يوماً.. سأل صحفي الرئيس السابق حسني مبارك عن سبب تمسكه برئاسة الحزب الوطني الحاكم.. خاصة أن المعارضة في مصر تلح في الطلب من الرئيس السابق ترك رئاسة الحزب الوطني كي يشق طريقه بين الأحزاب القائمة ما دام مطمئناً إلي أغلبيته، وحتي لا يظل الحزب هو الدولة والدولة هي الحزب؟.. وبدون تفكير أجاب الرئيس علي سائله بقوله: كيف أترك رئاسة الحزب الوطني!، إنني لو تخليت عن رئاسته فسيتحول الحزب إلي شظايا.. واكتفي الصحفي بالإجابة التي حملت دلالاتها الكثير الذي أوله اعتراف الرئيس السابق بحقيقة أنه لا حزب بهذا الاسم، بل هو قائم عنده كل الإمكانيات طالما أنه يرتبط بقيادة الرئيس، ولم يكن صاحب الإجابة في لحظة صدق بقدر ما قفزت إلي عقله دون أن - يمررها علي هذا العقل - تلك الإجابة الشافية، التي كان صاحبها يعرف جيداً ماذا يعنيه أن يتحول حزب يسمونه زوراً »حزب الأغلبية« التي لم تستطع أن تنهض دفاعاً عن حزبها وقيادته وإنجازاته بثورة عارمة تأكل الثورة التي أطاحت بالحزب وصاحبه والنظام الذي يجلس علي قمته، وفي التحقيقات التي جرت حتي الآن بشأن ما جري في »موقعة الجمل« التي ذهب ضحيتها عشرات القتلي والمصابين يجد كل من يتابع ما ورد فيها حتي الآن أن الانقضاض علي ثورة 25 يناير »بالخيل والبغال والجمال وحتي الحمير« إنما كان نتاجاً لفكر أقرب إلي أفكار مجموعة من »العربجية« الذين ارتبطت حياتهم في تفاصيلها اليومية بهذه الدواب! ولا يصدق أحد في العالم أن هؤلاء الذين رتبوا علي عجلة من أمرهم حملة »الخيل والبغال والجمال والحمير« مع أجولة الرخام المكسور.. هؤلاء الذين حكموا مصر بهذه القبضة الحديدية الشرسة لثلاثين عاماً باسم هذا الحزب الموهوم الذي وصفوه بحزب »الأغلبية« و»لجنة سياساته« التي قادها نجل الرئيس السابق فكانت طريق »الرغد« لنجوم الإعلام والفتوي في كل شيء، فإذا بكل هؤلاء لا يتفتق ذهن أي منهم إلا عن شن الحرب بالدواب والبلطجية والسيوف والجنازير والسنج في »ثورة مضادة« لثورة الشعب، تمولها أموال السارقين أعداء هذا الشعب! هل كان لمثل هؤلاء - وخيالاتهم سقيمة إلي هذه الحدود - أن ينتصروا علي من اجتمعت كلمتهم في ميدان التحرير علي أن »الشعب يريد إسقاط النظام« ولم يكن هناك ما يرتب للقائهم التاريخي هذا غير وسائل ثورة الاتصال؟.. لقد كان أصحاب فكر »العربجية« يملكون الكثير من وسائل الاتصال الحديثة، يستوردونها حتي لقصورهم وفي سياراتهم التي سرقوها، لكنهم لهول ارتباكهم، ارتدوا إلي أصولهم الفكرية التي ما تجاوزت كثيراً فكر »جُلاس المقاهي« المترتبين لما يمكنهم أن يسرقوه من البلاد أو لملمة شظايا »الحزب الذي كان«!