تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    أسعار اللحوم والأسماك اليوم 20 يونيو    مصادر أمريكية: الرصيف العائم في غزة يستأنف العمل اليوم    إلى أين تتجه التطورات على حدود إسرائيل الشمالية؟    هل يسير "واعد تركيا" جولر على خطى أسطورة البرتغال رونالدو؟    بعد تصريحات اللاعب| هل يرفض الأهلي استعارة «تريزيجيه» بسبب المطالب المادية؟    تقرير مفتش صحة بني مزار يكشف سبب وفاة عروس المنيا أثناء حفل زفافها    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بكفر الشيخ    حصيلة مرعبة.. ارتفاع عدد وفيات الحجاج المصريين بسبب الطقس الحار    مدرب إسبانيا يصف مواجهة إيطاليا اليوم ب "النهائي المبكر"    إعلام عبري: تصريحات المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي بشأن حماس أثارت غضب نتنياهو    حماس: تأكيد جديد من جهة أممية رفيعة على جرائم إسرائيل في غزة    سبب الطقس «الحارق» ومتوقع بدايته السبت المقبل.. ما هو منخفض الهند الموسمي؟    ارتفاع عدد ضحايا الانهيارات الأرضية إلى 10 أشخاص في بنجلاديش    حرب الاتهامات تشتعل بين مندوبي السودان والإمارات في مجلس الأمن (فيديو)    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    العطلة الطويلة جذبت الكثيرين إلى المصايف| أين قضى المصريون الإجازة؟    تصل إلى 200 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي في يونيو    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    وفاة عروسة أثناء حفل زفافها بالمنيا    وزير الداخلية السعودي: موسم الحج لم يشهد وقوع أي حوادث تمس أمن الحجيج    بعد بيان الأبيض.. اتحاد الكرة يبحث عن حكم أجنبي لإدارة قمة الأهلي والزمالك    بوتين: روسيا ستواصل تعزيز العلاقات وتطوير التعاون مع فيتنام    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    «المالية»: حوافز ضريبية وجمركية واستثمارية لتشجيع الإنتاج المحلي والتصدير    بعنوان «قلبي يحبك يا دنيا».. إلهام شاهين تُعلن عن فيلم جديد مع ليلي علوي وهالة صدقي    بعد قرار فيفا بإيقاف القيد| مودرن فيوتشر يتفاوض مع مروان صحراوي لحل الأزمة    بعد نجاح زراعته في مصر.. هل الكاسافا هو البطاطا؟ الزراعة تجيب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    تامر حسني يشعل حفله بكفر الشيخ رابع أيام عيد الأضحى (صور)    قمة أوروبية.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «من أجل كايزر تشيفز».. بيرسي تاو يضع شرطًا مُثيرًا للرحيل عن الأهلي (تفاصيل)    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    المركزي الكندي يدرس الانتظار حتى يوليو لخفض معدل الفائدة    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    تطورات جديدة| صدام في اتحاد الكرة بشأن مباراة القمة    كندا تبدأ بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. جابر عصفور : الثقافة فى بر مصر.. جزر منعزلة
نشر في الوفد يوم 04 - 03 - 2020

يوجد تيار إسلامى إرهابى.. ولا أؤمن بالمراجعات الفكرية
نحن غارقون فى التراث.. ونحتاج خطابًا ثقافيًا جديدًا
الخطاب الدينى بشرى.. ولا يمس الدين ولا نصوصه المقدسة
ندفع ثمن أسلمة المجتمع بسبب اتفاقية «السادات» و«التلمساني»
حلمت بأن أكون نموذجًا من طه حسين.. وأفضل وزير هو ثروت عكاشة
كل ما يخرج عن سماحة الإسلام هو صناعة أمريكية - إسرائيلية
يظل الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق أحد علامات ورموز الثقافة فى مصر والوطن العربى، فهو مفكر كبير امتلك رؤية إبداعية، ليدلى بآرائه فى القضايا والأزمات التى يمر بها الواقع المصرى، تخرج «عصفور» فى مدرسة العميد الدكتور طه حسين وتلامذته سهير القلماوى ومحمد مندور وغنيمى هلال، فى البدء كان الشعر فقدَّم «مفهوم الشعر فى التراث النقدى» وانتهى بنصرة «زمن الرواية» وفتنه التراث فكتب «غواية التراث» لم ينفصل الناقد الكبير عن الواقع الثقافى، فدافع عن المرأة ونقد ثقافة التخلف، ولعل مؤلفه الجديد بالعنوان ذاته حرَّك المياه الراكدة فى عالم الثقافة.
