يحمل شهر رمضان بين طياته عدة معانٍ دينية وروحانية.. ويأتينا كل عام في وقت مختلف. العوام يصومون نهاره ويحاولون إحياء ليله بقدر المستطاع، فماذا عن المبدعين؟ وماذا يمثل لهم هذا الضيف الكريم؟ هل هو فرصة للراحة والاستجمام والبعد عن العالم المادى، والغوص في الروحانيات والانكفاء علي الذات، أم أنه ملهم للإبداع علي اعتبار أن كثرة الطعام لا تعطي مجالًا للعمل الذهني؛ أم أنه مذيج من العمل الابداعي، والنهل من بركته.. وفي هذا التحقيق نحاول معرفة كيف يقضي المبدعون رمضان... يري الدكتور حامد عمار شيخ التربويين أن رمضان شهر السكوت ولزوم البيوت، كما يقول الصوفيون، وفيه يقل الحديث والحوارات والمناقشات الصوتية في مختلف المناسبات ويزيد من حيث التعبير الكتابي، ويقول عمار : "أنا في رمضان اكتب اكثر من أي شهر آخر، لأنني أكون متفرغا في المنزل لا أبرحه تقريباً، وتكون لدي مجموعة من المهام العلمية التي عادة ما أرجئها لرمضان, مثل الإشراف علي الرسائل العلمية ومراجعته وعندي أمنية في هذا الشهر الكريم وهو الانتهاء من كتاب "إصلاح التعليم بين المتن والحوامي"، وهو كتاب اتعرض فيه الي ضرورة الاهتمام بالمهام الأساسية في العملية التعليمية وترك القضايا الثانوية مثل الاعتماد والجودة، والهيئة العامة القومية للتقويم ومشروع الكادر الخاص بالمدرسين؛ وكلها اشياء تعد "هامشية" أما المتن فهو الاصلاح في جسم التعليم؛ بمعني الاهتمام بحوالي 17 مليون طالب في مختلف المدارس والعمل علي دراسة مشاكلهم وحلها ثم الانتقال الي طلبة الجامعات التي بلغت الآن 17 جامعة حكومية؛ بالإضافة إلي الجامعات الخاصة والمعاهد العليا". الناقد الدكتور عبدالمنعم تليمة يعتبر رمضان شهرًا استثنائيًا وله مائدة روحية عامرة قائلا: "لابد أن أقرأ قراءات مخصوصة، وجزءًا من القرآن وتفسيره في الطبري، وكذلك السيرة النبوية لابن هشام، وأقف عند كتاب علي هامش السيرة لطه حسين؛ وهو أغنية فكرية عالية جداً، وثراء أسلوبي ثم أذهب الي التصوف، وإمامه جلال الدين الرومي، ثم أزور الاماكن التي شهدت مراحل تكويني الاولي مثل مسجد سيدي أبوالسعود بحي مصر القديمة وهو متصوف عال جداً، مشهور شعبيا علي أنه جراح القلوب يداوي العاشقين، ويقام له كل ثلاثاء احتشاد جماهيري من جميع أرجاء مصر، ومولد يستمر ثلاثة أيام، والحقيقة أنني لزمت هذا المسجد قرابة الربع قرن، وأحرص علي زيارته والطواف حول مقامه، وبجوار مقام أصغر لزوجته، ومقام أصغر لولدهما، فالجو معطر يتسم بالحميمية لأسرة صغيرة متصوفة، ثم أعرج علي مسجد عمرو بن العاص، ولا أنسي التراث القبطي، كنيسة مارجرجس والكنيسة المعلقة، وأرجع في نهاية الشعر بشحنة هائلة من الروحانيات تكفيني طوال العام". أما الشاعر الكبير سمير عبدالباقي فيرى رمضان على طريقته؛ حيث يصف رمضان قائلا: "كان زمان رمضان أيام المؤذن يصيح فيألب الروح المعنوية للصائمين، وكان ذلك في تجميع الأسرة وصلة الرحم الذي انقطع بسبب صعوبة المواصلات وزحمة الشوارع وكما قلت سابقا رمضان من غير أبويا وأمي مفيش رمضان.؛ فالتليفزيون والمسلسلات حاصرت الناس في بيوتهم ولم يعد هناك مكان للحكمة من الصوم وهي التقوي، وكما قال القائل: "نصوم عن حلاله ونعمل حرامه".. أين الصغار الذين يلعبون في الشوارع فيشيعون البهجة والفرحة؛ أين القمر الذي اختفي وراء العمارات الشاهقة؛ فأنا الآن أجلس في بلكونة منزلي لا لأشاهد ولكن لأراقب الخناقات التي تشتعل لأتفه الأسباب وأتامل العبارات التي تخدش الحياء وأشاهد عجز رجال المرور عن تنظيمه، وأشهد ان رمضان تحول من شهر الزهد والتعالي علي متع الدنيا الي شهر الأكل والمظاهر والتنافس علي شراء الأشياء مع ان الناس كل الناس مرهقة وغلبانة". ويتفق معه الدكتور حامد طاهر في ان رمضان كان زمان فهو يتذكر طفولته التي كانت في حي الحسين، حيث الاسر متوسطة الحال وكان يتاح لنا فرصة اللعب لفترة اطول من الليل في هذا الشهر وكان لعبا بريئاً، وكان أهلنا يدفعوننا الي الحياة الدينية وسماع القرآن والصلاة في مساجد الحسين والسيدة زينب.. هذه الطفولة لا أجدها الآن بسبب ضيق الشوارع والسيارات المركونة فيها، والنوادي إن وجدت لا تؤدي هذه الروح الرمضانية اللهم إلا في بعض الاحياء الشعبية.. وشهر رمضان فرصة كبيرة للقراءة.. فأنا قرأت كتاب الفتوحات الملكية لابن عربي وهو مجلد ضخم مليء بالروحانيات في رمضان، وكذلك ألفت كتابي "عناقيد الحكمة".. و"المختصر في الحب".. والآن أتابع الكتابة في وسائل الإعلام.