لم ينسى التاريخ صاحب تضحية أوبطولة أوموقف ،فهو دائماً حافظ لكل صور المخلصين والوطنيين ،فمثلما دونت صفحاته بطولات أبناء الجيش المصري في سيناء دونت أيضاً تضحيات أبناء القبائل العربية "بدو سيناء" الذين لم يدخروا جهداً في الدفاع عن حدود مصر الشرقية ضد العدوان الصهيوني بعد نكسة 1967، فدائماً أبناء تلك القبائل هما العون والسند لرجال القوات المسلحة المصرية البواسل في الخطوط الأمامية، لدرايتهم بجغرافيا المكان وطبيعية المناطق الجبلية. عمل أبناء القبائل في عدة مهمات صعبة وشاقة طوال فترة الإحتلال الأسرائيلي لسيناء فمنهم من عمل "دليل" يتقفى الأثر لمساعدة رجال الجيش والمخابرات المصرية ومنهم من وقف شامخاً بمواقفه ضد العدوان ومنهم من قدم حياته على الجبهات في سبيل تحرير بلاده من جور المحتل الظالم ، نفذ كل منهم مهمته التي أوكلت أليه على أكمل وجه فكان النصر حليفهم والتاريخ حافظاً لحقوقهم وبطولاتهم. ونحن نحتفل اليوم بمرور 38 عام على انسحاب أخر جندي صهيوني من سيناء، نتذكر شخصية تاريخية كان لها دور كبير في الدفاع عن سيناء وإيصال صوت شعبها إلى أسقاع الأرض، شخصية فضلت بلادها وقائدها وشعبها عن كل الأغراءات والمساومات،شخصية حاول العدو الصهيوني أن يغريها بالأموال والهدايا لكسب ثقة "البدو" من أجل الموافقة على أنفصال سيناء عن مصر وإعلانها دولة مستقلة، لكنها لقنت العدو والخونة من قبله دراساً في الوطنية وحب مصر. هو الشيخ سالم الهرش شيخ قبيلة البياضية وأحد الأبطال المصريين إبان حرب السويس 1956 وحرب يونيو 1967 والاستنزاف، وهو أحد المساهمين في اختيار عناصر منظمة سيناء العربية، ولد عام 1910 بمركز بئر العبد بمحافظة شمال سيناء. أنفصال سيناء عن مصر بعد نكسة 1967 بدأ اليهود بعد دخولهم سيناء في جمع القبائل في مخيمات واستخرجوا لهم "بطاقات هوية إسرائيلية" وبعد مرور ما يقرب من 3 شهور ساعد "الهرش" ضباط المخابرات المصرية في الأندماج وسط المجتمع القبلي ليكونوا بذلك قريبين من المعسكرات الإسرائيلية ،وقام بتدريبهم على اللهجة والزي البدوي وبعدها أخذهم إلى المعسكر الإسرائيلي وقدمهم للإسرائيليين على أنهم مجموعة من البدو لم يكونوا موجودين وقت حصار القبيلة وبالتالي طالبهم باستخراج هوية لهم وكان له ما أراد فأتم بذلك زراعتهم في المكان لمراقبة العدو عن قرب وجمع معلومات تفيد القيادة في القاهرة. "مؤتمر الحسنة" في عام 1968 كانت القوات الإسرائيلية تحضر لمؤتمر كبير في مدينة الحسنة وسط سيناء،حيث استمرت فترة التحضير لشهور عديدة، وكانت القوات الإسرائيلية حينها تمارس الترغيب والتدليل للشعب السيناوي لكي تجعل لسان حاله يقول إنهم "أكثر قربًا لهم من مصر"، وقد أقنعهم الشيخ سالم - حينها - بأن الأرض مهيأة تمامًا، وأن إسرائيل في قلب كل سيناوي، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة وعقد مؤتمر الحسنة وتجمع مشايخ سيناء جميعًا وحضر" موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي "الذي اقتنع تمامًا بأن سيناء ستكون منطقة دولية لوقوعها في يد الإحتلال. عقد المؤتمر بمنطقة "الحسنة" بوسط سيناء وجاء موشى ديان ومعه أشهر مخرج إيطالي في ذاك القوت لكي يكون الخطاب مذاعًا ومسموعًا للعالم أجمع واستضاف مجموعة لا بأس بها من رجال "الأممالمتحدة" وبدأت فعاليات المؤتمر الذي تحدث فيه اليهود عما قدموه للأهل في سيناء وعن طموحهم وآمالهم بالنسبة لهم. وعندما طلبوا الكلمة من شيوخ سيناء وقع الاختيار الذي كان متفقًا عليه مسبقًا علي الشيخ "سالم الهرش" الذي خدعه في بداية كلمته قائلًا: "أنتم تريدون سيناء دولية "يعني أنا الآن لو أعلنت سيناء كدولة ستضعون صورتي على الجنيه السيناوي" فأجاب "ديان" بابتسامة مهللة وكأنه يقول بالطبع"، وإذا بالشيخ سالم يقول: "أؤكد لكم أن سيناء مصرية وستظل مصرية 100% ولا يملك الحديث عنها إلا السيد الزعيم جمال عبد الناصر"، فكانت الصاعقة التي نزلت علي الوجوه الصهيونية وما كان من موشى ديان إلا أن أطاح بالمنصة. المخابرات المصرية تنقذ "الهرش" من الأعدام كان المصير الذي ينتظر الشيخ سالم هو الإعدام علي يد الإسرائيليين لولا المخابرات المصرية التي كانت تعلم كل شيء فانتظرته بسيارة جيب ورحلته إلى الأردن وأسرته عبر ميناء العقبة فاستقبله الأردنيون استقبال الفاتحين هناك، وأستقبله الرئيس جمال عبد الناصر وأهداه نوط الأمتياز من الدرجة الأولى، وبعد مرور سنوات عاد مرة أخرى وقدم له مجموعة من الهدايا عبارة عن "طبنجة وعباءة وسيارة جيب" ولكن الشيخ سالم تبرع بكل شيء للقوات المسلحة عدا العباءة التي أعتبرها رمز وتذكار من " جمال عبد ناصر" ، وبعد انتهاء حرب أكتوبر 1973عاد الشيخ سالم إلى سيناء وتوفي عام 2001.