كتبت_ سمية عبدالمنعم: مصر التي تحتضن الإبداعات العربية المتميزة من المحيط الى الخليج ؛ باتت متهمة اليوم زورا بالانكفاء على نفسها والاغراق في نرجسيتها والاكتفاء بصورتها في المرآة . في هذا الباب ندحض هذا الكلام المرسل على عواهنه ونستعيد نبض التواصل من خلال أدباء مصريين يكشفون عن أسماء عربية فتنتهم إبداعيا. موعدنا اليوم مع الكاتب والمبدع محمد بركة، ليبحر بنا عبر تجربته مع ابداع من نوع خاص للشاعرة التونسية زليخة عوني... فيقول بركة عن إبداعها: " لا ، لا أقصد هنا زليخة امرأة العزيز التي قالت للنبي الذي أوتى ما لم يؤته رجال الأرض جمالا ووسامة هيت لك ، و لولا أن رأى سيدنا يوسف برهان ربه لاستسلم لغوايتها . أتحدث عن زليخة أخرى ، تعيش بيننا و ترسل للكاميرا نظرات بعيدة غامضة ، فلا تعرف أهى السعادة حقا ترتسم بعيون سوداء حزينة أم مرارة متوارية بسبب ما فعلته الأيام ؟ زليخة المعنية هنا هى زليخة عوني ، الشاعرة التونسية ، التي صدر لها مؤخرا ديوان " هويتي عشقي " الصادر عن دار " البيان " ببنغازي ، ليبيا . أجرمت زليخة – بحسب المعايير السائدة في الوسط الثقافي العربي حاليا – فلم تكتب حسب الموضات الرائجة بالأسواق ، لم تفتعل كلمات حسية حميمة حتى ينتبه السكارى على موائد الإبداع و يتلمظ العجائز من النقاد ويهتف هاتف : مرحى أيتها الجميلة ....هكذا تكون كتابة الجسد ! جريمة زليخة أنها تعاملت مع الحب بوصفه عصفور عنيد نطارده و ليس بالضرورة ليلة حمراء في فندق صغير على أطراف المدينة : حبك سيدي مثل الفضاء رحب و ممتد كامتداد البسيطة حبك حولي يطوف كنسائم صيف ليلية يأخذني لمدائن عشق سحرية وأغني : أنا العاشقة السمراء أنا الملهمة الشقراء جريمة زليخة تتبدي أكثر كلما أبحرنا بين ضفاف الديوان ، فالشاعرة – و ياللهول – لا تزال تستدعي الموسيقى و تحن للأوزان دون أن تقع في أسر الماضي ، فتأتي قصيدتها مثل ورود مبتلة بندى الفجر : إنني شتاؤك حين تلتهب الأشواق خلف غيمات المساء أوازن التفاصيل بالخلجات أُسكن اللهيب بالنسمات كي يزيد حبنا للشتاء وتزيدك اشراقتي انتشاء ما هذا الذي تفعلينه يا زليخة ، كيف تجرئين على اقتراف الجمال و الدفء ، كيف تأتي عبارتك أنيقة سهلة بسيطة ، أما تعرفين أن التعقيد من متطلبات الحداثة و الغموض المعتم المنفر من لوازم ما بعدها على الطريقة العربية ؟ خطير هو الجر منك الفعل يجر الأفعال وأنا لا أحب القيل وأخشى القال لذا أرفع ما يُنصب و أنصب المرفوع و أجازف أحيانا فأفتح السكون وألف الجمال عزيزتي زليخة ، لن تكوني ضيفة مرحبا بها على موائد صناع المجد الغارقين في بؤسهم ، لأنك مختلفة و لديك تصورك عن الإبداع الذي يناقض مفهوما محددا للتمرد و الجسارة صكه كهنة المعبد والآباء المؤسسين لفن ابتزاز المواهب النسائية الجديدة !