قصتنا اليوم والتى تحمل معانى الكفاح والصبر والقوة والإرادة والإيمان صفات تجمعت لهذه الأم بطلة القصة الحاجة «نجاح محمد خضر السيد» أو الملقبة بأم نوال، التى بلغت من العمر 62 سنة، وتعمل فى مهنة توزيع أنابيب الغاز بقريتها كفر الصلاحات ببنى عبيد بمحافظة الدقهلية، حيث كانت تعول أسرة مكونة خمس فتيات «نوال وماجدة وفاطمة ونورا وسمر» جميعهن حصلن على دبلومات فوق المتوسطة ونجحت فى تزويجهن جميعاً فى رحلة شقاء ومسيرة عطاء. تروى الأم الحاجة «نجاح» أو أم نوال، ذلك الاسم والذى عرفت به منذ خروجها للعمل مضطرة بعد وفاة زوجها عن عمر 39 عاماً، تاركاً لها خمس بنات أكبرهن وقتها نوال 12 سنة، وأصغرهن سمر وتبلغ من العمر عامين فقط. حيث بدأت كلامها كأنها تتذكر هذا الحلم والذى وصفته بالحمل الثقيل والتى نجحت فى أن ينزل من على ظهرها، مرددة لم أكن أشعر يوماً بماذا أريد ولكنى انظر لأطفالى ماذا يريدون وألبى احتياجاتهم دون تقصير.. مستطردة مشوار حياتها، والتى بدأت بزواج تقليدى فى قرية تحمل الطابع الريفى البسيط «كفر الصلاحات» من زوجى «حافظ العدل حافظ» وكان يعمل فى توزيع الأنابيب، وعشنا فى منزل بسيط من الطين النى «اللبن» مكون من 3 حجرات، وسقفه بالسدة والغاب والقش أعلاه، ولا نمتلك سوى هذا المنزل، وعربة كارو وحمار، و15 أنبوبة كان زوجى يسرح بهم لكسب قوت يومنا، حيث كنت ملتزمة بمتطلبات زوجى كربة منزل أقوم بتربية الطيور، وخبز العيش الفلاحى، وطهى الطعام ورزقنا الله بخمس بنات، وكانت الحياة تسير برضاء وحمد لما نعيش فيه، ولم يشعر زوجى بأى مرض إلى أن جاء اليوم الذى شعر فيه وهو عائد من عمله باختناق فى التنفس ليرحل فى هدوء عام 1997 وعمره 39 عاماً، ومن هنا بدأت رحلة الشقاء والتفكير فى كيفية تسيير العيشة ومصاريف تربية الأولاد وليس لدينا مورد ولا أملاك ولا شيء نصرف منه، أو أحد يساعدنا فى المعيشة وهذا الأمر كان يحتاج للحكمة، والتضحية، ولهذا كان القرار فى خروجى ولأول مرة للعمل مكان زوجى كموزعة للأنابيب، وده كان غريب على قريتنا ولكن الحاجة، والضرورة تطلبت هذا وساعدنى على ذلك أهل القرية رغم أنها مهنة مشقة وتعب ولا يمتهنها سوى الرجال. خرجت لليوم الأول أسرح بالأنابيب وكانت المشكلة فى أولادى ما زالوا فى سن صغيرة أكبرهم كانت نوال 12 سنة، وهى التى تحملت معى جزءاً من المسئولية، فكانت تذهب للمدرسة مع باقى أخوتها، وعند عودتها للبيت، وفى طريقها تأتى بشقيقتها الصغرى «سمر» من عند أختى فى أول الشارع، لتجمع أخواتها، وتراعيهم بتحضير وجبة الغداء، والتى أكون قد أعددتها لهم قبل خروجى للعمل، فليس لى وقت للرجوع لأنه رزق مكتوب، ووقت ما أخلص بيع الأنابيب أعود بفوارغ أنابيب الغاز للبيت، وأطمئن على البنات، ومذاكرتهن، ثم أتناول معهن طعام العشاء، وطبعاً حسبما تعودنا بيكون عبارة عن وجبة سخنة أرز و«زفر» فراخ وبط أى طيور من البيت فأنا أقوم بتربية تلك الطيور لأنها بتوفر بيض ونأكل منها، ونشترى ما نحتاجه من لحم أو سمك من الخارج فليس لدينا حيوانات نربيها، وحسب الموجود