كثرت فى الآونة الأخيرة حالات الإنتحار ، ولم تعد تقتصر على المرضى النفسيين الذين لم يجدوا العناية والعلاج المناسب ، بل تعداه إلى الشباب والأطفال من كل الأعمار ، فمازالنا لانعترف بالمرض النفسى الذى يرتبط فى أذهاننا بالجنون ، وهناك إحصائية تقول أن غالبية الشعب المصرى يعانى من الإكتئاب لكن تختلف درجاته من شخص إلى آخر ، فهل إسودت الدنيا فى عيون البشر إلى هذا الحد ؟ هل اليأس والإحباط تملكا من العقل والوجدان فأصبحت كل الطرق مسدودة ، أم الأنانية والجحود الظلم والتسلط والطمع والجشع أسباب دفعت العديد ممن ليس لهم سند فى الحياة من التخلص من حياتهم بأقصر الطرق ، هل إهمال الوالدين وانشغالهم عن فلذات أكبادهم بالسعى وراء لقمة العيش فتركوا الأبناء نهبا لأصدقاء السوء أو الجلوس أما شاشات النت والفضائيات فيجدون فيها الملاذ الآمن والتعويض من الحرمان العاطفى والإحتواء يستقون منهما الأفكار التى تخالف ماتربوا عليه من قيم ومبادئ خاصة إذا كانوا فى مراحل المراهقة التى يسهل فيها التأثير على الفتيان والفتيات ؟ الفقر والعوز والبطالة التى استشرت فى المجتمع المصرى وساهم فى تفاقمها النظام الفاشل وازدادت حدتها بعد قيام الثورة لأننا مازلنا بعيدين عن الإستقرار واستعذبنا المليونيات والإعتصامات والوقفات الإحتجاجية ولم نتطلع الى خطوات مستقبلية تقيمنا من عثرات الطريق ، نبكى على الماضى ونرمى كل الأحمال على الدولة كنوع من الإتكالية كل ذلك مع انتشار المخدرات بأنواعها وسهولة الحصول عليها للدرجة التى أصبحت فيها تباع فى بعض الأماكن دون مداراة مما ساهم فى لجوء هؤلاء المحبطين إلى الإدمان بأنواعه كنوع من الهروب من الواقع المؤلم ، فأصبحوا يسيرون مغيبين عن واقعهم ، أعتقد أن الأسباب جميعها قد تدفع بعض الناس إلى الإنتحار خاصة ضعيفى الإيمان فالصلاة تجلى الأعماق وتضئ غياهب الأغوار ، فالإنتحار كفر بنعمة الحياة ، ولا ننكر أن مشاهد العنف التى أصبحت سمة العصر فى جميع نشرات الأخبار فالحروب التى تخلف قتل وذبح وتدمير تعانى منها دول عديدة فى أرجاء العالم بالإضافة الى الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير ، كلها مشاهد أصابت الإنسان بالتبلد فلم يعد ينتفض لرؤية الدماء والاشلاء ، لم يعد يتحرك وجدانه أسفا على موت طفل بطلق نارى أو رصاصة إخترقت قلب كهل أو أم تحمل فى أحشائها جنينا مازال لم ير النور بعد ، البرامج جلها لايقدم لنا على مدار الساعة إلا السلبيات من خطف وقتل فأصبح الأمر وكأنه يبدو عاديا ، وتنوع الإنتحار مابين الشنق أو السقوط فى نهر النيل أو إبتلاع كمية كبيرة من الأدوية التى تسبب هبوطا حادا فى الدورة الدموية ليفقد الإنسان روحه فى دقائق معدودات ، والكل مشغول بالأحداث الجارية التى لا يمكننا التنبؤ بها حتى على المدى القصير بحيث لم نعد نعرف ماهى الأسباب التى تدفع للإنتحار وسبل العلاج من وجهة نظر المتخصصين ، وانشغل الإعلام بالبرامج الحوارية المتكررة بنفس الضيوف خاصة منذ بداية الثورة وحتى الآن دون النظر لأهمية دراسة هذه الظاهرة المخيفة التى تهدد العديد من الأسر بل تهدد المجتمع بأسره ، ومن المقلق فعلا أن أسباب الإنتحار أصبحت أسبابا غريبة فطالب ظل متفوقا ثم أخفق فى أحد الأعوام ، شاب خطب فتاة ولم يستطع الوفاء بتعهداته المادية ، وآخر لم يستطع الحصول على فرصة عمل مناسبة ، أب يتخلص من أولاده ليحميهم من الفقر ، طالبة لم توفق فى إمتحانات الثانوية العامة ، طفل يشعر بإضطهاد إخوانه الأكبر سنا والوالدين لم يحميانه ويتركانه نهبا للتسلط ، فهل تلك الأسباب تدفع للإنتحار ؟ هناك خلل سلوكى تشترك فيه الأسرة والمدرسة المسجد والكنيسة ،الإعلام والدولة وأعتقد أنها منظومة متكاملة ولا ننكر أن للوضع الإقتصادى المتردى الذى نعانيه وضعف الإرادة والشخصية والخوف من الغد دورا فى تفاقم المشكلة فماذا نحن فاعلون خاصة أنه لم يعد يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ عن منتحرين جدد