بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وذكر اهل العلم ان نسب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من جهة أبيه، وأنّه ينتمي إلى أشرف الأنساب، وأعرق الأحساب. أمّا أمّه فهي: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة. فنسبه من جهة أبيه وأمّه يرجع إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السّلام، فهو في أعلى درجات الأصالة والشّرف كما مرّ في حديث مسلم: (( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ )).. وفي هذا حِكَمٌ بالغة منها: و أنّ ذلك من عوامل نجاح الدّعوة في أوّل أمرها، إذ يصعب على الكفّار قتله، لما كان من انتشار للعصبيّة القبليّة يومئذ، ولا يخفى على أحدٍ عناية أبي طالب له، ولم يجرؤ أحد على المساس به من أجل ذلك. و كما أنّ في شرف هذا النّسب ردّا على ما يمكن أن يزعمه مكابر أو مجادل بأنّ دعوته جاءت ردّ فعل لإصلاح واقع اجتماعيّ، كما هو الشّأن في الدّعوات المادّية، فلو كان وضيعا لقالوا إنّما جاء بما جاء تمرّدا على واقعه. و وكان معروفا لدى أهل الكتاب أنّ النبيّ لا بدّ أن يكون شريف النّسب، كما قال هرقل لأبي سفيان:" سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا " [رواه البخاري]. وغير ذلك من الحكم. ففي عام الفيل وذلك الحدث الجليل، كانت آمنة تحمل في بطنها أشرف الخلق وأكرمهم على الله تعالى وهي لا تدري من ذلك شيئا .. ولكنّها ما حملت به حتّى تُوُفّي والده عبد الله .. ولم يُقدّر لهذا المولود أن يرى والده الذي أرسله عبد المطّلب في مَهمّة إلى المدينة. وليس ذلك من قبيل المصادفة .. وخاصّة أنّه سيفقد أمّه وجدّه أيضا بعد أعوام .. لقد اختار الله هذه النّشأة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحكم باهرة، ولعلّ أعظمها أمران: 1- تربية التوكّل على الله في قلبه، وأنّ عناية الله فوق كلّ عناية. 2- ألاّ يكون للمبطلين سبيل إلى إدخال الرّيبة في القلوب، وإيهام النّاس أنّه مسيّر من أبيه، وخاصّة جدّه الذي كان سيّدا في قريش، فقد كانت فيه الرِّفادة والسّقاية[1]، بل المتأمّل ليُدرك أنّ عمّه الذي عاش معه وحماه لم يتّبع دعوته، فلا سبيل لأن يُقال إنّ له يدا في ذلك.