التنمر فيروس الأمراض الاجتماعية.. يصيب الأفئدة والعقول سأظل أردد دومًا أن السينما هى القوى الناعمة للشعوب المتقدمة؛ فمن خلالها يحمل إليك الداء؛ ليوجه لك الضربة القاضية فى مقتل؛ أو يكون منها دواء للعديد من الأمراض الاجتماعية التى يصيبنا بها فيروس الفقر والجهل، وعلى رأس تلك الأمراض الفيروسية الاجتماعية فيروس التنمر الذى يصيب الأفئدة والعقول ليتحول إلى سلاح فتاك فى عضد أى أمة متحضرة؛ الإيذاء من خلال التنمر مشكلة عالمية منتشرة عبر دول ومجتمعات مختلفة، ويحمل تداعيات سلبية عديدة ومركبة، سواء من الناحية السيكولوجية أو الانفعالية أو الاجتماعية أو التعليمية على صحة كلٍ من المتنمر والضحية، وللأسف شاهدنا هذا مؤخرًا من خلال ما فعله البعض مع العاملين فى المجال الطبى أو الموتى بفيروس كورونا، وتعدد الأشكال للأسف مع الوقت. ولهذا كان يجب الوقوف عندها والكشف عن طبيعتها وسماتها لمواجهة هذه المشكلة؛ والتى سببها النقص الحقيقى فى المعرفة والسينما خير وسيلة، لذلك فهى قدمت التنمر فى كل صوره الدينية والمرضية والاجتماعية. السينما أظهرت كل أشكال التنمر من الإساءة والإيذاء الموجه من قبل فرد أو مجموعة نحو أشخاص أو مجموعات؛ والتنمر يتم عن طريق التحرش الفعلى والاعتداء البدنى، أو غيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاءً مثل التلاعب بالمشاعر وتوجيهها ضد البشر. من أهم أفلام التنمر بسبب المرض فيلم فيلادلفيا Philadelphia بطولة توم هانكس فى دور محامٍ ممتاز تم طرده من عمله لأنه مصاب بالإيدز ودينزل واشنطن الذى يلعب دور المحامى الذى يرفع القضية تطالب بحقوق الأول على أنه من غير الإنسانية طرد شخص لمجرد أنه مصاب بمرض خبيث حتى لو كان قاتلًا مثل الإيدز! قصة الفيلم قائمة على أحداث حقيقية؛ الفيلم حاول تغيير مفاهيم وأفكار راسخة فى عقولنا؛ توم هانكس أصيب بالإيدز لكونه شاذًا؛ وبرغم أن دينزل واشنطن يكره الشواذ ويمقت قضيتهم ولكنه مؤمن أن الشخص لا يجب أن يطرد من عمله لهذه السبب الذى يعتبر عنصرية وتقليلًا من قيمة الإنسان، فالنفس البشرية تستحق أن تعامل بإنسانية، هذا حتى مع شخص كان السبب فى مرضه، فما بالك بأشخاص لم يكن للمرء سبب فى انتقال المرض إليه، وهو ما يحدث الآن مع فيروس كورونا؛ ولعل فيلم The Ryan White Story ريان وايت يظهر تلك النوعية من الإصابات،وهو قصة حقيقية لطفل فى بلدة صغيرة مصابة بالهيموفيليا أصيب بفيروس نقص المناعة البشرية من نقل الدم فغير وجه الإيدز إلى الأبد. ومن المعروف أنه فى 8 أبريل 1990، بعد معركة استمرت خمس سنوات، توفى وايت البالغ من العمر 18 عامًا بسبب مضاعفات متعلقة بالإيدز. كطالب شرف، حصل على اهتمام وطنى لأول مرة فى أغسطس عام 1985، عندما منعه مجلس إدارة المدرسة فى مسقط رأسه فى كوكومو، إنديانا من حضور الفصول الدراسية، مما أجبر وايت على إكمال الصف السابع من غرفة نومه عبر الهاتف. تعرضت عائلته للمضايقة والتهديد. أطلقت رصاصة مرة واحدة من خلال نافذة غرفة المعيشة الخاصة بهم؛ والسينما قدمت ما حدث له من تنمر، مما جعل الناس بعد مشاهدة الفيلم الذى أنتج قبل سنة من وفاته يحضرون جنازته وكانوا أكثر من 1500 من المشيعين وبثوا على الهواء مباشرة على شبكة سى بى سى. وحضرها العديد من النجوم ومنهم مايكل جاكسون الذى بجانب والدة ريان وأخته. كانت السيدة الأولى باربرا بوش هناك، وكذلك حاكم إنديانا إيفان بايه، وبعد وقت قصير من وفاته، أقر