الناقد والمفكر الكبير الدكتور عصفور فى حواره ل«الوفد» دعا إلى مبادرة جديدة للقضاء على فيروس الجهالة ونقص الوعى وبوادر الإرهاب الدينى فى نفوس الشباب لتكون على غرار مبادرة الرئيس السيسى للقضاء على فيروس «سى»، مؤكدا أن «الثقافة» وزارة مظلومة لم تنل الدعم الكافى، وأن مشروعه نحو «منظومة ثقافية جديدة» حورب وظل حبيس الأدراج.
حصلت مؤخرا على جائزة النيل، وكرمتك جامعة القاهرة، وأخيرا فى المغرب فماذا يمثل لك هذا التكريم؟
من حيث إن التكريم يضيف شيئا ماديا تقريبا فهو لا يضيف، لكن الأهم من التكريم المادى هو التكريم المعنوى، ومعناه أن الآخرين بمن فيهم الدولة تقول للمبدع شكرا على كل هذا الجهد الذى بذلته فى مجال عملك لسنوات طويلة، وأنا الآن وصلت إلى عامى السادس والسبعين، وأظن أن فى هذه السن يحتاج المرء إلى من يقول له شكرا، لقد أديت واجبك ولم تقصر فيه.
عقب استقالتك من وزارة الثقافة فى المرة الأولى قلت إنك تخلصت من القلق وتشعر بالراحة بعد الاستقالة ثم قبلت المنصب مرة ثانية وبعدها تركت الوزارة فهل تشعر الآن أنك أفضل بعيدا عن المناصب؟
نعم.. فالمناصب متعبة جدا جدا، خاصة فى هذا المناخ السياسى والاجتماعى فى مصر، لأنه ليس عندنا إلى الآن تقاليد واضحة للعمل، فقد استقلت فى المرة الأولى، لأن قبولى الوزارة وقتها كان خطأ، وأقلت تقريبا أو خرجت من الوزارة فى المرة الثانية لأسباب ارتأتها السلطة القائمة، لكن فى كلا الحالين أعتبر أن العمل فى المناصب الكبيرة مثل الوزارة عمل مرهق ومضنٍ إلى أبعد حدٍ، ولهذا ألح دائما أنه من الأفضل أن يتولى هذه المناصب الشباب، ومن المؤكد أنه لوعرضت علىّ هذه المناصب. وهذا احتمال غير قائم لأننى أصبحت فى السادسة والسبعين من عمرى، حتى قبل عشر سنوات بتفكيرى الآن سأرفض، لأنها تحتاج إلى عبء وهمة ونشاط وحيوية وشباب لم أعد فيه وللأسف ما يزيد من مصاعب هذه المناصب العليا البيروقراطية والروتين وعدم تقبل الجديد، وأنه ستجد دائما من يعطلونك على المستوى البيروقراطى، فضلا عمن يعطلونك على مستوى إمكانات الدولة نفسها، خصوصا فى مجال مثل الثقافة، فأنا شخصيا أدعو لوزيرة الثقافة بالصبر وأن يعينها الله على ما هى فيه، فتخيل مثلا أننا لو ركزنا على الثقافة، نحن الآن نقترب من 105 ملايين مواطن تقريبا، إن لم نكن قريب جدا من هذا التعداد، ولو قمنا بعمل إحصائية صغيرة سنجد أن نصيب الفرد من الثقافة أقل من جنيه فى السنة، وهذا إذا ما قارناه بالرعاية الاجتماعية أو الصحية، مع أن الثقافة لا تقل أهمية عن هذين الجانبين، ورأيى الشخصى أن الثقافة لا تزال مظلومة إلى الآن، فالسعودية على سبيل المثال فى الخطة القائمة والتى لا تزال تخطط لوجود 2000 مسرح ودار عرض سينمائى فى السعودية، فماذا عن تخطيطنا لإنشاء دور عرض سينمائى ومسرحى فى مصر سيكون العدد متواضعا جدا، فلن يصل إلى مائة مثلا، مع أنه عندما تنشئ دارا للعرض المسرحى والسينمائى ومؤسسة ثقافية هذه تكون عبارة عن منبر إشعاعى يحدث تأثيرات هائلة وجميلة فى الوقت نفسه بين أبناء الشعب، لكن للأسف اهتمامنا بالثقافة ما زال قليلا، مع أنه -وليصدقنى الجميع- أن الأهمية التى تجعلك تدفع فى السلاح لا تقل عن الأهمية التى ينبغى أن تدفعك للإنفاق على الثقافة، فلن أقول الثقافة فى وزن الاقتصاد، لكن فى وزن السلاح، لأنك عندما تحارب الإرهاب والتخلف أنت تحاربه بسلاح مادى وسلاح معنوى، وهو سلاح الثقافة، فإذا لم نكن واعين إلى هذه الحقيقة فنحن فى كارثة.
