعتمد فى إضاءته على البطارية واللمبة بدلا من الشمعة، انتقلت فكرة الفانوس المصرى إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزءا من تقاليد شهر رمضان. مدفع الإفطار.. اضرب لحظة مغيب الشمس ينطلق صوت المدفع، لإعلان موعد الافطار وانتهاء الصوم، كان أول مكان استقبل مدفع رمضان قلعة صلاح الدين، ومن ثم أمر الخديو عباس والى مصر عام 1853 بوضع مدفع آخر يطلق من سراى عباس بالعباسية، ثم أمر الخديو إسماعيل بمدفع آخر ينطلق من جبل المقطم حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة وفى الإسكندرية تم وضع مدفع بقلعة قايتباى، وآخر مرة أطلق فيها المدفع كان عام 1992 لأن هيئة الآثار المصرية طلبت من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفًا على المنطقة التى تعد متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية، وتحول مدفع القلعة الحقيقى إلى قطعة أثرية جميلة غير مستخدمة، وما نسمعه فى الراديو أو نراه فى التليفزيون مجرد مؤثر صوتى ظل يتكرر لأكثر من عقدين كاملين. حالو يا حالو.. رمضان جانا «رمضان جانا.. وفرحنا به.. بعد غيابه وبقاله زمان.. غنوا معانا شهر بطوله..غنوا وقولوا أهلا رمضان».. تراث مميز من الأغانى الشعبية فى مصر، غناها الفنان الراحل محمد عبدالمطلب، وبرغم انصرام الأعوام وتطور الأغنيات، تظل هذه الأغنيات التراثية، وغيرها من التواشيح لا ينازعها منازع فى وجدان وذاكرة الشعوب، وكأن الصيام لا تكتمل روعته وصفاؤه إلا بها. كما أطرب على مسامعنا الراحل عبدالعزيز محمود بأغنية: «مرحب شهر الصوم مرحب.. لياليك عادت بأمان..بعد انتظارنا وشوقنا جيت يا رمضان.. مرحب بقدومك يا رمضان..إن شا لله نصومك يا رمضان»، وأغنية «سبحة رمضان لولى ومرجان» لفريق الثلاثى المرح وفاء وصفاء وثناء، ومن أغانى هذا الفريق أيضًا «أهو جه يا ولاد» و«وحوى يا وحوى» وأغنية المطربة شريفة فاضل «تم البدر بدرى» التى تدمع العيون فى وداع شهر رمضان حين تسمعها. تواشيح النقشبندى كروان الإنشاد الدينى، كما وصفه الدكتور مصطفى محمود بأنه مثل النور الكريم الفريد الذى لم يصل إليه أحد، له العديد من الابتهالات والتواشيح الرائعة وعلى رأسها «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى» التى يرتجف القلب خشوعاً حين يستمع إليها، ليبقى هذا الابتهال الدينى الأكثر شهرة وأهمية من بين أعمال الشيخ النقشبندى المميزة. إمساكية رمضان تعتبر أول إمساكية رمضانية، عبارة عن لوحة فنية مرسومة ومطبوعة بعناية فائقة، خاصة قبل أكثر من قرن، وتحديداً فى عهد محمد على، وما تلاه حيث تطورت إمساكية رمضان عاماً بعد عام، وأول إمساكية رمضانية فى تاريخ مصر كانت فى عام 262 هجرية وكانت عبارة عن ورقة واحدة مطبوع فيها مواعيد الصلاة والإمساك عن الطعام والافطار وطبعت فى «دار الطباعة الباهرة» ببولاق، حيث ضمت خانات مختلفة، مثل «غروب القمر» و«طلوع القمر». فوازير رمضان ولد فن الفوازير فى الإذاعة أولاً على يد الإعلاميَّة سامية صادق فى عام 1958، وقدمته الإعلاميَّة آمال فهمى فى العام التالى، ثم انتقلت الفكرة إلى التلفزيون، حيث تسابقت الفنانات والفنانون، للتألق