نشرت الكثير من الصحف العربية قبل بضعة أيام أبحاثا. تحدث فيها محللون سياسيون مصريون وعرب. عن محاولة الرئيس محمد مرسي: استعادة دور مصر في العالم العربي، والمنطقة والعالم. ذلك أن مرسي وخلال فترة قصيرة نسبياً زار السعودية وشارك في قمة دول عدم الانحياز في طهران، وقام بزيارات إلى بكين ونيويورك وأنقرة، وربما سيزور قريباً غيرها. أيضاً الرئيس مرسي شكا في تصريح له من" تهميش دور مصر" الذي لا يتناسب مع حجمها. السؤال هو: هل يستطيع مرسي استعادة دور مصر العربي والمناطقي والدولي؟ بموضوعية سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل. وبعيداً عن الأهواء، ونقول: إن الدور المصري عربياً وإفريقياً ودولياً تعزز في عهد الرئيس عبد الناصر، وكان في أوجه. هذا الدور الذي استهزأ فيه مرسي من عبدالناصر. بطريقة غير مباشرة. عندما خاطب سامعيه في خطاب له قائلا: "تذكرون أوضاع مصر في الخمسينيات والستينيات. وما أدراك ما الستينيات ". مرسي في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب أكتوبر: لم يتطرق إلى الأمة العربية لا من قريب أو من بعيد. كذلك لم يتحدث عن إفريقيا. هذا الدور لعبدالناصر لم يأتِ صدفةً. وإنما لأن الرئيس الراحل كان وطنيا مصرياً وقومياً عربياً بامتياز، وقائدا دوليا. صنع عبدالناصر لمصر الكثير وغيّر فيها في المجالات المختلفة ما لم يستطع أحد إنكاره. عربياً ومناطقيا: تبنى عبدالناصر القضايا الوطنية العربية وأبرزها قضية فلسطين، أعاد للأمة العربية كبرياءها، ودافع عن الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، عبّر عن نبض الجماهير العربية. في مواقفه السياسية اندغم مع ما تراه الجماهير العربية، ولذلك كان التماهي كبيراً بين الزعيم وأمته. اتخذ سياسات وطنية تقدمية من كل القضايا العربية والدولية. تبنى حركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. إسرائيل بالنسبة إليه ولسياساته كانت عدواً ليس للفلسطينيين فحسب وإنما لمصر وكل الدول العربية ولأمتنا جمعاء ولكل ما هو إنساني. دولياً: ساهم في إنجاز حركة عدم الانحياز، ووقف ضد الولاياتالمتحدة والدول الغربية المنحازة لإسرائيل والتي هي ضد الأمة العربية وضد وحدتها. نسج أفضل العلاقات مع دول القطب العالمي الثاني. نال احترام زعماء غالبية الدول. استطاع أن يبني علاقات عنوانها الندية ومصلحة مصر والمواطن العربي مع الدول التي احترمت العرب ومصالحهم وقضاياهم. ناضل من أجل الوحدة العربية وهو حلم الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. هذا غيض من فيض من تراث جمال عبد الناصر. كل هذه القضايا صنعت له الكاريزما وجعلت منه الأسطورة والمارد وبطل الجماهير العربية. الرئيس مرسي وخلال فترة قصيرة من حكمه بيّن خطوط وجوهر سياساته العربية والدولية وعلى صعيد المنطقة أيضاً. الرئيس مرسي محكوم بأيديولوجيا ومواقف حزب الحرية والعدالة(الإخوان المسلمون) من كافة القضايا العربية. فمثلاً في الشأن السوري. وفي نهاية الخطاب ألقاه بمناسبة حرب أكتوبر تحديدا: أشار إلى عبور الشعب السوري في الحرب. لم يتحدث عن دور الجيش السوري في القتال وكأن الجيش هو للنظام (وموقفه معروف منه) وليس للشعب. وغيرها وغيرها من