بعد 30 عاما على مذبحة صبرا وشاتيلا التى راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص من المدنيين العزل أغلبهم من الأطفال والنساء تبدو الحاجة جلية لتأمل جذور الثقافة التى انتجت هذه المذبحة ومازالت تفرز المزيد من الجرائم والدماء المسفوكة. وكما قيل بحق فإن بعض القضايا تبدو على السطح وكأنها قضايا سياسية فقط ولكن التعمق فيها يكشف أنها فى الحقيقة قضايا ثقافية ترتبط بجوهر النظرة للعالم والوجود، فثقافة الاستعلاء الدموى والابادة والاقتلاع حاضرة بقوة ودموية فى صبرا وشاتيلا كما هى حاضرة فى الغضب المقاوم والثقافة المناوئة للمظلومية التاريخية. واللافت أن مذبحة صبرا وشاتيلا فى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت لم تدفع رغم كل دمويتها الثقافة الغربية لاصدار كتاب على مستوى هذا الحدث الجلل والذى يشكل عدوانا لاريب فيه على الجوهر الإنساني للانسان إينما كان فيما تبدو المذبحة حاضرة أبدا ضمن تراكمات غضب الشارع العربي الذى انفجر فى ثورات وانتفاضات ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة. وحتى على مستوى الكتب التى تصدر بالانجليزية لكتاب فلسطينيين وعرب، لم يظهر بعد ما يمكن وصفه بالإنجاز الثقافي الذي يستجيب لحدث فى حجم مذبحة صبرا وشاتيلا وإن كانت الثقافة الغربية تستقبل من حين لحين كتبا بأقلام فلسطينية وعربية تنبض بجماليات الغضب المقاوم وتثير الاهتمام والنقاش فى الصحافة الثقافية الغربية. وفى كتاب جديد صدر بالانجليزية بعنوان :"يوميات الاحتلال"، عرض المؤلف لفلسطيني رجاء شحادة رؤيته الغاضبة والآسيانة لحال وطنه فى ظل الاحتلال الاسرائيلي حيث المستعمرات اليهودية تتخلل ثنايا المشهد فى الضفة الغربية والطرق الالتفافية تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم. ويقول جوناثان هيود فى صحيفة "ذى اوبزرفر" البريطانية إن رجاء شحادة قدم فى هذا الكتاب الذى يغطى بيومياته الفترة من عام 2009 وحتى عام 2011 رؤية تجمع مابين الغضب والجمال ووصف المؤلف بأنه "رجل غاضب ومع ذلك فهو تأملي النزعة يكتب ببساطة وجمال رائعين". إنه كائن معذب وغاضب ومقاوم على طريقته تماما مثل "حنظلة" الغاضب، المقاوم الفلسطيني العربي الأشهر فى تاريخ الكاريكاتير كما ابتدعه الفنان الراحل ناجى العلي. ويوم التاسع والعشرين من شهر اغسطس الماضى، مرت الذكرى الخامسة والعشرين لاغتيال فنان الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى فى لندن والذى أبكى عشاق فنه بشخصيته الطفولية الخالدة "حنظلة" بيديه المعقودتين خلف ظهره فى تناوله لمذبحة صبرا وشاتيلا ليدين مع شخصيته الكاريكاتورية الآخرى "فاطمة" وبلسان الشارع العربي المرحلة بأكملها. ومنذ مطلع عام 2006 يرقد "مهندس مذبحة صبرا وشاتيلا" رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق اريل شارون فى غيبوبة لايريحه منها الموت. وتسعى الصحافة الإسرائيلية فى الذكرى الثلاثين لمذبحة صبرا وشاتيلا لتثبيت رواية حكومة مناحيم بيجن من أن المذبحة التى وقعت فى الليلة مابين السادس عشر والسابع عشر من شهر سبتمبر عام 1982 كانت فى الأساس مسؤولية الميليشيات الانعزالية الكتائبية اللبنانية التى أساءت تنفيذ طلب إسرائيلي "باعتقال مطلوبين فلسطينيين اختبئوا فى المخيمين" وحولت الأمر لمذبحة دون تمييز.