كنت لا أزال صبيا، عندما أخذ اسمان يترددان كثيرا علي ألسنة الناس، وفي الصحف والمذياع وصاحبا هذين الاسمين هما »موسوليني« و»هتلر« والرجلان قفزا بسرعة مذهلة من مجرد نكرات الي أعلام فكأنهما ماردان، من قمقم برزا والرجلان كانا من فرط الخبث والدهاء، ومن طول اللسان، بحيث استطاعا في مدة قصيرة أن يلهبا مشاعر شعبيهما موسوليني في إيطاليا، وهتلر في ألمانيا، واستطاعا أن يستأثرا باهتمام العالم زمنا ليس باليسير. وأن يجندا لهما اتباعا في بلدان عديدة، من بينها مصرنا، حيث اعتنق مبادئهما القائمة علي فاشية موسوليني، ونازية هتلر، نفر من المصريين المعادين للديمقراطية وحزب الوفد، أذكر من بينهم علي سبيل التمثيل »أحمد حسين« و»محمد أنور السادات« ثم أن يثيرا في العالم زعازع كادت تقوض أركانه. فموسوليني من ناحية أخذ ينفث في شعب إيطاليا روح العظمة والكبرياء مذكرا إياهم أنهم من سلالة الرومان الذين دوخوا الأرض في ماضي الزمان. وكان أن غزا الحبشة والصومال وهتلر من ناحيته، راح يؤكد للشعب الألماني أن الطبيعة حبته بخصال، جعلته فوق الجميع. وكان أنه غزا النمسا وتشيكوسلوفاكيا ولأن كلا الرجلين كان يمقت الديمقراطية مقتا شديدا فضلا عن تشابه أوضاع بلديهما وتقارب مطامعهما فلم تلبث فاشية موسوليني أن تحالفت ونازية هتلر فبات تحالفهما يعرف بمحور رومابرلين ثم لم يلبث المحور أن امتد الي أقصي المشرق فانضمت اليه اليابان، وسرعان ما اخذ محور رومابرلين طوكيو يولد شرارا ثم حرارة ثم نارا حامية اندلعت ألسنتها في الفاتح من سبتمبر لسنة 1939، بغزو قطعان من الهتلرية لبولندا، الذي أدي الي نشوب الحرب العالمية الثانية، وبداية كانت تلك الحرب منحصرة في ثلاث دول كبري انجلترا متحالفة مع فرنسا، ضد ألمانيا الهتلرية وبسقوط باريس واستسلام فرنساالمحتلة لحكم النازي 22 يونيو 1940 اتسعت رقعة الحرب بدخول ايطاليا الفاشية الي جانب ألمانيا النازية (10 يونيو 1940)، ولم تمض سوي سنة علي الاستسلام إلا وكانت رقعة الحرب قد اتسعت بعدوان ألمانيا النازية علي الاتحاد السوفيتي (22 يونيو 1941) وبعد ذلك ببضعة شهور (7 ديسمبر 1941) بعدوان اليابان علي الولاياتالمتحدة (بيرل هاربر). وكما هو معروف انتهت الحرب بهزيمة دول محور رومابرلين طوكيو الثلاث، بل واستسلامها، دون قيد ولا شرط وقبل انتهاء الحرب بقليل ومع ظهور بشائر النصر علي الفاشية والنازية، قبض الانصار المعادون للفاشية علي موسوليني، وعشيقته، أثناء محاولته الفرار الي ألمانيا، وتم إعدامهما،وتعليق جثتيهما بشجرة، عبرة للطغاة وأذنابهم أما هتلر فقد آثر الانتحار هو وعشيقته، بمخبأه الحصين بوسط برلين. ونفس الطريقة أي الانتحار اختارها نفر من جنرالات اليابان وهم بانتحارهم هذا،كما آثروا الخلاص بيدهم، لا بيد العدالة، متمثلة في محاكمتهم عما اقترفوه من جرائم في حق الشعوب فلأول مرة في تاريخ الانسانية شكلت محاكم عسكرية لمساءلة بعض قادة ألمانيا النازية، وبعض كبار العسكريين اليابانيين. وأقف قليلا عند محاكمة قادة ألمانيا النازية، لأقول باختصار: إن التهم الموجهة لهم، والتي من أجلها جرت محاكمتهم تخلص في التآمر ضد السلام وارتكاب جرائم ضده فضلا عن انتهاكهم للقانون والقواعد المتعارف عليها في شأن ممارسة الحرب، واقترافهم جرائم ضد الإنسانية. ولقد تمت محاكمتهم في مدينة نورنبرج حيث صدر قانون قوامه عنصرية النقاء العرقي (15 سبتمبر 1935)، وحيث كانت تقام سنويا احتفالات حاشدة، بحضور هتلر، وسائر القادة النازيين، وأهم المحاكمات في تلك المدينة تلك التي عقدت بدءا من 20 نوفمبر 1945 حتي أول أكتوبر 1946. وبعدها تمت محاكمات أخري من بينها محاكمة بعض أساتذة القانون الذين أفتوا أو أصدروا أحكاما بموجب ذلك القانون المعيب. وعن تلك المحاكمة انتجت هوليوود قبل نصف قرن من عمر الزمان فيلما تحت اسم »محاكمة نورنبرج« لصاحبه »ستانلي كرامر« ذلك المخرج الذي ذاع صيته بفضل تخصصه في إنتاج وإخراج أفلام ذات رسالة وهو فيلم سياسي من الدرجة الأولي رشح لإحدي عشرة جائزة أوسكار وخرج من مضمار المنافسة فائزا بجائزتي أوسكار أفضل ممثل رئيسي »ماكسيميليان شل« وأفضل سيناريو مأخوذ عن عمل آخر. وفي مصر جري عرضه لبضعة أيام، تم سحب الترخيص له بالعرض العام ومع السحب، وجد الرقيب نفسه علي الرصيف.