هدأت العاصفة .. أتت رياح لجنة الترشيحات البابوية برئاسة الأنبا باخوميوس بما تشتهيه سفينة الكنيسة المرقسية، رغم أمواج عاتية أرادت بمن في موضع المسئولية عن انتخابات «البطريرك ال118» انهزاما أمام اتهامات متعاقبة بخروج الإجراءات عن مسار «القانون الكنسي».. بالضربة القاضية هزم الأنبا «باخوميوس» قلقا يتمدد في الوسط الكنسي منذ سبعة أشهر، غدت خلالها قلوب الأقباط وراحت باتجاه «المجهول» الذي ينتظر الكرسي المرقسي، وأطاحت حكمته ب«إرهاصات» انقسام كنسي كانت سحابته تظلل مشهدا أراده البعض ضبابيا استنادا إلى الخلاف الكامن بين أجنحة الصراع على «اعتلاء عرش الكنيسة». مع إعلان لجنة الترشيحات «البابوية» اعتكافها الحاسم بدير الأنبا بيشوي، تبينت «الوفد» خيط الحسم «الواضح» ل»القائمقام»، وقرأت مشهدها تحت عنوان «دير الأنبا بيشوي يكتب نهاية الفراغ الكنسي».. الخطوة تدل على المسير، و«باخوميوس» مشى خطى مكتوبة ناحية «توازن» يضمن للكنيسة استقرارها، بالتوازي مع اطمئنان ل«تسكين» جراح المبعدين عن القائمة، وانطلق برحابة تشبه فضاء الدير المتسع ناحية إسدال الستار على دراما الانتخابات دون أن تئن جدران المقر البابوي من أحزانها التي عاينها الرجل خلال فترة رئاسته.. القائمة النهائية حسبما كشف مصدر كنسي مطلع، كانت معدة قبل يومين من تاريخ إعلانها، فرصة الإعلان عنها لم تكن تهيأت بعد، شيء من التردد صاحب اللجنة التي يبدو أنها كانت تخشى إعلانها بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية تحسبا لاحتمالية إفساد المشهد الأخير من عملية انتخاب البطريرك ال118. كان ليل الجمعة يوشك على الانتصاف، حينئذ اتخذت لجنة الترشيحات قرارها النهائي باستدعاء الصحفيين المعنيين بالشأن الكنسي ومن أراد من الفضائيات إلى دير الأنبا بيشوي لحضور مؤتمر لم يعلن حتى بدايته عن تفاصيله، الانطلاق بدأ من الكاتدرائية في «حافلة» بيضاء،والرحلة الممتدة حتى مرقد «البابا شنودة» ممهورة بالتكهنات والتساؤلات «هل يعلن «باخوميوس» قائمة المرشحين» ؟،هل يحسم أمرا كان تأخيره شرا مستطيرا بسبب المزايدين على أعمال «لجنة الترشيحات»؟.هل استبعد «بيشوي» وبقي «غريمه»؟.. مدى الأسئلة كان أطول كثيرا من المسافة بين القاهرة والبحيرة. قرابة الحادية عشرة والنصف عبرت «الحافلة» ذات اللون الأبيض بوابة شامخة تشبه أبواب «القلاع»، واستقرت بعد مدخل يبلغ 20مترا أو يزيد، على مقربة من مبنى «البابا شنودة الراحل»، والمبنى ذو الطابقين ملحق به مكتب ذو حوائط زجاجية منع المصورون من الاقتراب منها حفاظا على قدسية يراها الأب بولس الأنبا بيشوي سكرتير البطريرك الراحل، وأمام المبنى درجتان يعتليهما أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات البابوية من أعضاء المجمع المقدس والمجلس الملي وهيئة الأوقاف القبطية، يتوسطهم «باخوميوس» الذي بدا واثق الخطوة يلقي بلسان الحزم بيان النهاية ل«مسلسل» المرحلة الأخطر من فترة «الفراغ الكنسي»، محتفظا ل«الأساقفة والرهبان» المستبعدين بمقام الوقار، في أعقاب إعلانه الخمسة المبشرين ب«الكرسي البابوي» وهم: الأنبا روفائيل، الأنبا تاوضروس، القمص باخوميوس السرياني، القمص سارافيم السرياني، والقمص روفائيل أفامينا.. الأنبا «باخوميوس» فاجأ الجميع، مبديا مظاهر انتمائه ل»الشارع القبطي» الذي