خبر نشرته «الأهرام» أمس أثار الكثير من الشجن وكثيراً من الالم.. الخبر يقول إن ألمانيا تخطط الآن لإنتاج السيارة الكهربائية أي التي تتحرك بالطاقة الكهربية وليس بالوقود السائل مثل البنزين أو الديزل أو السولار.. أو حتي الطاقة الشمسية.. علي أساس أن الوقود السائل - ومعه الغاز الطبيعي - مصيره الي زوال.. بينما الكهرباء من الطاقة الدائمة هي والطاقة الشمسية. وإذا كانت ألمانيا من أقدم صناع السيارات «البنزين» فإنها ستكون بذلك من أول صناع السيارات التي تعمل بغير هذا الوقود.. ومازالت ألمانيا في مقدمة منتجي سيارات البنزين وهي التي قدمت أشهر سيارة بنزين لا تعتمد علي التبريد بالماء ولكن بالهواء هي السيارة الخنفسة أي البيتلز وكانت أشهر سيارة شعبية في العالم.. قدمها هتلر تأكيداً لقدرة الالمان علي الابداع، وتقديم الجديد. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بتقسيم ألمانيا الي دولتين الاولي اتحادية تحكمها أمريكا وانجلترا وفرنسا عاصمتها بون والثانية «ديمقراطية» تسيطر عليها موسكو هي ألمانياالشرقية أو الديمقراطية.. قررت ألمانياالشرقية انتاج سيارة شعبية تنافس الخنفسة هي السيارة «ترابانت» وكانت معظم أجزائها من البلاستيك واللدائن الصناعية وكان الاقبال عليها رهيباً.. رغم ان قائمة الانتظار كانت تمتد الي حوالي 10 سنوات. وكان سعيد الحظ من يحصل علي واحدة وأتذكر انني ركبتها مع مرافقتي الشرقية عندما كنت أدرس في معهد الصحافة في برلين عام 1971 ولما نزلت منها ودفعت الباب بشدة قالت مرافقتي وكانت صحفية شرقية: انت الآن ملزم بشراء باب كامل للسيارة.. فقد تسببت في احداث شرخ في الباب.. ورغم ذلك كانت هذه السيارة هي حلم أي ألماني شرقي في هذه الفترة.. أما السيارة الاكثر فخامة فكان يفوز بها أعضاء وقادة الحزب الشيوعي الالماني. وكما عشت عصر انتشار والاقبال علي السيارة الترابانت الالمانية الشرقية الشعبية التي أراد بها الشيوعيون الالمان منافسة السيارة الخنفسة.. عشت نهايتها عندما رأيتها موضوعة فوق صندوق قمامة كبير، بعد سقوط سور برلين واعادة توحيد الالمانيتين في أوائل التسعينيات. ويدور الزمن دورته.. ففي سوق اليوم الواحد في أشهر وأكبر مدن ألمانيا - فرانكفورت - وعلي بعد أمتار قليلة من بيت أديب ألمانيا الكبير جوتة رأيت حشداً من الناس يتجمع حول أقفاص من التفاح شبه التالف وأمامها موتور لسيارة مرسيدس.. بينما كان هناك من ينقل هذا التفاح ليضعه في خزان وقود هذه السيارة.. ثم يدير الرجل مفتاح التشغيل.. فيدور الموتور بدخولنا عصر استخدام مخلفات المواد الغذائية والسكرية بالذات كوقود لتحريك السيارات. وفي هذه الفترة تقريباً كانت البرازيل وهي أكبر منتج وزارع لقصب السكر قد أنتجت سيارة تعمل بعصير القصب.. وأخذ العالم كله يتحرك نحو الوقود الحيوي لتحريك السيارات والمصانع، بعد التهاب أسعار البترول. وتحسرت علي تجربتنا المصرية لانتاج سيارة مصرية يرتفع فيها نسبة المكون المنتج محلياً شيئاً فشيئاً.. ورحم الله الدكتور عزيز صدقي وزير الصناعة أيام عبدالناصر.. وأطال في عمر الدكتور عادل جزارين الذي تولي تحويل هذا الحلم الي حقيقة.. وطاف مع رجاله العديد من الدول حتي استقر علي تجميع وتصنيع السيارة الفيات بكل طرازاتها وكانت تباع بعدة مئات - فقط - من الجنيهات. واندفع كل قادر بل وكل حالم نحو حجز احدي هذه السيارات.. حي انتشرت نكتة رواها مصري زار ايطاليا فلما رأي كثرة السيارة فيات هناك قال: شوفوا أولاد الأبالسة الطلاينة.. سرقوا منا السيارة نصر «المصرية» وأنتجوها في ايطاليا وأطلقوا عليها اسم «فيات»!. وانتهت التجربة المصرية التي قامت في وادي حوف بانتهاء الحقبة الناصرية.. وبدلاً من أن نواصل انتاج سيارة مصرية يرتفع فيها نسبة المكون المصري.. أغلقنا هذه المصانع.. بعد أن تآمر عليها أقطاب الانفتاح لصالح حفنة من الرأسماليين، ولمصلحة الشركات الكبري المنتجة للسيارات في العالم.. وبهذا تشهد مصر الآن تجميع وتركيب العديد من السيارات الاوروبية والامريكية واليابانية والكورية وغيرها.. بحكم ان مصر من أكبر الدول المستهلكة في المنطقة. كل هذا بينما الدول التي سبقناها في تجربة تجميع السيارات واصلت جهودها وأغلقت الابواب علي نفسها من أجل اقامة صناعة سيارات معقولة بها.. مثل الهند وماليزيا والبرازيل.. وحتي كوريا الجنوبية لم تكن قد بدأت بعد مشوارها مع صناعة السيارات، ومع أي خطوة للصناعة. وهكذا تجري في شوارعنا سيارات من كل صوب بعضها مشهور.. وبعضها نكرة.. حتي يقال ان مصر فيها أكبر تشكيلة من سيارات الركوب في العالم.. وكله لمصلحة عدد محدود ممن دخلوا عالم تجميع السيارات.. يتحايلون علي النسبة التي حددها القانون من المكون المصري لهذه السيارات. تري هل يري جيلي سيارة مصرية خالصة.. أم ان هذا صعب المنال؟.