القضايا العربية وعلى ذلك قِسْ. على صعيد المنطقة: اتخذ مرسي دوراً سلبياً من إيران. ورغم زيارته لها. لم يعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية لمصر معها. إيران جارة للدول العربية وهي دولة إسلامية أيضا، وإحدى القوى المرشحة للعب دور أساس ليس على صعيد المنطقة فحسب وإنما على الصعيد الدولي. هي تجاهر بعدائها لإسرائيل ووقوفها مع الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية وهي دولة مجابهة للمخططات الأمريكية والإسرائيلية للمنطقة. المجتمع الدولي يريد منعها من إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية، بينما إسرائيل تمتلك ما يزيد على(400) رأس نووية. الأجدر بمرسي ومن أجل استعادة دور مصر أن يرفع من درجة الصداقة مع إيران، وليس انتهاج العكس. على صعيد المنطقة أيضاً: لأن حزب التنمية والعدالة(النسخة الكربونية) للإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي) هو الذي يتسلم الحكم في تركيا، فمرسي مع سياسات هذا الحزب جملة وتفصيلاً. سواء أكانت هذه السياسات ظالمة أو مظلومة. حتى اللحظة هناك اتفاقيات اقتصادية وعسكرية متطورة بين تركيا وإسرائيل. تركيا لا تزال قاعدة للحلف الأطلسي. القواعد الأمريكية لا تزال في تركيا. معظم قادة المعارضة التركية مسجونون. وغير ذلك من القضايا. رغم ذلك يرى مرسي في أردوغان: مُلهماً وقائداً عالمياً. وأن مصر بحاجة إلى خبراته وإلى النصائح التركية فيما يتعلق بالسياسات. دعونا نقرأ ما جاء في خطابه في المؤتمر الأخير لحزب التنمية والعدالة في تركيا، والذي شارك مرسي في أعماله. يقول مرسي مخاطباً أردوغان والمؤتمر ".... لا يزال عالمنا العربي والربيع العربي للثورات يحتاج (إليكم) وإلى (دعمكم). فما بعد الثورات والانتقال بالسلطة إلى الاستقرار،لا يقل أهمية عن الثورات نفسها، مواقفكم بجانب هذه الثورات أمر ضروري....) إلى أقوال أخرى من هذا القبيل، ثم قام بمبايعة أردوغان زعيماً للعالم الإسلامي. كان الأجدر برئيس مصر أن يكون هو الزعيم للعالم الإسلامي. هذا إن نم عن شيء فإنما عن الشعور بتضاؤل الدور المصري. والمسألة الأخيرة لا تصنع دوراً كبيراً لمصر، ولا تؤدي إلى زعامة رئيسها. بل تتناقض مع هذه المفاهيم. موقف مرسي من أمريكا والغرب ينبع من الحرص على العلاقة معهما والاحترام لهما. أيّاً كان مدى انحيازهما لإسرائيل وتعاميهما عن رؤية الحقوق الفلسطينية والعربية. وأيّاً كانت عداوة مواقفهما للقضايا العربية. موقف مرسي من إسرائيل واضح: الحرص على معاهدة كامب ديفيد معها. أما ثالثة الأثافي، فهي تجاهل مرسي وحزبه لذكرى وفاة عبد الناصر تجاهلا تاما، والقرار الذي أصدره "بمنح الرئيس الأسبق محمد أنور السادات ": قلادة النيل العظمى ووسام نجمة الشرف. تقديراً لقراره التاريخي في حرب أكتوبر 1973. لم ولا يدرك مرسي أن السادات أرادها حرباً تحريكية لا تحريرية. وأن السادات هو الذي أنجز معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، هذه التي أزاحت مصر عن دورها العربي. في الختام نقول: من الصعوبة بمكان على الرئيس مرسي بسياساته. استعادة دور مصر عربياً ومناطقياً ودولياً. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية