صمود الشعب المصرى كان سببًا فى جلاء آخر جندي إنجليزي عن الأراضي المصرية فى الثامن عشر من يونيو عام 1956، بعد توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا فى 19 أكتوبر 1954، ليحتفل المصريون ب"عيد الجلاء" للقضاء على الاستعمار فى مصر بعد أن روت دماء الشهداء الاراضى المصرية على مدى سنوات من النضال والتضحية ثمنًا للدفاع عن البلاد. "عيد الجلاء" يعيد إلى الذاكرة نضال نضال الشعب المصري وتضحياته التي تعيش في وجدان المصريين جيلا بعد جيل، من ثورة عرابي ضد غزو الأساطيل والجيوش البريطانية، وثورة 1919 الوطنية التي قادها سعد زغلول، وانتفاضة الشعب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإضراب جميع الطوائف بمن فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم في أكتوبر عام 1947 وأبريل عام 1948، والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في قناة السويس فور رفع الأحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، وانتهاء باستمرار هذا الكفاح بعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، إلى أن تحقق الجلاء في يوم 18 يونيو 1956 بعد احتلال دام أكثر من 73 عاما. جلاء الانجليز عن أكبر عن قاعدة حربية لبريطانيا في الشرق الأوسط "قاعدة قناة السويس"، التى كانت تمتد بطول القناة من بورسعيد حتى ميناء الأديبة على خليج السويس، واقامت بريطانيا على طول القناة سلسلة من الاستحكامات والمطارات والمنشآت العسكرية، وكان مقرهم الرئيسى فى "فايد"، وكانت "أبو سلطان" مستودعًا للذخيرة والمفرقعات، ووشيدوا بأبو صوير المطار العسكري المشهور، وتحولت التل الكبير إلى معسكرات. وبموجب الاتفاقية نجحت مصر فى تسلم منشآت تقدر قيمتها فى حينها ب 60 مليون جنيه، من بينها 23 منشأة و10 مطارات كاملة، وعلى رأسها مطار أبو صوير ومطار الدفرسوار الواقع في الركن الشمالي الغربي للبحيرة المرة الكبرى بجوار القناة، فضلًا عن استعادة بيت البحرية ببورسعيد، ميناء الأدبية بخليج السويس، معسكرات الإسماعيلية وما جاورها، معسكرات التل الكبير، معسكر الشلوفة، وثكنات ومبان ومصانع ومخازن وورش ومحطات توليد الكهرباء ووابورات للمياه وسكك حديدية وقاطرات وكبار، أرصفة الموانئ، وخط أنابيب البترول بين السويس والقاهرة وتقدر قيمته بمليونين ونصف مليون جنيه. إنضمام الجيش إلى الشعب المصرى فى معركة التحرير وجلاء الانجليز ، كان أهم نتائج ثورة 23 يوليو، ما جعل الاحتلال يرى أن انضمام القوتين العظمتين فى الثورة يجعل بقاء الاحتلال في الى شبر من اراضى الوطن أمرًا مستحيل ولا خيار سوا الجلاء عن منطقة القناة، ورسمت حكومة الثورة عام 1953 خطوط الكفاح، وأمدته بالعون والتنظيم. وتأزم الوضع وتوتر في يوليو عام 1953 ، وأنذر قائد قوات بريطانيا الحكومة المصرية بضرورة عودة أحد رجال الطيران المختفي، في موعد أقصاه الساعة التاسعة، فى صباح الاثنين 13 يوليو، حتى لا تستخدم اجراءات شديدة تثير الذعر بين المدنيين المصريين في الإسماعيلية. ازدادت حوادث المقاومة المسلحة فى القناة ضد الإنجليز، قدمت السفارة البريطانية إلى مصر احتجاجا على زيادة عدد الحوادث في نوفمبر عام 1953، وأمنعت بريطانيا فى العدوان على مصر بعد مؤازرة امريكا لها، فى ديسمبر 1953 اجتمع اقطاب الغرب في "برمودة" ، وحدثت حركة واسعة داخل معسكرات القناة، وتعددت الحوادث ضد الجنود الإنجليز، بعدها أعلن سلوين لويد وزير بريطانيا، انه من المستحيل التوصل إلى اتفاق مع مصر، فى حال استمرار الحوادث واختفاء الجنود الانجليز فى القناة. وفى 27 يوليو عام 1954، توصل الطرفان إلى ابرام الاتفاقية الأولى للمبادئ الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح إعداده لتنظيم الجلاء، ووقعها الطرفان بالأحرف الأولى، في بقاعة الاجتماعات بدار مجلس الوزراء، ووقعها عن الجانب المصري الرئيس جمال عبد الناصر، وعن الجانب البريطاني أنتوني هيد وزير الحربية البريطانية. وفي 19 أكتوبر عام 1954، تم إبرام عقد الاتفاق النهائي التفصيلي المتضمن تنظيم عملية الجلاء وأحكامها، وكان رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، يعارض دائما مسألة الجلاء عن مصر، ولكنه اضطر تحت ضغط الظروف والتطور أن يذعن لإرادة الشعب المصري، وكان أنطوني إيدن وزيرا للخارجية، وقال في صدد الاتفاق "إن الجلاء عن قاعدة قناة السويس أفضل بكثير من الإبقاء على ثمانين ألف جندي محاصرين من شعب معاد لهم".