واللى ربنا يقدرنى عليه نعيش، والحمد لله لم أحرمهن من شيء وكل طلباتهم مجابة، مصاريف مدرسة ولبس مدارس، وفى العيد ملابس وعيدية، وطبعاً بالنسبة لأكلى طوال اليوم فمع عمل سندويتشات المدارس معى منديلى الكبير آخذ فيه كام رغيف وقطعة جبن وبقضيها حتى العودة لآكل مع بناتى. عشت طول حياتى هدفى هو تربية بناتى، وتستيرهن بالزواج لأزواج يصونوهن ويتقون الله فيهن، ولم يساعدنى أحد ولا أحد يعرف عنى شيئاً. وتضيف «الحاجة نجاح» بالفعل بعد أن توالى نجاح بناتى بحصولهن على الدبلومات الفنية وهذا بفضل بركة ربنا، لم تنته القصة بل بدأت فى مرحلة طالما كانت تشغل تفكيرى وهى تجهيز البنات للزواج، والذى أتى بسرعة لم أتوقعها ودعوت الله أن يعيننى على تكملة المشوار. وجاءت العرسان الواحد وراء الآخر تطرق الباب للزواج من بناتى، وستر ربنا معى فكنت أدخر مبلغاً من خلال عملى ودخولى فى جمعيات مع الجيران، وبعد تحويشة مبلغ معين يتراوح من 20 إلى 30 ألف جنيه، أذهب لتجار الأدوات المنزلية أو الأثاثات ويقسطون الباقى بشيكات بفائدة أقل من آخرين وتصل لنصف الفائدة، وكان ربنا يساعدنى فى جوازاتهن. وانكسر ضهرى معهم، أخلص زواج الواحدة منهم، وتروح بيت جوزها، وبعدها تتخطب الأخرى، وكان كل سنتين أزوج بنت إلى أن أتممت زواج الصغرى، والحمد لله أديت رسالتى، وقمت ببناء المنزل ببلوكات الطوب الأبيض وتسقيفه بالمسلح، فقد كنا نعانى من هطول الأمطار والتى كانت تغرق المنزل، كما أننى أدخرت جزءاً من المبلغ لشراء أنابيب غاز وصلت اليوم إلى 40 أنبوبة لتساعدنى فى زيادة الدخل لأن بناتى كن قد كبرن وزادت معهن مطالبهن، وسترت البنات مع أزواج محترمين، والحمد لله أنجبن وكل واحدة عنده من الأولاد اثنان وثلاث بنات وصبيان، وأحفادى 12 ولد وبنت، وربنا يخليهم ويسعدهم، وأصبحت جدة وأحمد الله على أننى ما زلت قادرة على العمل وكرامتى وعزة نفسى لا تسمح لى بأن أعيش عالة على أحد رغم أنهن يضغطن على ولكنى أعرف ظروفهن وربنا يعينهن على تربية أولادهن. واختتمت الحاجة «نجاح» كلماتها قائلة: اليوم أشعر بأننى قدمت رسالتى على أكمل وجه، ولكننى اليوم أصبحت غير قادرة على حمل الأنبوبة، وأطلع على العربية مما يضطرنى الوقوف بجانب العربية، وأجر الأنبوبة، وأحملها على رأسى وأقوم بتوصيلها للأهالى بمنازلهم، وهذا الأمر ليس لكسب قوت يومى فقط وتدبير مصاريف معيشتى فقط، ولكن لأنه لدينا عادات وتقاليد وهو زيارات «المواسم» أو المناسبات المتعددة، والتى أحمل الهم مع قدومها، لأن تقاليدنا بضرورة ذهاب الموسم لكل بنت من الخمس بنات بما يوازى 300 جنيه أقل شىء، للبنت الواحدة يعنى أحتاج أقل شىء 1500 جنيه فى كل موسم. فيما عبرت أسرة الحاجة «نجاح» أم نوال عن أمنياتها بأن تتحقق ما تتمناه من الذهاب للحج أو العمرة على الأقل، تكريماً لها بعد رحلة الشقاء التى عاشتها فى تربيتهن، ولم تفكر فى نفسها، إلا أنهن طلبن من أى مسئول أو أهل خير أن يحقق طموحها اللاتى تمنين أن يكن هن سبباً فيها، إلا أن ظروفهن المادية تعوق تنفيذ أمنية ست الحبايب.