كان يعقد آمالا على «أسقف التوازن» في عبور هادئ بالمقر البابوي إلى بر الأمان، قبيل بداية المؤتمر، تلقيت اتصالا هاتفيا من القمص ديسقورس الذراع اليمني ل«الأنبا بيشوي»، سأل الرجل عن حقيقة ما تداولته المواقع الإخبارية وما بحوزتي من معلومات حول خروج «سكرتير المجمع المقدس» من السباق، أخبرته بهدوء أن الحقيقة عنده بحكم نفوذ «بيشوي».. فأسند إلي «علم اليقين» بالأسماء الخمسة، حتى إذا دب التردد بيننا، طلبت منه الانتظار لحين انتهاء «باخوميوس» من إعلان قائمته «منزوعة الجدل». «بيشوي» أو الرجل الحديدي – حسبما يلقبونه - تابع مؤتمر إعلان القائمة النهائية من قلايته بالمقر البابوي، كان سكرتير المجمع المقدس وجلا من استبعاده، ومحبوه يتخافتون بينهم حول أنباء خروجه من القائمة. ذاكرة سكرتير المجمع المقدس حينئذ كانت تراجع أيام البطريرك الراحل، قوته ونفوذه، وصلاحياته التي باتت مهددة باعتلاء «أحد المرشحين الخمسة» للكرسي البابوي، واحتمالية فقده لمنصبه بالمجمع، وعزله من رئاسة دير القديسة دميانة، مع احتفاظه بوضعه ك«مطران دمياط» –وفقا لتحليلات الدوائر المعنية بتفاصيل المرحلة القادمة. فور تأكد خروج الرجل الحديدي سرت شائعة حول ترتيب أوراقه لإبطال الانتخابات البابوية عقب لقاء جمعه بالمقربين منه داخل «قلايته» بالمقر البابوي، وحسبما أكد القمص ديسقورس سكرتيره الخاص فإن وجود الرجل بالمقر كان بسبب انشغاله بتسجيل حلقات تليفزيونية للقنوات المسيحية، قطعها مؤتمر «القائمة النهائية»، وعاود تسجيلها بعد انتهائه، نافيا وجود نية ل«وقف الانتخابات» نظير خروجه من القائمة. ديسقورس الذي راودته آمال وصول أستاذه ل«الكرسي البابوي» قال إن الأنبا بيشوي محب للكنيسة ولايريد لها سوى الخير، واستطرد قائلا «سكرتير المجمع المقدس أدى دوره في التقدم للبابوية بناء على رغبة محبيه، وكل الاحترام لقرار اللجنة». صادمة كانت القائمة النهائية بحكم تحليلات انتهت إلى ضرورة الإطاحة بأحد «الكبيرين» يؤانس - بيشوي، مع الإبقاء على أحدهما، لكن الاقتراع السري ل»لجنة الترشيحات» أراد شيئا آخر. أنهى «باخوميوس» مهمته تاركا ما تبقى من مراحل اختيار «البطريرك» ل«صناديق الانتخاب»، مضى وقت الطعون، ووضعت المعركة أوزارها، أجريت اتصالا هاتفيا ب«الأنبا يؤانس» الذي كان استبعاده من القائمة أحد أبرز مفاجآت انتخابات «البابوية» نظير شعبيته الجارفة وانطباق كافة معايير المنصب على شخصيته متعددة المناقب، كان سكرتير البابا شنودة مبتسما كعادته، نبرة صوته لم يتسرب منها شيء من الغضب على «قرار اللجنة».. سألته «ما الذي حدث؟»، رد وهو الذي كان قاب قوسين أو أدنى من المقعد البابوي قائلا: «هذا اختيار الله، ونحن نسعى جميعا لاستقرار الكنيسة، ويبدو أن شيئا ما حدث». «يؤانس» لن يغادر موقعه كأسقف للخدمات، وبقاؤه بالمقر البابوي حتمي نظير «احتفاظه» بأسرار الكنيسة 15عاما هي عمر عمله كسكرتير للبابا شنودة،لكن قسوة قرار «استبعاده» من القائمة متغير في معادلة المواقع المزمع ترتيبها داخل البيت الكنسي الجديد. على يسار المقر البابوي بدير الأنبا بيشوي يقع «المطعم» الذي دخلناه مرتين إحداهما قبل بدء المؤتمر ل«تناول» الإفطار، ومثيلتها بعد نهايته للغداء، وفي الثانية حضرت اللجنة المشرفة على الانتخابات البابوية ل«يأتيها» غداؤها، في مدخل المطعم جلس القمص انجيلوس سكرتير «القائمقام» منفردا إلى الأنبا بولا المتحدث باسم لجنة الترشيحات. وعلى وجه «الأخير» بدت علامات الهدوء، وعلى قسمات وجهه ارتسمت ابتسامة عريضة تكشف عن إزاحة عبء «القائمة» ذات الحساسية المفرطة جراء مشاركة أساقفة مقربين تجمعهم بالرجل علاقة مودة على مدار سنوات البطريرك الراحل. وبين خروجنا ودخول «لجنة الترشيحات»، ادلى «انجيلوس» بدلوه قائلا: أن المرشحين الخمسة للبابوية قادمون إلى الدير لحضور اجتماع مع لجنة الترشيحات برئاسة «باخوميوس»، وتم التقاط صورة تذكارية بجوار مدفن البابا شنودة الثالث». مغريا كان الإعلان عن حضور «الخمسة المبشرين» ب«المقعد البابوي»، طلبنا البقاء لحين نهاية اجتماعهم مع لجنة الترشيحات، لكن موعد «الأتوبيس» حال بيننا وبين لقائهم، بعد وعد منزوع «الوفاء» من –انجيلوس- بلقائهم وتأجيل موعد العودة للقاهرة. قبيل مغادرة الدير ذهبنا إلى مدفن «البطريرك الراحل» حيث متحف يضم مقتنيات البابا شنودة وصوره وكتبه، كل شيء يؤرخ للبطريرك الحاضر الغائب، وخلف حاجز في أقصى اليمين يجلس راهبان يقلبان أوراق «طلبات» الأقباط التي يلقونها تيمنا ب«القديس الراحل» - حسبما يعتقدون- بينما ينشغل العديد من الزوار بالتقاط الصور التذكارية، والمشهد يتكرر أثناء خروجنا من المزار من ناحية دخول أعضاء لجنة الترشيحات «المستشارين نبيل ميرهم، ادوارد غالب، ومنصف سليمان، ورسمي عبدالملك». على هامش لقاء غير متوقع مع أقطاب لجنة الترشيحات عند ممر يؤدي ل«قلايات» الرهبان قبل «كنيسة أثرية للأنبا بيشوي» سألت المستشار إدوارد غالب «ماهي محاور اللقاء المرتقب مع المبشرين بالكرسي المرقسي»، ابتسم الرجل وعقب قائلا أعلم أنك لن تذهب إلا بمعلومة».. كررت السؤال بعد شكر على الثناء، فأجاب غالب مراوغا «اللقاء يهدف إلى التعرف عليهم». امتد لقاء الأنبا باخوميوس قائمقام البطريرك مع الخمسة المرشحين ل«البابوية» بالمقر البابوي بدير الأنبا بيشوي لأكثر من ساعتين، التفاصيل لا يعلمها سوى أعضاء لجنة الترشيحات، والثابت هو تشديد «قائمقام البطريرك» على الخمسة المبشرين بضرورة التزام أخلاق الرهبان ، احتراما لقدسية الكرسي المرقسي من ناحية، وطمأنة الأقباط من ناحية أخرى. القائمة النهائية ل«انتخابات البابوية» غيرت حسبما رأى مراقبون مسار الكتل التصويتية التي كانت مرتبة وفقا ل«وجود» أحد الكبيرين «بيشوي-يؤانس» ضمن القائمة . والآن العلمانيون يدشنون حملة منظمة تستهدف حشد الناخبين للإدلاء بأصواتهم للرهبان، المعركة لاتزال مستمرة ضد الأساقفة، والمبعدون عن القائمة رقم فاعل في مسار أصوات المريدين. بحسب القائمة فإن حظوظ الأنبا روفائيل أسقف وسط البلد في الصعود إلى القرعة الهيكلية تبدو شبه مؤكدة، هدوء روفائيل وعظاته الروحانية ورقة رابحة، وعلاقة الأستاذية التي تربطه ب«الأنبا موسى» الأسقف المحبوب محل تقدير من المثقفين الأقباط والشباب القبطي. روفائيل كثير التأمل، عازف عن الأضواء، ولا تعنيه كثيرا حسابات الكتل التصويتية، زاهد في المقعد البابوي لدرجة التصريح بأنه لن يصعد إلى الكرسي البابوي في الانتخابات المقبلة، والحسابات تشير إلى حصول الأنبا روفائيل على أصوات أكثر أساقفة المجمع المقدس، والعبور إلى المنطقة الدافئة الخاضعة لحسابات السماء – وفقا للمعتقد المسيحي - بعد خروج طرفي