ثمانون عاما هى عمر جماعة الإخوان المسلمين، التي اتخذت منذ نشأتها عام 1928 شعار "الإسلام هو الحل" حتى ثورة 25 يناير، تلك السنوات يطلق عليها في أدبيات الإمام حسن البنا "مرحلة الصبر"، ومع زوال حكم مبارك انتقلت الجماعة إلى ما يسمى بمرحلة التمكين مستظلة بشعار يتناسب مع هذه المرحلة "نحمل الخير لمصر". في نهاية الأربعينيات برز الدور السياسي والدعوي لجماعة الإخوان المسلمين ، وكانت العبارة الخالدة داخل التنظيم الحاضرة في كافة الفعاليات "الله غايتنا..رسولنا زعيمنا.. قرآننا دستورنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، دافعا لشباب الأقباط وقتئذ لتأسيس كيان قبطي موازٍ حمل اسم "جماعة الأمة القبطية " التي تبنت شعارا دينيا مماثلا "المسيح غايتنا..الإنجيل دستورنا..الموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا"، واستطاعت تلك الجماعة استقطاب أعداد كبيرة من شباب الأقباط رغم عداء شديد كان بينها وبين مجلس قيادة الثورة انتهى إلى حلها عام 1954، الفارق بين الجماعتين "الأمة القبطية - والإخوان المسلمين"، أن الأخيرة صمدت بالتنكيل، واستطاعت عبر تنظيمها السري أن تحافظ على هيكلها حتى الآن، بينما تراجعت الأمة القبطية في أعقاب صعود لافت لدور الكنيسة في فترة ما بعد الستينيات. وجدلية إعادة التاريخ بعد زهو سياسي ل"الإخوان" إزاء تقلد أحد أبنائها منصب الرئيس، دفع شباب الأقباط الآن إلى تنظيم كيان قبطي جديد تحت مسمى الإخوان المسيحيين، والتاريخ في الإعادة حسبما قال ماركس يعيد نفسه مرتين الأولى مأساة والأخرى مهزلة. وعن السجال السياسي بين الكيانات "الإسلامية والمسيحية" لاينبؤك مثل خبير، يزيد عمر المفكر الإسلامي جمال البنا عن عمر جماعة شقيقه ب 7 سنوات، شاهد بحكم القرب من نشأة الإخوان على مراحل الضعف والعنف والتنكيل والازدهار، وعطفا على درايته بالجماعة، فإن تطور الحركات القبطية متغير تاريخي أولاه "البنا" دراسة ونقدا. المفكر الإسلامي ذو ال93 عاما، لم يهتز من إعلان تأسيس كيان قبطي وليد يسمى – جماعة الإخوان المسلمين –قابل الطرح القبطي الوليد ب"ابتسامة" تحمل تفسيرات متعددة، استرجع ذاكرته التاريخية التي تحوي بين دفتيها آلاف الكتب التراثية ،فضلا عن معاينته المستمرة لحركة التاريخ منذ نعومة أظفاره، توقف البنا -عند جماعة الأمة القبطية - التي كان من الممكن إذا حالفها الإستمرار أن تصبح كيانا منافسا ،،وأجاب بهدوء الواثق عن سؤال حول مستقبلها، قائلا "هذه الجماعة لم تنجح ، والدولة عجلت لهم ولم تترك لهم فرصة الانتشار"، البنا المثير للجدل – فكريا- لايرى ثمة تشابه بين الجماعتين القبطيتين "العريقة، والوليدة" ، والإخوان المسيحيون بحسب توصيفه- لن تنجح لمجرد تشابه الأسماء بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، متوقعا صداما حتميا بينها وبين الدولة. الأفضل بالنسبة لشباب الأقباط، حسبما يطرح جمال البنا، تأسيس جمعية مماثلة ل"الشبان المسيحيين" المستمرة إلى الآن، تفاديا لصدام مرتقب بين "الإخوان المسيحيين" والكنيسة على خلفية رغبة الكنيسة الجامحة في تمثيل الأقباط روحيا وسياسيا. المفارقة بين المشهد التاريخي ل"الأمة القبطية، والإخوان المسيحيين" من ناحية، والإخوان المسلمين من ناحية أخرى، دافع للحوار مع المفكر الإسلامي الكبير الذي امتد لما يقرب من 45 دقيقة، كان خلالها رغم حصار المواعيد، هادئا ..وإجابته على كافة الأسئلة ممهورة بابتسامة تروح وتغدو كلما مرت عبارات التاريخ الذي يحمل بالنسبة له عبق الذكرى، وبالنسبة لنا وضوح الفكرة، متبوعة بعلامة استفهام ..إلى الحوار.. - ارتبطت فترات ازدهار جماعة الإخوان المسلمين على الصعيد السياسي ، بظهور حركات قبطية موازية..تاريخيا كانت جماعة القبطية في الخمسينيات..والآن تظهر بوادر تأسيس جماعة الإخوان المسيحيين..إلى أي مدى يمكن المقاربة بين المشهدين؟ كانت فترة الخمسينيات فترة ازدهار سياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وفعلا ظهرت جماعة الأمة القبطية كرد فعل، لكنها لم تنجح لأن الدولة أعجلت عليها ، ولم تتح لها فرصة الانتشار، ولو أنها كانت مثل -جمعية الشبان المسيحيين -لاستمرت حتى الآن، بينما جماعة الإخوان المسيحيين التي أصبحت حديثا متداولا الآن، أغراها الصعود السياسي الذي حققته الجماعة بعد الثورة ، ولن يكتب لها النجاح ، وستحاربها الدولة. - لماذا حكمت على التجربة بالفشل قبل أن تبدأ، رغم إعلانها عن وجود مقرات في 16محافظة وبعض المقرات في دول أوروبا؟ ليس معنى اقتباس اسم "الإخوان" حتمية نجاح الفكرة، الإخوان المسلمون مشوا في طريقهم خطوة بخطوة، وكان مصطفى النحاس باشا بيحسبهم – جماعة صوفية، والإخوان المسيحيون لديهم آمال وتصورات، وعندهم أمل في النجاح مثل أي فرد يفتح محل و"شايف إنه هيكسب". - برأيك ما الذي يدفع الأقباط إلى اللجوء ل"تنظيمات موازية" للإخوان المسلمين على فترات متقاربة من التاريخ؟ الدافع إلى تكوين كيانات قبطية تجمع الأقباط، لمنافسة الإخوان المسلمين تاريخيا هي الحساسية الدينية، يأتي ذلك لأن هناك شعورا متصاعدا لدى قطاع ليس بالقليل بأن كل ما يمدح الإسلام يهين المسيحية..رغم أن ذلك ليس صحيحا. - إذا هل أنت مع أو ضد تأسيس جماعة الإخوان المسيحيين؟ أنا مع حق الأقباط في تأسيس أي جماعة يعملون من خلالها، ومع تأسيس الإخوان المسيحيين ،لكنهم سيلاقون ما لاقاه الإخوان المسلمين من تنكيل وتعذيب. - بماذا تفسر جنوح الأقباط بعد الثورة إلى زعيم ملهم يلتفون حوله رغبة في تحقيق مطالبهم ، خاصة بعد رحيل البابا شنودة؟ - هذا وضع طبيعي، والأقباط يبحثون فعلا عن زعيم ملهم بعدغياب البابا شنودة ، وأحيانا كثيرة يفقدون حظوظهم بسبب غياب الزعيم. - إذا هل من الممكن وجود شخصية قبطية على طريقة "حسن البنا" ينهض بالإخوان المسيحيين؟ الأقباط ليس فيهم قائد مثل حسن البنا- يستطيع تمرير الفكرة ل"بسطاء الأقباط"، والإخوان المسلمين بتفاصيلها لن تتكرر، لأن التاريخ لايعيد نفسه. - بحكم خبراتك التاريخية ..كيف سيكون موقف الكنيسة من هذه الجماعة الناشئة؟ الكنيسة لن تبارك مثل هذه الجماعات ،لأنها تفضل دائما أن تكون هي الهيئة الوحيدة التي تمثل الأقباط، والأقرب للواقع أنها ستقف موقفا سلبيا من "الإخوان المسيحيين". -هذا عن موقف الكنيسة، فلماذا يتنكر كبار المفكرين الأقباط ل"فكرة الجماعة"، ويهاجمون تأسيسها ويصفونها بأنه آداة لتقسيم مصر؟ المفكرون الأقباط يدركون أنه لا دولة في "المسيحية"، ولا يعارضون تأسيس الجمعيات بشرط ألا تطلب السلطة ، وإنما تهرب منها وفقا لتعاليم الكتاب المقدس ، كما أنهم يريدون لمن يرغب في ممارسة السياسة الانضمام للأحزاب السياسية والانخراط في العمل الوطني. - برأيك كيف يمكن إعادة الأقباط للتعاطي مع الشارع السياسي مرة أخرى؟ عودة الأقباط للتفاعل مع الشارع السياسي يرجع إلى ممارسات الإخوان المسلمين في الفترة القادمة ،وإذا اتجهت الممارسات الإخوانية باتجاه المواطنة ستشجع الأقباط على العودة للتأثير في الحياة السياسية مرة أخرى. - كيف ترى شخصية البابا القادم بحكم معايشات ل"3 من بابوات الكنيسة"، وإلى أي مدى تأثره بالبابا شنودة؟ البابا القادم لن يكون مثل البابا شنودة ،لأن الأخير كان متشددا، في حين أن البطريرك ال118 سيعمل وفقا للتقليد الكنسي. - هل أخطأ الإخوان المسلمون بالتنازع على السلطة؟ وهل سيؤثر ذلك على الرسالة الدعوية للجماعة؟ وصول الإخوان للسلطة ميزة لهم، لكن الأفضل أن يبتعدوا عنها ويتفرغوا للرسالة الدعوية حتى يريحوا ويستريحوا، والبنا كان ضد السياسة، وفي أعوام 1946،47،48 كان تأسيس الأحزاب السياسية متاحا لكنه لم يفعل، وكانت الإخوان وقتها ذات انتشارقوي، وسط مجتمع ليبرالي، ولو كانت أولوية لأسس البنا حزبا للجماعة، والأجدر القول بأن الإخوان جماعة دعوية حملت على السياسة. - كيف ترى الجدل الدائر حاليا حول تعيين نائب قبطي للرئيس من ناحية ، وتعديل المادة الثانية بالدستور من ناحية أخرى؟ مسألة تعيين نائب قبطي للرئيس لا تستحق كل هذا الجدل، والدعوة إلى ضرورة موافقة الكنيسة على الشخصية المزمع تعيينها تحكّم مرفوض، ولو جاء نائب قبطي متعصب سيكون ضد مصلحة الأقباط وليس ميزة لهم، أما ما يتردد حول تعديل المادة الثانية من الدستور فهو "كلام فارغ"، ولو انسحبت الكنائس من التأسيسية معها الحق، لكنه حق سلبي.