يرى البعض أن الخطاب الثقافى فى أزمة ويحتاج إلى تجديد فما أهم الإشكاليات التى تواجه تجديد الخطاب الثقافى وكيف يمكن مواجهتها؟
الخطاب الفكرى للمجتمع كله هو فى أزمة، لأنه أولا خطاب سلفى، وثانيا خطاب اجترارى، بمعنى أنك تجتر أفكار الماضى، ثالثا هو خطاب لايقبل التجديد، رابعا هو خطاب ثابت فى مكانه، فلو نظرنا إلى رفاعة الطهطاوى على سبيل المثال عند عودته من فرنسا نشر كتابه تخليص الإبريز سنة 1834، فسنرى أن نفس القضايا التى طرحها «الطهطاوى» ما زال يعالجها الكتاب الذى ينشر عام 2020، فهل هذا معقول، وهذا معناه أن المجتمع فى حالة «محلك سر» ويجتر نفس الأفكار، فما العلاقة وما التأثير المباشر بين ما يفعله رئيس الجمهورية فى شرم الشيخ ومردود هذا فى المجتمع، فكأننا بلدان، بلد يعيش فى شرم الشيخ، وبلد يعيش فى قرون غارقة فى القدم، فأنا أريد أن تكون مصر كلها مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، فإذا حدث ذلك ستكون المعجزة تمت، وانتصرت مصر على كل ما يدفعها إلى التخلف، مصر حتى الآن -صدقنى- بلد متخلف، ولن تخرج من وهدة التخلف إلا بأن تكون شرم الشيخ للشباب، ولكى نصنع ذلك لابد أن نبدأ بالثقافة والتعليم وكل الأشياء المادية التى توضع فى الانتباه، لكن ليس بالقدر الموجود عليه فى الثقافة والتعليم، فهناك تجارب فى التعليم جميلة، لكن الثقافة لم يحدث بها شىء.
الدول العربية شهدت خلال ثورات الربيع العربى صعودًا لتيار الإسلام السياسى الذى ما لبث أن تهاوى بطرق متباينة، إلام تعزو ذلك الصعود ثم التهاوى السريع وهل تتوقع إمكانية قيامهم بمراجعة فكرية تمكنهم من العودة مرة أخرى؟
لا أؤمن بالمراجعات الفكرية،
ولا أسميه تيار الإسلام السياسى، ولكنه تيار الإسلام الإرهابى، هذا التيار موجود من العشرينيات فى مصر، وبدأ فى رعاية الاستعمار البريطانى 1928 تأسست جماعة الإخوان المسلمين فى منطقة القناة برعاية بريطانية وهى لا تزال موجودة برعايات دول أجنبية وللأسف أصبح منها دول عربية، وللمحزن أكثر أن أقول إن دولة مثل ليبيا عربية تسهم فى هذا الإرهاب وتتحالف فى ذلك مع تركيا، وهذا هو الواقع، ولكن كيف نواجهه، لابد أن نواجهه خارجيا أو ماديا بالسلاح ونواجهه فكريا ومعنويا بالثقافة والتعليم، تعليم متقدم وثقافة راقية لا يمكن أن يوجد معهما إرهاب.
