تختتم غدًا فعاليات مهرجان الجونة السينمائى الدولى، بحضور نخبة من نجوم ونجمات العالم العربى، وتكريم خاص للفنان محمد هنيدى، الى جانب إعلان أسماء الأفلام الفائزة بجوائز هذا العام، والتى يتنافس فيها العديد من الاعمال العربية والأجنبية، والتى يغلب على معظمها السرد الإنسانى للأحداث. ينافس بقوة الفيلم المغربى «آدم» المشارك فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، الفيلم نال استحسانا كبيرا من الجمهور عند عرضه، وخاصة أن المخرجة اقتربت من أزمة الفتاة العزباء من خلال سامية «نسرين الراضى» التى دخلت فى علاقة جنسية خارِج نطاق الزواج نجم عنها حمل سبّب لها الكثير من المشاكل مع أسرتها الصغيرة، فتُقرر مغادرة المنزل والبحث عن عملٍ وهى حامل فى أحد الأحياء الشعبية فى مدينة الدار البيضاء. وبعد معاناة للبحث عن مكان تنام فيه تجد الفرصة مع عبلة «لبنى أزابال» وهى أرملة تُربّى ابنتها الوحيدة بمفردها بعد وفاة زوجها فى حادث سير، رفضت عبلة فى بادئ الأمر طلب سامية العمل لديها فى متجرها الصغير التى تحضر فيه الخبز بطريقة تقليدية. لكنها ستغير رأيها فى عندما أزعجها وجودها فى الشارع، وعبلة نفسها لديها قدر كبير من الأحزان والاستغراق فيه.. شيئًا فشيئًا تنجح سامية فى مساعدة عبلة على تخطّى محنة وفاة زوجها، ولكن الأزمة تكمن بعد الإنجاب حيث ترفض الأم إرضاع ابنها أو الاقتراب منه. ولم يكن لها حتى رغبة النظر إليه. هذا الطفل بالنسبة إليها عبء أخلاقى تريد التخلص منه. لكن أمام صراخ المولود المتواصل، انتصر عندها إحساس الأمومة على رفض تقبل وجود طفلها فى حضنها. وعادت لتحضنه وترضعه قبل أن تقرر تسميته «آدم»... من المعروف أن مريم التوزانى أخرجت الفيلم بناءً على قصة حقيقية لأم عزباء كانت تراها عند عودتها من الجامعة، وقصة الفيلم مماثلة للتجربة الشخصية التى مرّت بها تلك الأم العزباء بكل آلامها، الفيلم عرض فى كان فى فئة «نظرة ما»... ومن المعروف أن الممثلة لبنى أزابال ممثلة بلچيكية أبوها مغربى وأمها إسبانية، مثلت فى عدة أفلام عربية وفرنسية أبرزها فيلم الجنة الآن. أما نسرين الراضى فهى ممثلة مغربيّة. ظهرت فى حوالى 22 فيلمًا قصيرًا إلى جانبِ ثلاثة أفلام تليفزيونية وفيلمين مطولين وثلاثة مسلسلات لكنّ المُشاهِد المغربى تعرّف عليها حينما لعبت دور كريمة فى مسلسل زينة للمخرج ياسين فنان، كما ظهرت فى نفسِ العام فى مسلسل صدى الجدران، حصلت نسرين على دور البطولة فى فيلم الجاهليّة لمخرجه هشام العسرى قبلَ أن تظهر من جديد فى عام 2019 فى السلسلة الرمضانية الماضى لا يموت، يُعرف عن نسرين الراضى جرأتها فى معالجة قضايا المجتمع وليست لديها خطوط حمراء، إذا اقتنعت بالدور والسيناريو.. أما مريم التوزانى فهى ممثلة ومخرجة وكاتبة سيناريو مغربية وهى زوجة المخرج المغربى نبيل عيوش. ونال فيلم الأب إعجاب النقاد، وهو من إخراج كريستينا جروزيفا، بيتر فالجانوف، الفيلم دراما عائلية حميمية، تستعرض تحديات التواصل مع الناس الأقرب إلينا فى الحياة.... ومن الأفلام التى تنتظر جائزة بالمهرجان فيلم المخرج وليد مؤنس 1982، والذى تدور أحداثه فى صيف عام 1982، وبينما كانت الامتحانات النهائية تجرى بسلاسة فى مدرسة آمنة متوارية فى رحاب الجبال المُطلة على بيروت، ينوى وسام، الصبى البالغ من العمر 11 عامًا، البوح لزميلته فى نفس الصف «جوانا» بمدى حبه لها. وتتعرض البلاد لهجوم جوى يطال سماء بيروت، وتُعلّق الدراسة، فيزداد تصميمه أكثر فأكثر وتحكى قصة الحب هذه، التى تحتل الحرب خلفيتها، عن يوم خالد فى ذاكرة الأطفال، الفيلم من بطولة المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكى، وهو