الكونجرس قانون ريان وايت كير، الذى يوفر التمويل الفيدرالى للعلاج والتعليم للمتضررين من فيروس نقص المناعة البشرية. وتم تعيين والدة وايت، جين (التى أنشأت مؤسسة ريان وايت)، كمتحدث رسمى باسم مشروع ريان وايت فى مشروع الإيدز، وهى مجموعة مناصرة تناصر منظمات خدمة الإيدز فى جميع أنحاء البلاد. أما فيلم اسمى خان فأنتج عام 12 فبراير 2010. فيقدم التنمر الدينى والاجتماعى من خلال قصة «رضوان» خان مسلم هندى يعانى من مرض التوحد «متلازمة أسبرجر». بعد وفاة أمه ينتقل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليقيم عند أخيه زاكر، هناك يتعرف على فتاة هندوسية تدعى مانديرا مطلقة ولديها ابن من زواج سابق ليقع فى غرامها. تتأزم أحداث الفيلم بعد انهيار برجى التجارة العالمى، ويبدأ المسلمين بالتعرض للاضطهاد. وهنا يتعرض ابن مانديرا للقتل فتحمل رزوان الذنب وتطلب منه الذهاب لمقابلة الرئيس الأمريكى وإخباره أنه ليس بإرهابى، وهنا تبدأ رحلته لمقابلة رئيس الولاياتالمتحدة لإخباره أن المسلمين ليسوا إرهابيين ويتعرض خلالها لمواقف مختلفة تكشف عن نظرة الأمريكيين للدين الإسلامى. وأما فيلم «الكتاب أخضر» للمخرج الأمريكى بيتر فاريلى، فيقدم لنا التنمر الذى عانى من منه البشر بسبب لون البشرة، وفكرة الفيلم يتم تناولها من خلال السائق الذى بدأ رحلته كرجل أبيض متعصب وانتهت بمراجعة أفكاره عن الفروقات بين الأعراق. وهى قصة حقيقية عن عازف البيانو «دون شيرلى» الذى اشتهر فى الخمسينيات والستينيات، ويبدأ التصاعد الدرامى فى فيلم «الكتاب الأخضر» عندما يتم إغلاق «كوبا» لمدة شهرين بسبب أعمال التجديد، ويصبح تونى فى حاجة ماسة إلى وظيفة، ويتم استدعاؤه إلى شقة فوق قاعة كارنيجى، حيث يلتقى بالدكتور دون شيرلى يقدم الدكتور شيرلى نسخة من كتاب Negro Motorist Green Book، المعروف باسم «الكتاب الأخضر»، هو دليل السفر السنوى الذى يقدم الطعام للمسافرين السود فى القرن العشرين، وهو نتاج الانقسامات العرقية العميقة التى تسببها قوانين جيم كرو. ويبدأ الصراع الدرامى بين التكوينة الشخصية للبطلين مع تقدم الرحلة، وإذا كان مورتنسن يسيطر على المشاهد فى بداية الفيلم، إلا أن دكتور شيرلى فى النهاية الشخصية الأكثر انخراطًا فى التعامل مع تعقيدات الرجل الذى لا يبدو مقبولًا تمامًا فى العالم الأبيض أو الأسود. ومع أن دكتور شيرلى علمه كيف يكتب خطابات أكثر رقيًا وشاعرية لزوجته وبأسلوب أدبى مميز، إلا أن تونى ليب كان فيلسوفه الذى غير حيات عندما قال «أيًا كان ما تفعله، فافعل ذلك بنسبة 100٪»؛ لتصبح فلسفة أبطال «الكتاب الأخضر». أما فيلم شرف الرجال man of honor عن قصة كارل براشير، أول شاب أمريكى من أصل إفريقى، يطمح للالتحاق بالبحرية الأمريكية، فيواجه صعوبات، وتدور أحداثه حول معاداة الجنود البيض له أثناء التدريبات. الفيلم صدر عام 2000، من إخراج جورج تيلمان، تبدأ قصة الفيلم عقب الحرب العالمية الثانية مع كارل براشير شاب أسود الذى يعمل طباخًا ويحلم فى أن يكون غواصًا ويكون أول أسود يصبح كذلك بل ويأمل أيضًا أن يصل إلى درجة مساعد أول. يعانى كارل كثيرًا مع قائده ليسلى صاندى الذى كان يحتقره كونه أسود ولكنه يجد فيه روح الأهام والإصرار فيقرر مساعدته، تتلخص أحداث الفيلم فى معاداة الجنود الأمريكيين البيض لأمريكى أسود، فى التدريبات الخاصة بالغطس فى مقر للتدريب. وعلى الرغم أن الشاب الأسود يفقد رجلهُ فى