كيف تقرأ حركة الترجمة فى مصر؟
أعتقد أن حركة الترجمة فى مصر –الحمد لله- جيدة إلى حد كبير بالقياس إلى غيرها من الأقطار العربية الغنية، فالحمد لله لدينا المركز القومى للترجمة وغيره من المؤسسات يترجم ما يجعلك فى طليعة البلاد العربية فعلا، وفعلا رائدا.
هل ترى أن الثقافة نالت حظها فى عهد الرئيس «السيسى»، وأن هناك دعما من الدولة للثقافة المصرية؟
أرى أن الأمر فى مسألة الثقافة ما زال يحتاج إلى دعم، فنحن نعلم أولويات الرئيس «السيسى» وهو لحسن الحظ يسير بمنطق الضرورة، ونحن ضروراتنا كثيرة وصعبة، فلدينا أولويات صعبة بالتأكيد، لكن لابد أن يصدقنى الرئيس أن الأولوية الشديدة الأهمية هى للثقافة، وهو لم يول الثقافة الاهتمام الكافى بعد.
هل ترى أننا انغمسنا فى المشروع الحداثى أم ما زلنا نعيش مرحلة ما قبل الحداثة، وفى ظل ما نملكه من تراث كثيف يلقى بكل ثقله على تفكيرنا وسلوكنا كيف يمكن أن نوائم بين الحداثة والتراث؟
نحن غارقون فى التراث ليل نهار، فأى حداثة التى نتحدث عنها، فنحن نتحدث الآن عن عالم قادم، وفى هذا العالم القادم ستلغى وظائف كثيرة، فبعد فترة من الزمن لن تحتاج السيارات إلى سائقين، ففى مؤتمر الشباب الأخير ظهر روبوت صناعى يتكلم وينطق ويتحرك ويفكر ويجاوب، العالم يتقدم شئنا أم أبينا، فكيف نستعد له وماذا نجهز له وكيف تؤهل نفسك لكى تكون فى مستوى هذا العالم، الذى سوف تدخله رغم أنفك. فهل سيصبح هناك وقت فى هذا العالم لمناقشة قضية المرأة محجبة أم لا؟.
هناك بعض الرموز والكوادر الثقافية تحاول دائما هدم ثوابت الدين فكيف ترى هؤلاء وكيف يتم مواجهتهم؟
أين هؤلاء الكوادر الثقافية، فالتيار السلفى هو الذى يهدم ثوابت الدين، فالدين يسر لا عسر، الدين تسامح وليس تعصبا، الدين ما يسمى حقى مقدس فى الدين الإسلامى، الدين الإسلامى سماحة، الدين يقول إذا سمع المرء قولا يحتمل الكفر من 99 وجها واحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان، ولم يحمل على الكفر، فالنبى صلى الله عليه وسلم قال لنا: «من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد» أى أنه حتى المخطئ له أجر، فالاجتهاد له أجر، وهذا هو صحيح الدين الإسلامى، أما هؤلاء فمجموعة من الجهلة الذين لايعرفون دينهم –للأسف– والذين يحولون الدين إلى تجارة، وأعتقد أن من يدافعون عن الحجاب والنقاب يدافعون عن مصالح مادية.
فى عام 2014 نشرت مقالا قلت فيه : إن الخطاب الدينى ليس هو الدين ولا نصوصه المقدسة وإنما هو ترجمة لفهم البشر لهذه النصوص المقدسة وتأويلها، مما سبب أزمة بينك وبين الأزهر فهل مازلت عند موقفك؟
بالطبع ما زلت عند رأيى، فالخطاب الدينى ليس هو الدين ولا نصوصه المقدسة، وإذا قال الأزهر شيئا غير ذلك يصبح لا يعرف الدين، فالخطاب هو خطاب بشرى وليس الدين، فإذا تحدث شيخ الأزهر فى قضايا الإسلام فهذا خطاب بشرى، إنما الدين «قضية» أخرى، فالدين ألتمسه فى القرآن والسنة المؤكدة.