فى تقديم مجموعة من الفوازير الرمضانية، ممزوجة بين الاستعراض والدراما والغناء، حيث بدأت فوازير رمضان عام 1961 فى الازدهار وطرح المزيد من الأفكار والاستعراضات على يد ثلاثى أضواء المسرح «سمير غانم- جورج سيدهم - الضيف أحمد»، وقدم فهمى عبدالحميد وسمير غانم فوازير «فطوطة» بشخصية محببة لجيل بأكمله. وتوالت الأعوام حتى احتكرت «نيللى وشريهان» فى الثمانينات والتسعينات ساحة الفوازير، ولم يكتفوا بالاحتكار فقط بل سيطروا على قلوب ووجدان المصريين لدرجة رفضهم أى فوازير قدمها أشخاص آخرون غيرهم، رغم أنها كانت قليلة التكلفة مقارنة بالفوازير المستحدثة والمبالغ فى إنتاجها، ومرت الأعوام وقدم يحيى العلمى، رئيس قطاع الإنتاج «نادين» بالتعاون مع الفنان وائل نور فى نهاية التسعينات وحقق صدى جيدا، حتى اختفت الفوازير من خريطة رمضان، وعلى الرغم من كثرة الأسماء التى قدمت الفوازير فى الأعوام الماضية، إلاَّ أنَّ أحدًا لم ينجح فى أن يرتبط اسمه بها. مسلسلات الأطفال الرمضانية كان للأطفال نصيب الأسد من الشهر الكريم، حيث ركزت الأعمال الدرامية على مسلسلات تهتم بالأطفال كقصص الأنبياء بالصلصال، وتلاها بوجى وطمطم، الذى ظهر فى رمضان 1983، واستقبل بحفاوة من الجماهير جعلته يستمر ل 18 موسمًا متتالياً، وشارك فيه نخبة من الممثلين، فكان الفنان الراحل يونس شلبى هو صاحب صوت «بوجى» وكانت الفنانة هالة فاخر هى «طمطم»، ثم «بكار» الذى أخرجته الراحلة منى أبوالنصر وعرض عام 1998، واستمر حتى وفاتها عام 2003، واستكمله من بعدها ابنها حتى توقف عرضه فى 2007. عربة الفول كانت تجوب الشوارع، ويلتف حولها الأطفال الصغار، ليبتاعوا منها طعام السحور، لم تعد أيضًا متواجدة بكثرة فى رمضان الذى نعيشه هذه الأيام، فانتشار المطاعم والمحال التى تتفنن فى بيع مأكولات السحور، وكذلك وجبات السحور الجاهزة، وانتشار ظاهرة خروج المصريين لتناول طعام السحور خارج المنزل، والعودة بعد أذان الفجر، كل هذا أدى لاختفاء ظاهرة «عربة الفول»، إلا فى قليل من قرى وشوارع المحروسة. المسحراتى ارتبط بشكل مباشر بالشهر الكريم، وذلك عندما يدق على الطبلة ليوقظ المسلمين لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر وبدء ساعات الصيام، حيث بدأت مهنة المسحراتى أيام الحاكم بأمر الله الفاطمى الذى أصدر أمراً بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، وأول من نادى بالتسحير «عنبسة ابن اسحاق» سنة 228 هجرية وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط حتى مسجد عمروبن العاص تطوعاً «وكان ينادى عباد الله تسحروا فان فى السحور بركة»، وتغيرت الأعوام، حتى أصبح المسحراتى يطوف الحارات والشوارع، ويطرق على طبلته ليُوقظ الناس، مناديًا كل شخص باسمه، فيستيقظ من كان نائمًا، وينزل الأطفال بفرحةٍ يحملون فوانيسهم ويطوفون الشوارع القريبة وراءه مُردِّدين ما يقول بسعادة بالغة اصحى يا نايم، وحِّد الدايم، رمضان كريم، إلا أن العوامل التكنولوجية وانتشار ظاهرة سهر المصريين حتى الصباح، أدت إلى تقليل أهمية المسحراتى، فاختفى من شوارع كثيرة، وبقى ظهوره مجرد عادة فلكلورية ليس إلا.