المتتبع لأحداث الفتنة الأخيرة الناتجة عن الفيلم الحقير الذى ظهر مؤخراً يطعن فى الرسول عليه الصلاة والسلام ويشوه صورته يكاد يصيبه الذهول من كمية الجهل والعمى السياسى الكامل الذى تتميز بها هذه الأغلبية الكبيرة من مواطنينا الذين يتكرر عبث العدو بمشاعرهم وتشويه صورتهم أمام العالم بل وأمام أنفسهم دون أن يحاولوا مواجهة عدوهم مواجهة ناجحة، يتكرر عبث العدو بهم وبالصورة نفسها، ويتكرر اندفاعهم الأحمق على الطريق نفسه الانتحارى دون أن يتعلموا شيئاً. تحضرنا فى هذه المناسبة قصة الفئران العشرة التى كانت تعيش فى مطبخ رجل وتعيث فيه فساداً، وأراد الرجل القضاء عليها فاشترى مصيدة ووضع فيها قطعة جبن دخلها أحد الفئران فى الليلة الأولى فأطبقت عليه وتمكن الرجل من قتله، وفى الليلة الثانية كرر الرجل وضع قطعة جبنة بالمصيدة فأطبقت على الفأر الثانى وقتله الرجل، واستمر الوضع حتى قضى الرجل على الفئران العشرة، إذ لم يتعلم أى فأر من مصير الفأر الذى سبقه إلى المصيدة شيئاً، أما الإنسان فالمفروض أنه حيوان له تاريخ، يتعلم ممن سبقه فيتجنب أخطاءه ويضيف لرصيده الفكرى ما يؤمن مستقبله. نعود لأحداث الفتنة الأخيرة التى لم تتعلم فيها الأغلبية الكبيرة من مواطنينا شيئاً، رغم أن ما سبقها من فتن، وما سيلحقها كما نستطيع أن نؤكد، كانت صوراً شبه متماثلة تماماً من استدراج العدو لضحاياه من ذوى العمى السياسى الكامل، ثم يبدأ اللعب بهم وترقيصهم على أنفاق كما يفعل القرداتى بقروده وتندفع القرود فى عمى كامل وراء القرداتى تنفذ له ما يريد مع فارق كبير فالقرداتى لا يريد القضاء على قروده لأنهم مصدر رزقه، وترقيصها وسيلة حصوله على المال، أما أهل الجهل والعمى السياسى فتنفذ تماماً ما يريده عدوها الذى هو تحطيمها وتلويثها أمام العالم ووضعها فى صورة الإنسان البدائى الشرير العدوانى الذى لا يستخدم عقله، فتبرر تصرفاتها للعدو أمام العالم ما ينزل بها من قتل وتدمير. أمامنا الآن مقال لكاتب شريف يدعى ماكس بلومنتال نشرته جريدة «الجارديان» البريطانية فى 13 سبتمبر يقول فيه الكاتب الشريف بعنوان «داخل فضيحة هوليود الغريبة التى نشرت الفوضى فى الشرق الأوسط». يقول الكاتب إن مجموعة من المتطرفين اليمينيين تهدف إلى زعزعة استقرار مصر ما بعد مبارك وإثارة عداء الساسة الأمريكيين لمصر، وقد نجحت هذه المجموعة اليمينية المتطرفة فى تنفيذ ما تريد. ويستطرد الكاتب: هل كان الفيلم الاستفزازى المعادى للإسلام والذى ظهر على اليوتيوب هو الدافع للهجوم الذى قتل فيه أربعة دبلوماسيين أمريكيين بينهم سفير أمريكا فى ليبيا كريستوفر ستيفنس؟ يعتقد المسئولون الأمريكيون أن سبب الهجوم كان مدبراً قبل ذلك بمعرفة إحدى تنظيمات الجهاد التى ظهرت منذ قيام حلف الناتو بإسقاط حكم القذافى، ورغم أن حادث القتل فى بنغازى قد لا يكون نتيجة مباشرة لرد فعل عنيف الغضب للفيلم المهاجم للإسلام، فإن الفيلم قد ساعد فى تحقيق رغبة من صنعوا الفيلم. الفيلم منتج من مجموعة غريبة من المسيحيين المتطرفين اليمينيين وبعض أقباط المهجر المصريين بهدف زعزعة استقرار مصر بعد سقوط مبارك والتأثير فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، كما قال أحد مستشارى الإنتاج واسمه ستيف كلاين «لقد أقدمنا على هذا العمل مدركين أن هذا الانفجار الشعبى قد يحدث». كان التقرير المبدئى لوكالة «أسوشيتد برس» أنه فيلم غير محترف الإنتاج يكاد لا يراه