التدريبات؛ فإنه واصل تدريباته على رجل واحدة ويحقق حلمه فى النهاية. وهناك فيلم أعجوبة (Wonder) إنتاجه سنة 2017. الفيلم عن التنمر المدرسى مستندًا على الرواية التى تحمل نفس الاسم للكاتب راكيل جراميلو، ومن بطولة الطفل يعقوب تريمبلاى وجوليا روبرتس؛ وتستند القصة أساسًا على طقل مصاب بمتلازمة تريتشر كولينز. فهذا هو الطفل أوجى والذى يولد مشوهًا، حيثُ يشخص الأطباء إصابته بمتلازمة تريتشر كولينز، وتعرض بعدها ل27 عملية. تبدأ رواية القصة عندما يكون أوجى مهيأ لدخول الصف الخامس، وقد كان فى السابق يدرس فى البيت فقط، لكن أمه إيزابيل تقرر إدخاله المدرسة فى محاولة منها لجعله طفلًا طبيعيًا؛ بعد موافقة أوجى على دخول المدرسة بعدما قام بجولةٍ فيها، بتعرض إلى النبذ من جميع طلاب المدرسة إلا زميلًا واحدًا فى الصف هو «جاك ويل». تتوقف صداقة أوجى وجاك منذ عيد الهالويين، حيثُ كان أوجى يرتدى وجه الشبح متحمسًا جدًا لليوم الذى لا يرى الآخرين وجهه ويعاملونه بلطف، لكن بمجرد دخوله للغرفة الصفية يسمع لكلام صديقه جاك وهو لا يعرف بأن أوجى موجود فيقول إنه سينتحر لو أن لديه وجهًا مثل وجه أوجى. فيقطع أوجى علاقته نهائيًا بجاك، ويقول لوالديه إنه لا يريد الذهاب للمدرسة مجددًا، لكنه استطاع تجاوز الحالة بمساعدة أخته المراهقة فيا. يعود أوجى مجددًا للمدرسة ولكنه وحيدًا، لكن صديقة جديدة «سمر» تصر على أن تكون صديقته رغم انتقادات زميلاتها. برغم الشكوك التى تراود أوجى بأن سمر جلست برفقته لأن إدارة المدرسة أمرتها بذلك شفقةً عليه، فإنها تؤكد له عدم صحة ما يظنه. وبشكل سريع يفصح لها عن سبب عدم تكلمه مع زميله السابق جاك، ورغم المحاولات المتكررة لجاك للعودة لرفقة أوجى أو حتى لمعرفة سبب خصامه له، لجأ جاك لزميلته سمر لمعرفة السبب، فتقول له تذكر وجه الشبح فى عيد الهالويين فقط ولا تفصح عن باقى القصة، والذى كان سببًا لمعرفة جاك سبب الخصام. خلال حصة العلوم تطلب المعلمة عمل مشروع علمى بين طالبين، فيكون أوجى مع جاك فى نفس الفريق رغم محاولات زميلهم «جوليان» لأخذ جاك لصفه، ولكن جاك عاد وأصّر دخوله بفريق أوغجى. والتى تطورت إلى اشتباك بالأيدى بين جاك جوليان بسبب الاستهزائات التى يقولها جوليان عن أوجى.وعادت العلاقة بين جاك وأوجى بعد اعتذار جاك عن ما بدر منه خلال محادثة بينه على لعبة ماين كرافت الإلكترونية. لكن مضايقات جوليان ومجموعته استمرت مرارًا وتكرارًا بواسطة صور ورسومات وكتابات عن شكل أوجى المخيف. تصل حالة التنمر لمدير المدرسة السيد توشمان والذى استدعى والدى جوليان وأعطاهم أدلة من بينها صورة لأفراد الصف وقد تمت إزالة أوغى بواسطة الفوتوشوب، والتى اعترفت أم جوليان بأنها هى من قام بعملها، ودافعت عن ابنها باستبسال ورفضت التهم الموجهة لابنها ودخلت بمناوشة لفظية مع المدير والتى ذكرته بدعم الأسرة للمدرسة. رفض المدير كل المبررات وأصر على إعطاء أوجى عقوبة الإيقاف لمدة يومين، مما هدد فيها الوالدان بسحب ابنهم من المدرسة، لكن كل ذلك جعل كوليان يعتذر للمدير. وفى احتفال نهاية العام الدراسى وبتخرج طلبة الصف الخامس وإعطاء قلادة لأكثر شخصية طلابية مميزة بالقوة والإصرار وكانت تلك القلادة من نصيب أوجى الذى كان الطالب المميز وهنا تبدأ رحلة جديدة لأوجى. ومن الأفلام الرائعة عن مقاومة التنمر الاجتماعى فيلم «فورست جامب» الذى يبدأ المشهد الأول بريشة تتطاير فى السماء. وتسقط فى النهاية بجوار