«رب ضارة نافعة».. هذه المقولة تتوافق تماماً مع ما يحدث الآن فى العالم، ففى الوقت الذى يعانى فيه الجميع من كارثة كورونا، تنفست الأرض، وقلت نسبة التلوث فيها بشكل كبير، وأوشك ثقب الأوزون على أن يغلق تمامًا وفقًا لتقرير أصدرته هيئة الفضاء الأوروبية، ذكرت فيه أن ثقب الأوزون سيغلق تمامًا يوم 25 أبريل الجارى. هكذا أصبحت الكرة الأرضية هى المستفيد الأكبر من فيروس كورونا، بعدما تبين أن لكارثة كورونا وجهاً آخر إيجابياً وبناء، فنتيجة للحظر المفروض فى كل دول العالم قلت حركة السيارات فى كل مكان وانخفضت الانبعاثات الملوثة التى كانت تخرج منها، وأُغلقت المصانع فى عدد كبير من الدول، وظهرت بوادر الانفراجة من الصين التى كانت المصدر الأول للتلوث فى العالم، فمع بداية انتشار فيروس كوفيد 19 فيها، وفرض حظر التجول على المواطنين، أظهرت صور الأقمار الصناعية التى أصدرتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية انخفاضا حادا فى انبعاثات ثانى أكسيد النيتروجين الذى تطلقه الحافلات ومفاعلات الطاقة والمنشآت الصناعية فى مدن صينية كبرى خلال شهرى يناير وفبراير. واختفت -بحسب صور الأقمار الصناعية تقريبا- السحابة المرئية من الغازات السامة التى كانت تحلق فوق المناطق الصناعية فى الصين، كما انخفضت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، المنبعث من حرق الوقود الأحفورى مثل الفحم، بنسبة 25% على الأقل بسبب إجراءات احتواء أزمة كورونا، وذلك وفقا لتقارير مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، ومنظمة أبحاث تلوث الهواء فى الصين. ومع انتشار الفيروس فى العالم اتخذت باقى الدول إجراءات مشابهة للإجراءات التى اتخذتها الصين، ومع فرض الحظر فى كثير من دول العالم قلت الملوثات البيئية فى كل مكان حتى إن وكالة الفضاء الأوروبية أكدت أن ثقب الأوزون سيلتئم تماما بحلول 25 أبريل الجاري. وأكدت الصور التى التقطتها الأقمار الصناعية انخفاض الانبعاثات الضارة فى عدد من العواصم الأوروبية مثل باريس ولندن وروما وغيرها. وكانت منظمة الصحة العالمية والتحالف الدولى من أجل المناخ والهواء النقى تقودان حملة عالمية لرفع مستوى الوعى حول مخاطر تلوث الهواء على الصحة، وأكدت المنظمتان أن تلوث الهواء يتسبب كل عام فى وفاة 2 مليون شخص جراء الإصابة بأمراض القلب والشرايين، كما أنه يتسبب فى وفاة 2.2 مليون شخص جراء السكتة الدماغية، بالإضافة لإصابة 1.7 مليون شخص بأمراض السرطان، وجاء فيروس كورونا ليخف من حدة الأزمة ويظهر الوجه الآخر للفيروس، الذى خفف من التلوث وقضى على واحدة من أكبر المشكلات التى تواجه البشرية. وأكد الدكتور ناصر محمد عبداللطيف أستاذ تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث، ورئيس قسم بحوث الهواء بالمركز، أن الملوثات قلت فى العالم نتيجة لحظر خروج المواطنين للشوارع بأعداد كبيرة، وبالتالى انخفض استهلاك السيارات وما ينبعث منها من ملوثات تؤثر على البيئة، كما أن كثافة العمل فى المصانع قلت بنسبة كبيرة ما أدى إلى تحسين نوعية الهواء، بالإضافة إلى أن تقليل نسبة انبعاثات الغازات الملوثة أدى إلى تحسين الوضع البيئى بشكل عام، وانعكس هذا على ثقب الأوزون الذى كانت الملوثات سببا فيه، كما انعكس أيضا على صحة النبات، وسيكون له دور فى تحسين صحة الإنسان أيضا على المدى الطويل، لأن التلوث يتسبب فى عد كبير من المشكلات الصحية ويؤدى للإصابة بالأمراض. وأشار إلى أن ظاهرة الاحتباس الحرارى نفسها ستقل خلال الفترة القادمة وسيشعر الناس بهذا فى كل مكان، حيث ستنخفض درجة حرارة الأرض، نتيجة لانخفاض الملوثات التى كانت سببا فى ثقب الأوزون وما نتج عنه من ظاهرة الاحتباس الحرارى التى شعر بها كوكب الأرض كله. وطالب الدكتور ناصر بضرورة المحافظة على جودة الهواء بعد القضاء على فيروس كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها، وذلك بخلق حالة من التوازن فى استخدام السيارات والملوثات البيئية الناتجة عن الانبعاثات الضارة. واقترح الدكتور ناصر ضرورة تقليل أعداد السيارات فى الشوارع والاعتماد على وسائل المواصلات العامة، والتوسع فى استخدام الغاز الطبيعى فى السيارات، والتوسع فى إنشاء محطات الكهرباء المعتمدة على الوقود المتجدد الصديق للبيئة، فكل هذا سيؤدى إلى تقليل التلوث البيئى. وطالب الدكتور ناصر بضرورة إيجاد منظومة عالمية لتقليل الانبعاثات فى العالم كله، فلا يمكن أن تقوم الدول النامية بهذا الدور، فى حين تقوم الدول الأوروبية بكل أنشطتها الملوثة للبيئة. الأثر الجيد للأوبئة المفاجأة أنه على مر الزمان كانت الأوبئة والجوائح فى العالم مرتبطة دائما بانخفاض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، حتى فى خضم الثورة الصناعية، وهو ما أكدته الدراسات التى كشفت أن وباء الطاعون الذى انتشر فى أوروبا فى القرن الرابع عشر، ووباء الجدرى الذى نقله المستعمرون الإسبان إلى أمريكا اللاتينية فى القرن السادس عشر، كانت لهما آثار على مستويات ثانى أكسيد الكربون فى الجو. وفى وقتنا الحالى الذى وصلت فيه معدلات التلوث لذروتها وانتشرت فى كل مكان فى العالم، ويعانى منها كل البشر فى كل مكان، كان لكورونا تأثير جيد على البيئة حيث قلل من نسب التلوث بشكل كبير، وأكد الخبراء أن انخفاض الأنشطة البشرية فى الفترة الماضية نتيجة للحظر كان له أثر كبير على تحسن جودة الهواء. وأشاروا إلى أن وسائل النقل وحدها كانت تساهم بحوالى 23% من الانبعاثات العالمية للكربون، وقيادة السيارات كانت سببا فى وصول هذه النسبة ل72% فى بعض البلدان، كما أن النقل الجوى يسهم بنسبة 11% من إجمالى الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحرارى من قطاع النقل. وبعد التجربة التى عاشتها الأرض وتنفسها بسبب انخفاض الانبعاثات الضارة أصبح على البشرية المحافظة على هذا المكسب الثمين، ووضع خطة لتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، فهل يستجيب البشر ويغتنمون الفرصة التى منحها لهم فيروس كوفيد19؟