أحد وكان عنوانه «سذاجة المسلمين» ويقف وراءه شخصية غامضة تسمى «سام باسيل» كمنتج للفيلم، وقال باسيل للوكالة إنه يهودى إسرائيلى كان يعمل فى سوق العقارات ويعيش فى كاليفورنيا، وأنه رصد مبلغ خمسة ملايين دولار لإنتاج الفيلم من متبرعين يهود عددهم مائة شخص ويستطرد بلومنتال قائلاً: إن ما قاله باسيل هو زعم غير عادى يذكرنا ببروتوكولات حكماء صهيون، ولسوء الحظ فإن التاريخ الطويل للتمويل الإسرائيلى والصهيونى للإعلام المعادى للإسلام فى أمريكا يعطى لما زعمه باسيل مصداقية. فمن كان باسيل هذا؟ لم تستطع الحكومة الإسرائيلية تأكيد جنسيته، ولمدة يوم كامل لم يستطع أى صحفى تأكيد وجود هذا الشخص، ثم استطاعت وكالة الأسوشيتد برس بهمسة من باسيل تتبع مكانه الذى كان منزل نيقولا باسيلى نيقولا، وهو ناشط سياسى قبطى متطرف من أنصار انفصال الأقباط عن مصر، وقد سبق الحكم عليه فى مجموعة تزوير شيكات، ويوم 13 سبتمبر أكد البوليس الأمريكى أن سام باسيلى هو نفسه نيقولا، وأن له أعمال سابقة مماثلة ربما كان منها إنتاج فيلم «سذاجة المسلمين». وطبقاً لأحد الممثلين بالفيلم فإن كل الممثلين به وكلهم متطوعون، قد تعرضوا لتضليل متعمد من منتج الفيلم الذى أقنعهم بأنه فيلم دينى برىء عن كيف كانت حالة الناس منذ ألفى سنة. وكان اسم سيناريو الفيلم «محاربو الصحراء» ولم تكن فى السيناريو أى إشارة ل«محمد»، فقد أدخل اسمه فى الفيلم بعد إنتاجه، وفى السيناريو رجل مصرى أبيض الشعر سمى نفسه «سام» وهو نيقولا نفسه، وكان يدردش باللغة العربية مع مجموعة من الأصدقاء ويقوم بدور المخرج، وفى إشارة بالفيلم إلى أن المخرج الحقيقى لفيلم «محاربو الصحراء» هو شخص يدعى آلان روبرتس، وربما كان هذا الاسم بدوره غير حقيقى رغم وجود شخصية سينمائية محترفة فى هوليود متخصصة فى إنتاج هذا النوع من الأفلام الإباحية يدعى آلان روبرتس. وقبل كشف النقاب عن شخصية نيقولا كان الشخص الوحيد الذى أعلن أن له دور فى الفيلم هو كلاين وهو مندوب مبيعات تأمين وسبق له القتال فى فيتنام، ويقيم فى كاليفورنيا، وقد خرج من المجموعة المعادية نفسها للإسلام التى كان من أعضائها أندرس بهرنج السفاح النرويجى وكانوا يسمون أنفسهم «أعداء الجهاديين»، وصليبيين معادين للإسلام، وكان هؤلاء الأعضاء مثل كلاين يتلقون تدريبهم فى التعصب على يد أكبر شخصيات البروباجاندا مثل باميلا جيلو التى زعمت مرة على موقعها بالإنترنت أن باراك أوباما ابن غير شرعى لمالكولم الناشط الزنجى الشهير، ومثل روبرت سبنسر الاسم المستعار لخبير فى شئون التطرف الإسلامى الذى زعم بأن الإسلام ليس أكثر من عرف متطور وتقليد فى الحرب ضد الكفار، وقد أطلقت جمعية الجنوب القانونية للفقراء على كل من جيلر وسبنسر اسم «قادة جماعة الكراهية». وتقف عند هذه الفقرة لنستكمل فى المقال التالى باقى هذه الملحمة البشعة من الكراهية، وكيفية استجابة أغلبية عمياء لدينا لشرورها وتنفيذ أغراضها الإجرامية، كما نعرض بعض المآسى السابقة والفخ الذى سقط فيه أهل الجهل والعمى السياسى لدينا مثل واقعة كتاب آيات شيطانية لأحد أحط أعداء البشرية وهو المدعو سلمان رشدى، وكذا واقعة الرسوم المسيئة للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تفجرت فى الدنمارك كمجرد أمثلة للألحان الشريرة التى يطلقها علينا أعداء البشرية، وتسارع أغلبية عمياء لدينا بالاستجابة لهذه الألحان والرقص عليها. نائب رئيس حزب الوفد