العمل الأول للمخرج الشاب وليد مؤنس وشارك فى الدورة الأخيرة من مهرجان تورونتو السينمائى وحصد جائزة أفضل فيلم آسيوى وتم اختياره لأسلوبه المغامر والمبدع وإخراج واثق ودقيق، كما استطاع الفيلم أن يبرز فى الوقت نفسه وببراعة وشجاعة وتأثير براءة الأطفال وسحرهم بالرغم مما يجرى من حولهم من خوف وعنف. وأن الحب هو أقوى من الحرب. وهناك منافسة قوية لفيلم « ستموت فى العشرين » للمخرج السودانى أمجد أبوالعلا ، والمستوحى عن القصة القصيرة النوم عند قدمى الجبل للكاتب السودانى حمور زيادة ، وتدور الأحداث بولاية الجزيرة، حيث يُولد مُزمل فى قرية سودانية تسيطر عليها الأفكار الصوفية، فكرة الفيلم عن امرأة سودانية تضع ابنها «مزمل» بعد أعوام من الانتظار، إلا أن نبوءة صوفية تقول بأن الطفل سوف يموت حينما يبلغ ال20. وتستمر الأحداث حتى يعود سليمان إلى القرية، بعد أن عمل مصورا سينمائيا فى المدينة بعيدا عن المعتقدات الصوفية للقرية. وهنا يرى مزمل العالم بشكل مغاير تماما، من خلال جهاز قديم لعرض الأفلام السينمائية يقتنيه سليمان. وينتظر النبوءة المشؤومة. ويعتبر الفيلم هو سابع فيلم روائى بتاريخ السودان، وأول فيلم روائى طويل لمخرجه ومؤلفه السودانى أمجد أبوالعلا، واشترك فى تأليفه مع يوسف إبراهيم ، من بطولة مصطفى شحات، إسلام مبارك، محمود السراج، بونا خالد، وطلال عفيفى. الطريف أن مونتاج الفيلم استغرق 3 أشهر متقطعة، وبه تميز بالديكور لمهندسة الديكور رشا خفاجى. حيث نفذت ديكورًا لمنازل من واقع الحياة السودانية وكان غنيا بتفاصيل الطابع السودانى. وفيلم «ستموت فى العشرين» يمثل عودة للسينما السودانية الروائية، بعد غياب 20 عامًا، فضلا عن أن الفيلم حظى باهتمام عالمى، بعد اختياره للعرض فى مسابقة «فينيسيا» ومن بعدها مهرجان «تورنتو».. ركز أمجد أبو العلاء على التراث السودانى، ونقل الواقع بإخلاص ونضج فنى مع صورة مميزة وتكوينات بصرية متفردة. أما المخرجة التونسية هند بوجمعة، فتأتى مع فيلمها «حلم نورا»، وهو من بطولة هند صبرى، ويتناول قصة نورا وهى أم لثلاثة أطفال وزوجة سفيان الذى يقضى عقوبة بالسجن، لتتحمل نورا مسئولية أطفالها، وتعمل بمحل لتنظيف الملابس، فى تلك الأوقات الصعبة تلتقى نورا مع أسعد، الذى من خلاله تعيش قصة حب كبيرة، تقرر على إثرها طلب الطلاق من سفيان، لكن القدر يقف ضدها بخروجه من السجن، وتبدأ لديها فكرة الهروب مع حبيبها. الفيلم المستوحى من قصة حقيقية، و«نورا» تنتمى للطبقة الكادحة فى تونس ومعاناتها اليومية مع سجن زوجها، والمضايقات التى تتعرض لها بسبب تاريخه الإجرامى، وعلاقتها بأطفالها. ووسط هذ القدر الهائل من الأفلام المميزة هناك تواجد للفيلم الجزائرى «بابيشا» المشارك فى مسابقة الأوسكار لهذه السنة، وتجسد دور البطولة به الممثلة لينا خوذرى، مستعرضا جزءا مؤلما من التاريخ الحديث للبلاد بسبب التطرف والإرهاب، حيث تمثل فيه خودرى دور الشابة الجزائرية القوية، التى ترفض الخضوع لتهديدات المتشددين، فلقد شكلت سنوات التسعينات حقبة صعبة فى تاريخ الجزائر الحديث، تعرف بالعشرية السوداء، بسبب جرائم الإرهاب، إذ أدت لمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، فى ظرف اختلط فيه السياسى بالدينى، وحاولت فيه بعض القوى المتشددة فرض أسلوبها فى الحياة على الآخرين. من منا لا يذكر المذابح التى سببتها الحرب الأهلية برواندا وامتلأت بها القنوات التليفزيونية حتى مطالع سنة 1994، حيث تناحرت قبيلتا الهوتو، التى تمثل الأكثرية على المستوى الديموجرافى، والتوتسى، التى تعتبر أقلية مقارنة بالقبيلة الأولى، وقام الهوتو بإبادة جماعية فى