أكتب هذا الرأى وأنا فى طريقى إلى مدينة اسطنبول التركية لقضاء إجازتى السنوية، وقد زرت هذه المدينة أكثر من مرة كان آخرها منذ حوالى ثمانى سنوات عندما كنت فى طريقى إلى كازاخستان، وأذكر أنه منذ مايزيد على عشرين عاماً كانت تركيا قد سقطت اقتصادياً وتعانى من مشكلات كثيرة اقتصادية وسياسية.. وأذكر فى هذا التوقيت أن العملة التركية «الليرة» كانت قد انهارت بشكل مخزٍ، والآن تغير الحال التركى بشكل رائع، فقد استعادت العملة التركية قيمتها وأصبح الدولار الواحد يساوى ليرة وثمانية من عشرة.. وبدأت تركيا تخطو خطوات سريعة نحو التنمية وبناء اقتصادها الذى كان على وشك الانهيار الكامل. ماذا فعل الأتراك ليتغير هذا الحال المايل إلى الأفضل؟.. الذى فعله الأتراك هو تغيير النظامين السياسى والاقتصادى، فالسياسى باتباع الديمقراطية الصحيحة واحترام رأى المعارضة والاستجابة إلى مطالبها والأخذ بها طالما أن ذلك ينفع الدولة التركية ويخدم الوطن التركى، وعلى الجانب الآخر الاقتصادى فقد تم إعادة هيكلة الدولة التركية بكل قطاعاتها الاقتصادية بدون استثناء، وإعادة تأهيل المواطن التركى بما يتمشى مع النهوض به وتحسين مستواه المعيشى، والقضاء على الفقر، ودعم المصانع ومواقع الانتاج، والبحث عن الحلول الحقيقية لمشاكل رجال الأعمال الأتراك، وتوفير فرص العمل المناسبة. بتغيير السياسة الاقتصادية، أصبحت تركيا الآن التى زرتها منذ حوالى عشرين ومنذ حوالى عشر سنوات وثمانى سنوات ليست تركيا القديمة التى كان يعانى أبناؤها من الفقر والجوع وارتفاع نسبة المتسولين بشوارعها.. الموقف تغير تماماً وأصبحت تركيا الآن تحتل المرتبة الأولى فى تصدير الملابس الجاهزة خاصة إلى الدول العربية ومن بينها مصر التى تحصل على أكبر نسبة من واردات تركيا من الملابس خاصة «بناطيل» «الكايبوى» و«الجينز».. النهضة التركية التى شهدتها بلادهم بدأت من تغيير نظام التعليم والذى أصبح يتناسب مع معطيات الحاجة، وأذكرأننا فى مطلع التسعينيات كنت قد التقيت مسئولين أتراكاً أثناء إجراء الانتخابات البلدية عندهم أو ما نطلق عليها المحليات..وكانت كل مطالب هؤلاء المسئولين تنحصر فى ضرورة تغيير سياسة التعليم،وبدأ هذا الحلم التركى يتحقق وتم اجراء نهضة شاملة في جميع مراحل التعليم، ليستفيدوا من ذلك فى بناء الشخصية القادرة على دخول مواقع الانتاج بفكر وعقل جديد حتى تتمكن البلاد من تحقيق حلم المواطن فى الحياة الكريمة. ومرت شهور تخطت الستة عشر شهراً على ثورة مصر العظيمة والذى تهاوى فيها نظام سياسى كان عاتياً وقاهراً للبشر، ودخلت البلاد فى صراع سياسى طوال هذه المدة وانغمس المواطنون فى الصراع السياسى، ما بين مؤيد لحزب بعينه، وبين آخر لجماعة بعينها، ولأننا منذ الثورة بدون دستور، فقد راح الجميع يتخبط لا نستثنى أحداً من هذا التخبط، وكان المردود الطبيعى أن تاه المواطن بين الجميع، وتعطلت مواقع الانتاج،وتم اغلاق العديد من المصانع، وراح كل الناس يتصرفون طبقاً لأمزجتهم وهواهم أو ما يحقق لهم المنفعة الشخصية الضيقة على حساب الوطن، وكثرت عمليات التخوين والتشكيك بين الجماعات السياسية المختلفة. وتناسى الجميع الحالة المضنية التى جعلت الناس يعيشون حياة «الضنك» والفقر الشديد، فمرور حوالى عام ونصف العام على الثورة بدون تحقيق حياة آمنة وكريمة للناس يعنى أن الجميع انشغل بالصراع السياسى ولم يعد أحد يفكر فى كرامة المواطن المطحون والوطن الجريح..وهذا هو الفرق بين النهضة التركية التى شهدتها بلاد «الأستانة» سابقاً وبدون ثورة،وبين ما تشهده مصر حالياً والتى قامت بأعظم ثورة فى التاريخ الحديث..لماذا هذا الفرق؟ هذا ما سنكشف عنه لاحقاً.