الثورة المصرية في 25 يناير أحدثت تغييرا كبيرا في سلوكيات الكثير من أبناء الشعب المصري بكل فئاته وأطيافه كبيرهم وصغيرهم، هذا التحول لم يأت من فراغ بل نتيجة لجهود بذلت ودماء الآلاف التي أريقت، وشهداء بالمئات عند ربهم يرزقون ومازلنا نحتاج الي استمرار هذه التغييرات في كل مناحي حياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين الي الأحسن والأفضل. وكان من حسن الطالع أن يختبر الشعب المصري الأصيل في إيجابياته وذهاب الملايين الي الاقتراع علي استفتاء التعديلات الدستورية، سواء من قال نعم أو من قال لا، فالجميع ذهب بروح وثابة للتغيير وكل له أسبابه ومبرراته المنطقية، ويجب علينا أن نحترم الطرفين ولا نخون أطرافا علي حساب أطراف أخري، فكلنا في حب مصر نسعي ونجتهد، وإرادة الشعب تصنع المعجزات فلم يكن يتصور أحد قبل هذه الصورة أن يتحقق لنا ما نعيشه الآن، وقد بدأنا بالفعل نجني ثمار الثورة مع خروج جموع الشعب في أول عرس للديمقراطية بكامل حريته في مناخ ارتاحت اليه القلوب. ومن النماذج الفريدة التي تمثل إحساس الشعب المصري لأول مرة بحريته وكرامته، وأن له قيمة وحيثية وتأثيرا، ما قاله المستشار محمد عطية رئيس اللجنة القضائية العليا المشرفة علي الاستفتاء أنها المرة الأولي التي يشعر فيها بأن صوته له قيمة! تخيل معي أن القاضي الذي يشرف علي الاستفتاء يقول هذا الكلام وهو يمارس هذاالعمل منذ فترة طويلة فما بالك برجل الشارع الذي أهينت كرامته وسلب حقه إنه فعلا بداية عهد جديد ليس فيه مكان للمزورين والغشاشين ولا للمستبدين الذين خدعوا الشعب المصري لعقود طويلة. ومن طرائف يوم الاستفتاء ما سمعته من أحد المواطنين في الطابور وهو يقول لزميله عبر التليفون المحمول: أنا في الزجزاج أي الطابور الطويل الملتوي لكثرة الحضور، يقول هذا وهو سعيد ومبتهج والأغرب أن يصطف الناس في طوابير ويطول الانتظار لأكثر من ثلاث ساعات، نساء ورجال حتي الأطفال أرادوا أن يشهدوا هذا العرس مع آبائهم، وقد غمر الجميع الفرحة والسرور لأنه شعر أن صوته له قيمة وتأثير، ووجدت امرأة تسأل عن شخصية مهمة دخلت للتصويت دون التزام بالطابور! فقلت لها انه وزير البحث العلمي الدكتور عمرو سلامة فاستنكرت دخوله بهذه الطريقة وقالت أخري متحدثة مع صديقتها إن والدي بلغ 76 عاما ولم يذهب من قبل للإدلاء بصوته وذهب هذه المرة، ناهيك عن الرجل القعيد الذي يجلس علي الكرسي المتحرك وكبار السن والمرضي، كل هؤلاء حرصوا علي التصويت وهم في كامل السعادة. فعلا إنه طابور الحرية الذي يجب أن نسير فيه بعيدا عن الطابور الخامس الذي يريد لنا أن نتقهقر ونتخلف عن مواكبة العصر ونعيش في عصور الظلام مغيبين لا دور لنا، وأظن أن الشعب المصري بوعيه وذكائه لن يسمح لأحد أيا كان شخصه أو منصبه أو مكانته بأن يخطف فرحته وانتصاره بهذه الثورة العظيمة، وسيقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العودة بنا الي الماضي البغيض الذي وضعنا في ذيل الأمم لمصلحة محدودة لنظام فاسد مستبد. وهكذا انتهي التصويت بنعم »77.2٪« علي التعديلات الدستورية وهذه هي الديمقراطية التي تنصاع لرغبة الأغلبية وتحترم آراء الأقلية وهذا يتطلب منا في المرحلة القادمة الاهتمام بعدة أمور منها: أولا: اشاعة ثقافة الحوار فيما بيننا لأننا في كثير من الأحيان نفتقد لروح الحوار وآدابه ومازالت هناك ظاهرة التعصب للرأي الواحد غالبة علي الكثير منا وهذا يضيع الوقت فيما لاطائل منه ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال: رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ثانيا: علينا أن نهتم بعظائم الأمور ونترك صغائرها، ونتعاون في المتفق عليه ونتغاضي عن المختلف فيه، فمصر تحتاج الينا جميعا، من خلال تقريب وجهات النظر بيننا، والمتفق عليه كثير فهيا الي العمل الجاد لبناء مصر الحديثة دولة قوية فتية في جميع المجالات. ثالثا: علينا التوجه مباشرة الي الإنتاج والعمل دون تراخ أو تقاعس وأتذكر في هذا السياق الشعب الياباني، حينما يريد الاعتصام يغلق عليه المصانع ويعتصم بداخلها دون ضجيج أما نحن ففي كثير من الأحيان نضيع الأوقات في غير فائدة وهذا أمر غير محمود. رابعا: علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال، الإسراع في تحقيق آمال وطموحات الشعب المصري في جميع الميادين والاستفادة بكل الامكانيات البشرية والمادية التي أنعم الله بها علي مصرنا الحبيبة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. خامسا: علي جموع الشعب المصري الصبر قليلا علي حكومة تسيير الأعمال، واعطاءها الفرصة كاملة لكي تحقق مطالب الشعب المصري، وعدم الانجرار وراء المطالب الفئوية مع شرعيتها وأهميتها التي تصرفنا عن الأهداف الكبري، والأمر يحتاج الي بعض الوقت، وعاشت مصر حرة. مدير المركز الحضاري للدراسات المستقبلية [email protected]