حق التوتسى، إذ تشير الإحصائيات إلى أنه فى غضون ثلاثة أشهر فقط، قتل ما يناهز 800 ألف رواندى بسبب تناحر القبيلتين، بالإضافة إلى حالات الاغتصاب التى قدرت بعشرات الآلاف، لتعرف البلاد بعد نهاية سنة 1994 تحولات جذرية، هذا ما يوصلنا اليه الأديب والمخرج الأفغانى عتيق رحيمى مخرج فيلم «سيدة النيل» الفرنسى البلجيكى الرواندى المشترك، وهو الفيلم الذى ينتقى أحداثاً من رواية للكاتبة الرواندية سكولاستيك موكاسونجا، حيث تدور أحداثه حول مدرسة رواندية مرموقة تشمل خليطا عرقيا من البنات، أغلبهم من قبيلة الهوتو مقابل أقلية من قبيلة التوتسى، لكن تبدأ الاختلافات العنصرية الكامنة فى النفوس. من المعروف أن رواية الكاتب شولاستيك موكاسونجا المولودة فى رواندا عام 2012 بعنوان «Notre-Dame du Nil» لا تتعلق بالتحديد بالإبادة الجماعية فى رواندا عام 1994، بل كيف أن الانقسام الطبقى والاستعمار والتفاوت الاقتصادى قد خلقا الاستياء والتحامل اللذين جعلا من الإبادة الجماعية أمرا ممكنا. باستخدام مدرسة رواندية كاثوليكية داخلية للبنات جميعها كنموذج مصغر لها، تحدد كيفية زرع بذور الكراهية العرقية ورعايتها وتشجيعها على الازدهار. ومع ذلك، فإن أى تعديل فى كتاب موكاسونجا يحمل وعدًا بأن يكون ذلك الفيلم الكبير الذى طال انتظاره حول الصراع العرقى فى البلاد، وكيف انفجرت فى حمام دموى تاريخى شهد فيه أعضاء من الغالبية الهوتو. وهناك فيلم «لارا» الذى يقدم لنا أحد أهم دروس الحياة، وهو يجب على الأفراد أن يتجاهلوا النقد فلا يجب أن يكون رادعًا للمخاطرة الفنية. الفيلم الجواتيمالى «The Weeping Woman» للمخرج جيرو بوستامانتى، طرح أطروحته عن إنريكى الجنرال المتقاعد، الذى أشرف على المذبحة الجماعية التى وقعت فى جواتيمالا منذ 30 عامًا، والآن يلقى جزاءه بقضية جنائية غامضة، وتكمن مأساة الجنرال بإيمانه أن روح «المرأة الباكية» قد تم إطلاق سراحها لتجوب العالم كروح هائمة وسط الأحياء. يسمعها وهى تنتحب ليلًا، فيما تؤمن زوجته وابنته بأنه يعانى من نوبات مرض «الديمنتشيا» المتعلق بالزهايمر. بل والرائع أن المخرج جعل من مجرد وجود ألما الخادمة الغامضة فى بيته يزيد من حدة هذا الأمر، وجعلها المخرج تبدو مرعبة وملائكية فى نفس الوقت، دون أن تفعل كل ذلك فى الواقع. فى بداية الفيلم، ندخل لعالم النساء المجسدات للطبقة العليا فى أمريكا اللاتينية البيضاء وشعورهم وتصرفاتهم تجاه سكان المايا الأصليين، وتجسد هذا فى أسلوب تعامل أسرة الديكتاتور مع الخدم من أصول المايا، وقدم المخرج بعض التلميحات للعبودية المنزلية التى تعبر عن العبودية الجنسية التى أخضعها الجنرال لنساء المايا. وجمال الفيلم الوثائقى «أمة الطفل الواحد» إظهاره تكثيف الدعاية حينذاك لتصبح محيطة بالناس فى كل الأماكن، رافعة شعار أن على الصينيين أن يعيشوا لأجل البلاد، وأن الفرد لا يتخذ قرار الإنجاب بل الدولة. وخاصة أن الحزب الشيوعى الصينى حينذاك عقد العزم على تعزيز النمو الاقتصادى، فقرر أن التحكم فى عدد السكان هو الحل، ثم توالت العواقب المأساوية، فظهرت الملايين من حالات الإجهاض، والتعقيم، وقتل الرضَّع فى وقت لاحق. ولقد ذكرت مخرجة الفيلم حكايتين الأولى لخالها الذى أخذ طفلته الرضيعة، وتركها فى السوق لعل أحد يأخذها، وظلت لمدة يوميا تصرخ بدون أن يقترب منها أحد، لتموت وقد تجمع فوقها الذباب.. أما عمتها فقد باعت طفلتها لأحد المراكز التى كانت تأخذ الأطفال لتبيعهم لأسر بأمريكا، والمحزن أن أحد العاملين فى بيع الاطفال أكد أنه كان يوميا يسير بدراجته فى الطرق ليأخذ الأطفال الذين تخلص منهم أهاليهم وتركوهم على الطريق بمجرد ولادتهم.