قدم فورست جامب (توم هانكس)، المنتظر باستراحة محطة الحافلات. بينما هو فى انتظار الحافلة رقم «9»، يقوم فورست بسرد قصة حياته للغرباء الجالسين بجواره فى انتظار حافلاتِهم. ويبدأ روايته لقصة حياته بعام 1954 مع دعامات الساق التى كان عليه ارتداؤها وهو صغيرٌ، والتى بسببها لاقى معاملةً قاسيةً من الأطفال الآخرين. عاش فورست مع والدته (سالى فيلد)، التى كان لها دورٌ كبيرٌ فى تنشئته، وتأثيرٌ عميقٌ على أفكاره، فكانت لها تعبيراتٌ خاصةٌ فى توضيح الأمور له. يلتقى فورست فى يومه الأول فى المدرسة أثناء ركوبه الحافلة بجينى (روبين رايت)، ويقع فى حبها على الفور، وتصبح صديقته المفضلة. فى أحد الأيام أثناء هربه من بعض المتنمرين، اكتشف فورست أن بإمكانه الركض بسرعةٍ عاليةٍ، على الرغم من ذكائه الأقل من المتوسط، فقد حصل على منحةٍ مقدمةٍ من بير برايانت للدراسة فى جامعة ألاباما عام 1962. أثناء وجوده فى الكلية، شهد وقفة جورج والاس على باب مبنى المدرسة، وحصل على لقب (All-America) لكرة القدم الأمريكية الجامعية التى تقدمها الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات، والتقى أيضًا بالرئيس جون كينيدى. انضم فورست إلى الخدمة العسكرية بجيش الولاياتالمتحدة بعد تخرجه، وكوّن صداقةً مع بوفورد بنيامين بلو «بوبا» (مايكلتى ويليامسون)، واتفقا على الخوض فى الأعمال التجارية للجمبرى معًا بعد انتهاء خدمتهما العسكرية. لاحقًا، يتم إرسالهما إلى فيتنام للمشاركة فى الحرب، وأثناء قيامهما بدورية، يُنصب كمينٌ للفصيل. ينجح فورست فى إنقاذ أربعةٍ من جنود الفصيل، بما فى ذلك قائد الفصيل الملازم الأول دان تايلور (جارى سينيز)، أُصيب فورست أيضًا فى تلك الحادثة، وحصل نتيجةً ذلك على ميدالية الشرف من الرئيس ليندون جونسون. فى المستشفى، يكتشف فورست قدرته على لعب تنس الطاولة، ويبدأ لعبها ضمن فريق الجيش الأمريكى، لينتهى به الأمر أخيرًا إلى اللعب فى الصين ضد الفريق الصينيّ فى جولة النوايا الحسنة. بعد عودته من الصين منتصرًا، يظهر فورست فى برنامج ديك كافيت إلى جانب جون لينون، ويصف تجربته فى الصين بقدر ما يستطيع مُلهمًا جون لينون لكتابة أغنيته الناجحة تخيّل التى صدرت عام 1971. لاحقًا، يذهب فورست مرةً أخرى إلى البيت الأبيض ليلتقى الرئيس ريتشارد نيكسون، ويتم إعفاء فورست من الجيش. واستخدم المال الذى ربحه من لعبه لتنس الطاولة من أجل شراء قاربٍ لصيد الجمبرى عام 1975، وبعد إعصار كارمن الذى دمر كل قوارب الجمبرى الأخرى فى المنطقة، لاقت شركة «جمبرى بوبا جامب» نجاحًا كبيرًا لعدم وجود منافسين. تعود جينى لزيارة فورست وتبقى معه. يطلب منها فورست أن تتزوجه، لكنها ترفض وتغادر فى وقت مبكر صباح أحد الأيام يقرر فورست أن يخرج ليركض قليلًا، الأمر الذى يتحول إلى ماراثون لمدة ثلاث سنوات من الساحل إلى الساحل (1976-1979). أصبح فورست من المشاهير وجذب العديد من الأتباع. وفى يوم من أيام ركضه توقف فجأةً وعاد إلى منزله. تلقى رسالة من جينى تطلب فيها مقابلته، الأمر الذى أتى به إلى محطة الحافلات حيث بدأ يحكى قصته. وعندما لم شمله مع جينى، يكتشف فورست أن لديهما ابنًا صغيرًا، وتعانى جينى من فيروس غير معروف. وتطلب منه الزواج بها ويوافق. عادا إلى ولاية ألاباما مع فورست الابن وتزوجا. وماتت جينى فى 22 مارس، 1982. فى نهاية الفيلم، ينتظر فورست مع ابنه الحافلة لتقله إلى المدرسة فى يومه الدراسى الأول.