القرارات المفاجئة التي اتخذها الدكتور محمد مرسي بإقالة المجلس العسكري وعلي رأسه المشير حسين طنطاوي، وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، تؤكد ان الرئيس المنتخب بدأ أول معاركه بتصفية أقوي الخصوم وهو المجلس العسكري الذي جرد الرئيس من كل صلاحياته من قبل.هذه المعركة هي البداية فقط في صراع الدكتور محمد مرسي مع الحرس القديم، فالبعض يعتقد ان الأزمات المتلاحقة التي يعانيها المواطنون في الكهرباء والمياه والخبز والأمن، كلها أزمات مفتعلة يدبرها فاعل معلوم للجميع، وهو فلول الحزب الوطني المتوغلون في كل أرجاء البلاد، ويعملون علي إحراج الرئيس أمام الرأي العام، ومن هنا فلابد أن تكون معركة الرئيس القادمة هي تطهير مؤسسات الدولة، خاصة تلك التي تمس أمن المواطن وحياته اليومية»، فتلك هي المعركة الأهم التي لابد أن يتفرغ لها الرئيس الجديد حتي يشعر المواطن أن هناك تغييراً للأحسن حدث في حياته. كان للقرارات الأخيرة التي اتخذها الدكتور محمد مرسي بعزل عدد كبير من القيادات الأمنية، والعسكرية رد فعل قويا في الشارع كثير من المواطنين أكدوا أن الرئيس بدأ في تدعيم سلطته، وأنه سيتفرغ بعد ذلك لممارسة مهام عمله وعلي رأسها حل مشاكل المواطنين التي أصبحت مزمنة بل تتفاقم كل يوم، فمشكلة الكهرباء أصبحت هم جميع المصريين في كل مكان، حتي أن العجز في الكهرباء وصل إلي ثلاثة آلاف ميجاوات، وهو ما تواجهه محطات الكهرباء بقطعها عن المواطنين باستمرار، وهو ما أدي أيضا إلي قطع عدد كبير منهم للطرق والسكك الحديدية، نفس المشكلة تحدث كل يوم في المياه حيث تعاني معظم المحافظات ومنها العاصمة من الانقطاع شبه الدائم للمياه يقابله أيضا قطع للطرق واعتراضات واحتجاجات في كل مكان. ورغم دعوة الرئيس لتدشين حملة وطن نظيف إلا أنها لم تؤت ثمارها، وعادت أكوام القمامة إلي الشوارع مرة أخري لانها فكرة ماتت قبل أن تولد لعدم تفاعل المحليات معها بالشكل المأمول.هذا بالإضافة إلي الأزمات الطاحنة في الخبز والدواء، وسوء المعاملة في مستشفيات التأمين الصحي والمستشفيات الحكومية. أما عن مشكلة نقص الوقود فحدث ولا حرج، فهي أزمة متجددة كل يوم، يعاني منها المواطنون في كل مكان. كل هذه الأزمات شبه اليومية هي الشغل الشاغل للمصريين، همهم بالليل والنهار، وبعد أن فرغ الرئيس من أول معاركه السياسية أصبحت هذه المشكلات هي الأهم علي أجندة الرئيس، ولابد أن يكون حلها أهم أولوياته في المرحلة القادمة حتي يستطيع أن يكسب تأييد المواطنين. وإذا كان الكثيرون يعتقدون أن هذه المشكلات مفتعلة، وأن السبب فيها فلول الحزب الوطني المنتشرون في كل مرافق الدولة، والذين يعملون علي زيادة معاناة المواطنين من هذه الأزمات ليضعوا رأيا عاما مضادا للرئيس، أصبحت معركة تطهير مؤسسات الدولة من هؤلاء الفلول هي المعركة التي يجب أن يبدأ بها الرئيس المرحلة القادمة، خاصة أن القرارات الأخيرة مكنته من أن يصبح رئيساً فعلياً لمصر، ولديه حكومة موالية يمكنها تنفيذ كل ما يريد، ومن هنا أصبح يمتلك القدرة علي اتخاذ القرارات اللازمة، خاصة تلك التي تمس الحياة اليومية للمواطنين مثل الكهرباء والمياه والوقود والخبز، وإذا كان الرئيس قد وعد المصريين بحياة أفضل من خلال برنامجه المعروف بمشروع النهضة، ومنح نفسه 100 يوم لحل أكبر 5 مشكلات تتعلق بحياة المواطن وهي المرور والقمامة والخبز والوقود والأمن، فاليوم وبعد الانتهاء من أولي معاركه أصبحت المعركة الأهم هي السعي، لتحقيق هذه الأهداف حتي يستطيع إثبات ذاته أمام المواطنين، وتحقيق أحلامهم في غد أفضل، وهذا ما أكده وحيد الأقصري رئيس حزب مصر العربي مشيراً إلي أن المعركة الأهم التي يجب أن يلتزم بها الرئيس هي تحقيق حياة مستقرة وآمنة لأبناء الشعب المصري، وحل المشكلات التي يعانون منها وعلي رأسها إعلاء كرامة المصري في الداخل والخارج، وحل مشكلاته الآنية من مياه وكهرباء وصرف صحي وإسكان إلي آخره، لذلك يجب أن يتم تطهير كل مؤسسات الدولة والاستجابة لمطالب المواطنين، وتحقيق برنامج ال 100 يوم، حتي يتأكد المواطن من أن الرئيس يسعي لتحقيق مصالحه بالفعل، ويسعي للاستحواذ علي السلطة فقط. وأضاف الرئيس أصبح يمتلك الآن السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً، ولابد أن يقدم للمواطن ما يثبت أنه يعمل لصالحه أولاً وأخيراً. وأضاف عبدالغفار شكر المتحدث عن التحالف الاشتراكي المصري أن مسئولية التطهير الآن توضع علي عاتق الحكومة التي عينها الرئيس، فإذا لاحظ الرئيس وجود أي تقصير في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، عليه أن يصدر أوامره لوزرائه بسرعة القضاء علي هذا التقصير، ويري شكر أن القرارات الأخيرة ما هي إلا رسالة موجهة لكل المقصرين في كل الجهات، بأن الرئيس وحكومته سيتعاملون بحزم مع كل من يقصر في أداء واجبه. فيما يري الدكتور نبيل عبدالفتاح الباحث بمركز الدراسات السياسية بالأهرام أن معركة تطهير مؤسسات الدولة ما هي إلا واحدة من معارك أخري سيخوضها الرئيس في المرحلة القادمة أولها ستكون مستمرة بين الرئيس المنتخب ومراكز القوي داخل جماعة الإخوان المسلمين نفسها والذين يرون أن تمدد شعبية الرئيس يشكل خطراً عليهم، وهذا الصراع سينعكس علي حزب الحرية والعدالة الذي ستحدث داخله صراعات ولاء بين العناصر الموالية لقيادات الحزب وقيادات مكتب الإرشاد، والعناصر الموالية للرئيس الذي تزداد قوته وشعبيته. ثم ستأتي معركة القوي الجديدة التي تري أن تمدد قوة الرئيس تعني هيمنته علي كل مفاصل الدولة وهؤلاء ليسوا فقط من قيادات الداخلية والجيش، وإنما هناك رتب أقل ستعمل لمنع تحول الدولة إلي دولة «إخوانية» قاصرة علي اتجاه سياسي واحد. وهناك أيضاً المعارك الفئوية حيث تري كل جماعة أو فئة أنها لم تحصل علي حقوقها من النظام الجديد، خاصة أن الرئيس لم يحقق حتي الآن أي شىء من برنامجه، بل إن معاناة المواطنين تزداد بسبب مشكلات الأمن والكهرباء وارتفاع الأسعار وانقطاع المياه وغيرها من المشاكل اليومية. كل هذه الصراعات ستستمر وستشهد المرحلة القادمة المزيد من تفجر الأوضاع، ولكن تهدئتها ستعتمد في المقام الأول علي المهارة السياسية للرئيس الذي نجح في بعض المعارك من قبل، والتي لم يكن لها أي رد فعل من الأطراف الأخري، ولكن الأمور ستتوقف بعد ذلك علي ردود أفعال هذا الأطراف، ومن هنا نستطيع القول أن كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها السياسية في تحد حقيقي. ويري الدكتور عبدالفتاح أن الجميع خاسر في هذه المعارك الصغيرة في جوهرها الكبير وفي آثارها علي التوافق العام، وعلي طبيعة الدولة والسلطات الموجودة بها، حيث تسيطر علي كل مؤسسات الدولة ظاهرة التسلطية السياسية ولغة المغانم، وهذه معركة الخاسر الوحيد فيها هو مصر، ومن هنا فلابد أن تكون معركة الرئيس الحقيقية هي تطهير مؤسسات الدولة أولاً حتي يجني المواطن ثمار الثورة، وحل مشاكل الجماهير، والبعد عن المعارك السياسية الصغيرة التي سيخسر فيها الجميع. نادية مطاوع