البعض يؤكد أن داعش صناعة أمريكية لتفتيت الوطن العربى فماذا تقول؟
أرى أن كل ما هو خارج عن الإسلام السمح صناعة أجنبية تبدأ من إسرائيل ولا تنتهى بأمريكا، فالإخوان المسلمون صنيعة البريطانيين، وقس على ذلك غيرهم، والبريطانيون كانوا أيامها إمبراطورية استعمارية وبعدها كانت الإمبراطورية الجديدة «أمريكا» وأنا شخصيا لا أستبعد إطلاقا أن تكون المخابرات الأمريكية فى مرحلة أو مراحل هى التى أسهمت فى تكوين هذه المؤسسات والاتجاهات التى تهدف إلى هدم الإسلام.
رصدت فى كتاب «نقد ثقافة التخلف» أهم الظواهر التى تؤدى للإرهاب المجتمعى.. فما أهم أبعادها وماذا يجب فعله للتغلب عليها؟
إن «ثقافة التخلف» هى الثقافة السلبية التى تؤخر المجتمع وتعوقه عن التقدم وتشيع فيه مبادئ الأنانية وعدم الاعتراف بالآخر أو الاختلاف أو حتى الوجود المغاير، ومن ثم فهى ثقافة تتميز بالتعصب الذى يؤدى إلى الإرهاب دينيا، وغياب الحرية الذى يؤدى إلى الاستبداد سياسيا، كما تتميز بالتصلب الاجتماعى الذى يؤدى إلى القمع والتمييز اجتماعيا ولذلك عندما تناولت ثقافة التخلف كتبت عن كل ما يعيق مجتمعاتنا العربية والإسلامية عن التقدم صوب المستقبل وعن كل ما يسهم فى عرقلة الوعى الفردى أو الجمعى، خصوصا فى محاولته مجاوزة النواهى الاجتماعية والدينية والسياسية التى تشيعها أدوات أيديولوجية تسهم فى الإبقاء على التبعية السياسية والاقتصادية، وعلى الاتباع الاجتماعى والفكرى والدينى على السواء. وللتغلب على ثقافة التخلف لابد أن نبدأ بالتعليم والثقافة، وفى الوقت نفسه نجعل هناك تقدما صناعيا وعلميا فى كل مجال، فلابد أن يعيش الجميع غدا وليس اليوم ولا الأمس.
صرحت من قبل بأنك كنت تحلم بأن تكون مصر دولة علمانية بالرغم من أن بعض الناس يرون أن العلمانية هى الكفر فماذا تقصد بالعلمانية؟
هؤلاء لا يعرفون شيئا،
فالعلمانية كلمة أتت من العَلْم والعَلْم فى لسان العرب يعنى الدنيا، وهذا تطبيق للحديث الذى يقول: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» فالعلمانية من هذا المعنى، أنك تهتم بشئون دنياك، وهذه الدنيوية والاهتمام بشئونها هى العلمانية ومنها فصل الدين عن الدولة، فينبغى أن نفصل تماما بين شئون الدولة وشئون الدين، فليس هناك بين الإنسان وربه أى وساطة، قال تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» فأنا مسئول أمام الله مباشرة وليس أمام أحد غيره.
متى بدأت ظاهرة أسلمة المجتمع المصرى من وجهة نظرك؟
فى السبعينيات دون نقاش بعد أن اتفق الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله مع عمر التلمسانى بدأت الخطة التى ندفع ثمنها إلى الآن، حيث بدأ نظام السادات فى أسلمة مصر وتحويلها من مجتمع مدنى ديمقراطى إلى دولة شبه دينية، وهذا فى نوع من التحالف بين الدولة السياسية وجماعات الإخوان المسلمين، هذا التحالف انتهى باغتيال السادات لأنه لم يكن له حرية كاملة فى التعامل مع جماعات الإخوان وخرج على ما اعتقدوه شروطا أساسيا للتحالف معهم.
بعض أساطين الثقافة طالبوا من قبل بالتطبيع الثقافى مع إسرائيل فهل تؤيد هذا الطرح؟
أنا لست ضد ثقافة أى بلد، إنما أنا ضد الثقافة التى تحاول أن تدمر حياتى، أو تدمر ثقافتى، وليست عندى مشكلة مع أى ثقافة، فما هى الثقافة الإسرائيلية وما وزنها إلى جانب الثقافة العربية، فلديهم أديب حصل على جائزة نوبل ولدينا أديب حصل على نوبل أيضا، ومع هذا قيمته أكبر بكثير جدا من «عجنون» الذى حصل على جائزة نوبل، فلدينا نجيب محفوظ، ولديهم علماء حصلوا على جوائز عالمية ولدينا علماء حصلوا على جوائز عالمية، هم متقدمون فى بعض الجوانب ونحن متقدمون فى جوانب أخرى، مصر ليست قوة هينة، مصر تمر بحالة انتقالية خطرة، ولكنها ليست أقل من أى بلد.
