بجانب الأسواق الثابتة، عرفت مصر الاسواق المؤقتة.. والاسواق محددة المدة.. فهذا هو سوق الجمعة.. وسوق الخميس.. وسوق الثلاثاء أي أسواق تنعقد في يوم محدد ثم ينتهي السوق بنهاية اليوم نفسه. وعرفت مصر ساحات الاسواق .. وكان أبرزها «ساحة سوق الغلال» في روض الفرج.. وعلي نيل بولاق ومازالت هناك بقايا علي هيئة لافتة تحمل اسم شارع ساحة الغلال، أو سوق الغلال، خلف فندق هيلتون رمسيس وبجوار مبني ماسبيرو .. وكانت هناك «ساحة لبيع الحمير» هي الآن ما يعرف باسم شارع رشدي في حي عابدين بين شارعي شريف عند باب اللوق وشارع الجمهورية «عابدين سابقاً» وان ظل العامة يطلقون عليها اسم «شارع الساحة»! وكانت عبارة عن سوق ينصب كل يوم بعد صلاة العصر.. تباع فيه الحمير، وعندما توفي حسين رشدي وكان رئيساً للوزراء ورئيساً للجنة اعداد دستور 23 ثم رئيساً لمجلس الشيوخ، أطلقوا اسمه علي هذه الساحة.. عام 1928 اعترافا بدوره الوطني خلال ثورة 19. وعرفت مصر «سوق العصر» وكان يقع جنوب ميدان باب الخلق من جهة حوش الشرقاوي.. وكانت فيه المدابغ أيام محمد علي، ولما تضرر الناس من روائحها تم نقل المدابغ إلي «اللوق» أي باب اللوق، وعندما انشأ الخديو اسماعيل نظارة الاشغال عام 1864 وعين لها زميله في المدرسة علي باشا مبارك، تقرر نقل المدابغ من اللوق في العام التالي إلي جوار الفسطاط، أي مجاورا لسور العيون، ولو دقق المارة في شارع شريف للنظر في اللوحة التي تحمل هذا الاسم العزيز علي كل المصريين، فسوف يرون تحتها عبارة «شارع المدابغ.. سابقاً». وحديثاً عرفنا سوق الامام الشافعي.. وسوق التونسي.. حتي عرفنا مؤخراً سوق السيارات في مدينة نصر.. وحتي فلسفة بناء الاسواق المجمعة العصرية «المولات» التي بدأت في امريكا اقاموها خارج المدن حيث الاراضي الفضاء لتوفير ساحات لسيارات المترددين علي هذه المولات.. وطبقنا ذلك - إلي حد ما - في مصر.. فلماذا الاصرار علي ان تقام الاسواق المقترحة لتجميع الباعة الجائلين.. وسط المدن وبين التجمعات السكانية.. والسؤال: هل من الصالح العام الاستجابة 100٪ لرغبات هؤلاء الباعة.. وعودوا إلي فكرة الاسواق القديمة، حتي في القري زمان.. كانت الاسواق دائماً خارج القرية.. وخارج المدينة، أي علي الحواف.. أم اننا نلجأ للاسلوب السهل وهو الاعتداء علي الحدائق التاريخية ومتحف المركبات الملكية في بولاق فهذه جريمة يجب ان نحاسب عليها من ارتكبها والكارثة ان احداً من المسئولين لم يتحرك رفضاً لهذه الجريمة.. ولكن تحرك محافظ القاهرة السابق الدكتور عبدالعظيم وزير متألما للغاية وشاكيا وهو كان من المدافعين عما تركه لنا الآباء والاجداد من ثروة معمارية وتخطيطية.. أيضاً اتصلت بي الدكتورة سهير حواس صاحبة أفضل كتاب عن العمارة في القاهرة الخديوية تستصرخ ضمير الامة المصرية.. للتحرك ولإنقاذ حديقة الازبكية التاريخية. واجتمع جهاز التنسيق الحضاري.. وأصدر بيانا يعترض علي نقل الباعة الجائلين إلي هذه الحديقة.. وهو الامر الذي قامت به محافظة القاهرة دون الحصول علي موافقة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري حيث ان الحديقة مسجلة في منطقة ذات قيمة متميزة طبقاً للقانون 119 لسنة 2008 حيث ان الحديقة تخضع لأسس ومعايير التنسيق الحضاري لحماية الحدائق التراثية، كما ان الحديثة تضم مباني مسجلة في قوائم الحصر وهي نادي السلاح والمسرح القومي ونافورة الخديو اسماعيل.. وبالحديقة جبلاية صناعية زرعت فيها اشجار نادرة جلبت من الهند والسودان خصيصاً لغابة بولونيا في باريس ولحديقة الازبكية في القاهرة.. ويستصرخ بيان جهاز التنسيق الحضاري الضمير الوطني فيقول ان تخصيص الحديقة التراثية للجائلين من الباعة يأتي بعد مسلسل طويل من الاهمال والتدهور الذي أصاب الحديقة خلال السنوات الماضية علي الرغم من أنها تتبع جهاز الحدائق المتخصصة بالمحافظة، وتم تدمير جزء منها بسبب أعمال مترو الانفاق والتي ادت إلي اقتلاع اشجار ونباتات نادرة.. وسوف يقضي التخصيص الاخير علي ما تبقي من الحديقة التراثية.. ويقول الجهاز في بيان انه شارك في عدة اجتماعات بالمحافظة كان اخرها يوم 5 ابريل لمناقشة حلول لمشاكل الباعة.. ولم يكن من بين هذه الحلول تخصيص الحديقة لهم، كما سبق ان رفض الجهاز نقل الباعة إلي شوارع الالفي والشريفين والشواربي أيضاً، وشدد علي انه يجب حل مشاكل الباعة خارج المناطق التراثية للحفاظ عليها.. ولهذا يطالب الجهاز بالوقف الفوري لكل ما تقوم به المحافظة في حديقة الازبكية.. هنا نقول ان اي مواطن في اوروبا وامريكا لو تجرأ لقطع فرع من شجرة لخرجت المظاهرات معترضة.. ويجبر المواطن «قاطع الشجرة» علي زراعة شجرة اخري.. وكذلك لا تجرؤ أي سلطة علي قطع شجرة في أي مدينة دون الرجوع إلي الناس.. هل نطالب بخروج سكان القاهرة في «مليونية» تعلن رفضها تحويل الحديقة إلي سوق للباعة.. هل يتحرك الشعب - مرة واحدة - ليجبروا السلطة علي احترام رأي الناس..انني اطالب بمليونية لانقاذ حديقة الازبكية اخر ما بقي من عصر الزمن الجميل.. هل يفعلها سكان القاهرة.