الصراع الأوفر حظا تصويتيا في حال بقائهما. والأنبا تاوضروس ثاني اثنين من الأساقفة الموجودين ضمن القائمة النهائية، فسر البعض بقاءه بأنه سبب رئيسي في وجود نظيره «روفائيل»، يستمد تاوضروس قوته من حسبانه على الأنبا «باخوميوس» باعتباره أسقفا للبحيرة، ربما تسعفه أصوات «إيبارشيات الوجه البحري» في الصعود للقرعة الهيكلية في حال تنسيقه مع الأنبا بيشوي المستبعد من القائمة. «بيشوي» سيبقى طرفا في السباق البابوي رغم خروجه، لا يزال الرجل الحديدي ذا قول مؤثر في نطاق سيطرته، في الوقت الذي لم تكشف كتلة أساقفة الصعيد التي أعدت عدتها لدعم «يؤانس» عن خطوتها القادمة بعد استبعاده. القادمون من «الصحراء» ثلاثة «القمص باخوميوس السرياني، والقمص ساروفيم السرياني، والقمص رافائيل أفامينا» ورابعهم في معادلة الطريق إلى «كرسي مارمرقس» تعاطف أغلبية الناخبين الراغبين في اعتلاء راهب على خطى البابا كيرلس السادس مقعد البطريرك، يعيد للكنيسة روحانيتها، بعد سنوات من اشتباكها مع الأنظمة الحاكمة مؤدية دورا سياسيا ربما فرض عليها. القمص روفائيل أفامينا تلميذ البابا كيرلس أقرب الأساقفة للحسم، وفقا لتوقعات المقربين من صنع القرار داخل المقر البابوي، روفائيل بشر بالبابوية من قبل أحد كهنة دير مارمينا قبيل بدء الانتخابات «البابوية» في أعقاب رؤيا رآها الأخير في منامه، قطعا لم يكترث الراهب بالرؤيا وتأويلها، لكنه في الوقت ذاته لم يتعامل معها باعتبارها أضغاث أحلام، والرهبان بتأويل الرؤيا ربما يكونوا عالمين. أسرها روفائيل في نفسه ولم يبدها إلا للمقربين، وروفائيل أكبر المرشحين سنا يحظى بدعم الأنبا آرميا سكرتير البابا السابق وهو الذي يستطيع الترويج للراهب الذي يميز عن نظيريه «السريانيين» باخوميوس - ساروفيم - بالقرب من قلوب الناخبين والشارع القبطي بشكل عام. الدعاية الإليكترونية بدأت عقب إعلان القائمة النهائية بالنسبة ل«روفائيل»، دشن العديد من محبيه صفحات على «موقع التواصل الاجتماعي» فيس بوك إحداها تحمل اسم «محبي البابا كيرلس السادس»، وشرعت الصفحة في نشر صور للراهب إبان تعبده بالدير، وفيديوهات لعظاته أملا في إقناع ما يمكن إقناعه من الناخبين، وعلى خطاها ظهرت صفحات مماثلة لكافة المرشحين للبابوية، المباراة إليكترونية «النشأة» تحكمها مواثيق عدم التطاول على المنافسين . و«السريانيان» باخوميوس – سارافيم أقل فرصا من ثالثهم، لكن أحدهما سيصعد للقرعة الهيكلية، الرهبان بشكل عام هم المقربون من الناخبين وفقا لتصريحات أحد رهبان دير أبومقار. تلاميذ متى المسكين لا ينظرون إلى الأساقفة، قناعتهم أن ترشحهم مخالف للقانون الكنسي، والأصوات لن تذهب إلا للرهبان. حسنا فعلت لجنة الترشيحات البابوية بإعلان القائمة النهائية على هذا النحو، وتجنيب الكنيسة – حسبما أكد صبري راغب منسق مؤتمر إنقاذ الكرسي البابوي، صداما مؤكدا في حال الإبقاء على أساقفة الإيبارشيات محل الخلاف ضمن القائمة. استقرار الكنيسة جزء من استقرار الوطن، لا تثريب على الذين أرهقوا «قائمقام البطريرك» ورفاقه خلال فترة المخاض ل«قائمة» المرشحين للبابوية، سيوقع الثلاثة الصاعدون ل«القرعة الهيكلية» على تعهد مكتوب بتعديل لائحة انتخاب البطريرك محل الأزمة،ليبقى الأنبا باخوميوس في ذاكرة الأقباط «راهبا» حفظ للكنيسة مكانتها وغادر في صمت.