منذ أن دعا قاسم أمين لتحرير المرأة من أكثر من مائة عام وحتى الآن هل ترى أن المرأة تبوأت مكانتها فى المجتمع المصرى خاصة بعد أن اعتلت الآن أعلى المناصب؟
بالعودة إلى عدد الوزيرات الموجودات فى التشكيل الوزارى، فهذا شىء مفرح، فمن الأشياء التى تحمد للرئيس السيسى وجود هذا العدد من الوزيرات، وانظر إلى مؤتمر الشباب على سبيل المثال، فهذا شىء مبشر أنك ترى كل هذا الكم من الشابات موجودات، ويناقشن ويتحدثن عن المستقبل وليس الماضى ولا الحاضر، وأنا شخصيا أشعر بغاية السعادة وأقول هذه هى مصر القادمة.
ماذا عن تقييمك لعصر الرئيس الأسبق مبارك رحمه الله وزوجته ووزير الثقافة فى عهده فاروق حسنى؟
مبارك كان حاكما رائعا فى العشر سنوات الأولى، وفى العشر سنوات الثانية دخلنا مرحلة الذبذبة، وفى العشر سنوات الأخيرة دخلنا مرحلة الكارثة، وأعتقد أن إنجازات السيدة سوزان مبارك إنجازات ينبغى أن يضرب لها تعظيم سلام، وكفى ظلما للناس وينبغى ألا نبخس الناس حقوقهم، فالمسألة ليست أن هذا انتهى فنهيل عليه التراب، لا، فهذا ليس من خصل المصريين، فالمصريون أوفياء يقولون لمن أنجز أنجزت حتى لو كان قد أخطأ بعد ذلك، فنحن لا نستطيع أن ننكر قيمة مكتبة الأسرة، لا نستطيع أن ننكر الأشياء الإيجابية التى حدثت، أما فاروق حسنى فهو أفضل وزير ثقافة جاء بعد ثروت عكاشة، فثروت عكاشة يأتى فى المرتبة الأولى ولم يحدث فى تاريخ مصر أن جاء وزير ثقافة مثله، وهذا هو الرائد والنموذج، ولم يأت بعده وزير مثله أو يقترب منه، غير فاروق حسنى والإجابة ببساطة لأنه استمر فى منصبه 23 سنة فاعط لأى وزير الفرصة لأن يستمر وقدم له الإمكانات سيقدم لك إنجازات مثل فاروق حسنى وأكثر.
هناك ظاهرة توغلت وسط الشباب وهى الإلحاد فهل ترى أن هناك تقصيرا ثقافيا تجاه هؤلاء؟
لا.. أنا أنظر إلى هذه المسألة باعتبارها جزءا طبيعيا جدا، وظاهرة عادية لا تحتاج إلى التضخيم، فنحن نعيش فى مجتمع به وسائل الاتصال الحديثة التى ألغت المسافات بين الناس، والكرة الأرضية الآن نراها كما لو كنا نجلس فى السينما ووسائل الاتصالات غيرت حتى مفهوم الزمان والمكان، والشباب يتقابل ويتكلم فى كل مكان وبكل وسائل الاتصال الممكنة، فليس من الغريب أن تنتقل بعض الأفكار المضللة من هنا إلى هناك، لكن فى آخر الأمر أنت عندما تتحدث عن الشباب المصرى، لا، فمجمل الشباب المصرى بخير، أم أن تكون هناك حالة أو حالتين هنا أو هناك، فهذا لا يمثل مشكلة، ولا أرى أن هناك ظاهرة اسمها الإلحاد.
هل ترى أن قصور الثقافة تعانى الضعف الشديد الآن؟ خاصة بعد اتهام البرلمان لها بتراجع دورها؟
قصور الثقافة هى خط الدفاع الأول للثقافة المصرية فهى تلتحم بالبسطاء بصورة مباشرة ولذلك دورها مهم جدا، ويجب التركيز عليها سواء فى الثقافة المرئية أو المسموعة أو المقروءة وأن تكون هناك استراتيجية قوية للنهوض بهذا القطاع وكنت أود من مجلس النواب قبل أن يهاجم الوزيرة يسأل أولا ما ميزانية قصور الثقافة وهل هذه الميزانية تكفى، وما ميزانية وزارة الثقافة بالقياس إلى ميزانيات وزارات أخرى، فما أسهل الهجوم، لكن المشكلة الحقيقية هل وزارة الثقافة بما فيها ميزانيات قصور الثقافة تصلح وتكفى لتلبية المتطلبات، فلننظر على سبيل المثال إلى مبادرة الرئيس الوطنية للقضاء على فيروس سى، وكم أنفقنا عليها، مليارات،، فإذا اتجهنا إلى أن لدينا جهالة، نقص وعى، بوادر إرهاب دينى فى نفوس الشباب توازى فيروس سى، فلننفق على الفيروس الجديد (ث) نسبة إلى الثقافة بالمقارنة، لكن أن تعطى لوزارة الثقافة مليما ثم نحاسبها فهذا ظلم، والمثل العامى يقول: «اطبخى يا جارية كلف يا سيدى»، ولهذا أرى أن وزارة الثقافة وزارة مظلومة، وقد تركتها منذ زمن وليس لى علاقة رسمية بها، لكن الحق يقال: هذه وزارة مظلومة ماليا وسط الوزارات، وليس هناك وزارة تنجح إلا إذا اهتم الرئيس بنفسه بها.
ينقص جوائز «البوكر العربية، البابطين، الشيخ زايد، كتارا» وغيرها وجود جائزة تمنحها مصر ما يكشف عن فقر أقدم الحضارات فى خلق جائزة تليق بأسماء أدباء مصر ومثقفيها الكبار فلماذا لا تمتلك مصر جائزة ثقافية عربية فى رأيك؟
من قال ذلك، لدينا جوائز لكن قيمتها المادية ضئيلة، فجائزة النيل جائزة قومية تمنح إلى أى شخص سواء مصرى أو عربى، لكن المشكلة أن جائزة النيل قيمتها المادية قليلة مقارنة بالجوائز العربية، فقيمة الجائزة نصف مليون جنيه إذا تم تحويلها للدولار فكم ستكون، وهذا واقعنا الاقتصادى.
هل الهجوم على آرائك الشخصية يزعجك أم تعتبره ضريبة للشهرة التى وصلت لها؟
ليس هناك هجوم إلا من مجموعة من الأزهريين المتشددين، وعندما يشتد الهجوم علىّ أعرف أننى على الحق.
ماذا عن مشروعك الخاص «نحو منظومة ثقافية جديدة».. ما أهدافه وما الذى تحقق منه فى نظرك؟
جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين حاربوا هذا المشروع لذلك ظل حبيس الأدراج، وكان ضمن بنوده أن تتولى الدولة مسئولية الثقافة بوجه عام بالدرجة الأولى وتشارك فيها كل الوزارات، بالإضافة إلى التنسيق بين أجهزة الوزارات والمجتمع المدنى ومؤسساتها الثقافية، المشروع لم يلق نجاحا وقتها لعدم وجود إرادة سياسية ودعم مالى ولا يزال رأيى أن هذا هو الخلاص الممكن لمشكلة الثقافة فى مصر، فمشكلة الثقافة فى مصر أنها عبارة عن جزر منفصلة لا يربطها رابط، وهى مفرقة بين وزارات متعددة ولا تعمل فى منظومة، وهذا هو الذى يسبب خللا.
أخيرا ما مشروعك الفكرى الذى تحلم به؟
أن أكون نموذجا آخر من عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.
لماذا؟
لأن هذا كان حلم حياتى منذ أن كنت طفلا أذهب إلى مكتبة «البلدية» فى المحلة الكبرى، وعندما كبرت كبر الحلم لكن هذا الحلم يكبر ولا أراه متحققا على أرض الواقع فأكتب وأكتب إلى أن أموت لكى أرى على الأقل أكبر قدر من هذا الحلم يتحقق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.