استطاع المواطن الإسرائيلي موشيه سليمان (58 عاماً) الذي يلقب ب"بوعزيزي الإسرائيلي" أن يهز عرش رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بعدما أشعل النيران في نفسه خلال فعاليات تظاهرة أقيمت أمس الأول في تل أبيب احتجاجاً على غلاء المعيشة. ويعانى سليمان من ضائقة مالية بسبب الديون الربوية المتراكمة لمؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية، والتي على أثرها صادرت إسرائيل شقته وشقة والدته. وتناولت كافة الصحف الإسرائيلية الخبر فى صفحاتها الرئيسية موجهةً النيران والنقد لحكومة نتنياهو وسياساتها الرأسمالية التي لم تأبه للرسائل السابقة لبوعزيزي الإسرائيلي (موشيه سليمان) التي أعلن فيها عن نيته الانتحار بسبب نتنياهو وظلمه. تحت عنوان "كلنا موشيه سليمان"، ذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن ما فعله سليمان هو لسان حال الميادين الإسرائيلية الغاضبة من حيفا حتى بئر سبع، حيث خرج المئات من النشطاء الإسرائيليين في مظاهرات حاشدة بعد 24 ساعة من إقدام موشيه سليمان على إحراق نفسه، متوجهين إلى مقر مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية وألقوا عليها البيض والحجارة، وأغلقوا العديد من شرايين المرور الرئيسية والشوارع في القدس وبئر سبع وحيفا ورمات جان والطرق المؤدية إلى المجمع الحكومي في تل أبيب مرددين شعار "نتنياهو أنت حرقتني أنا أيضاً". من جانبها، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن موشيه سليمان فعل ذلك لأن ثمة أحدا لم يسمعه، مؤكدة أنه لا حياة لمن تنادي في حكومة نتنياهو. وأضافت الصحيفة أن سليمان الذي شعر بأنه لم يعد لديه ما يخسره أحرق نفسه أمام المتظاهرين في تل أبيب بعدما سيطر عليه اليأس ليستقر به الحال في المستشفى بين الحياة والموت بعدما أصيب بحروق خطيرة شملت 90% من أنحاء جسمه. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن أخت موشيه سليمان قولها: " تدهورت حالته النفسية بعدما سلبوه كل ممتلكاته العمل، والشاحنة، والبيت، وتوجه إلى كل السلطات إلا أن أحداً لم يسمعه"، مشيرة إلى أن سليمان حذر من إقدامه على عمل خطير ومتطرف إلا أنه لا حياة لمن تنادي. وأكدت الصحيفة أن مؤسسات الرفاه الاجتماعي الإسرائيلية تتوقع إقدام المزيد من الإسرائيليين الذين يعانون بسبب غلاء المعيشة على عمل مثل سليمان، مشيرة إلى أن الجمعية الخيرية "ياديد"(صديق) تلقت منذ صباح اليوم بلاغين بوجود شخصين يهددان بالانتحار بنفس الطريقة بسبب ضيق سبل المعيشة، فضلاً عن مواطن إسرائيلي آخر من مستوطنة أريئيل هدد بالأمس بإشعال النيران في نفسه أمام فرع شركة المحمول الإسرائيلية "أورانج" بمدينة بتاح تكفا بسبب ديونه التي بلغت 20 ألف شيكل، وهي الكارثة الثانية التي استطاع أن يمنعها أحد حراس الأمن بالشركة. وفي مقال آخر يندد بسياسات حكومة نتنياهو نشرته صحيفة "هاآرتس"، كتب "رويتال حوفيل" أن موشيه سليمان هو قصة انهيار الأمن الاقتصادي الإسرائيلي، مؤكداً أن كل ما أراده الرجل هو العيش حياة كريمة، إلا أنه خلال عشر سنوات تحول من صاحب عمل مستقل إلى شخص مشرد لا يملك حتى السكن نفد صبره بعد صراع طويل مع السلطات ودخل الآن في صراع جديد مع الموت. وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن أصدقاء موشيه سليمان لم يندهشوا عندما سمعوا أنه أحرق نفسه في تظاهرة بتل أبيب، مشيراً إلى أنه اتخذ قراره هذا بعدما رفضت الدولة مساعدته ومراعاة حالته الاقتصادية المتردية. وتابع الكاتب أن سليمان (58 سنة) لم يتزوج قط وليس لديه أطفال بسبب حالته المادية السيئة ورفض مؤسسات الرفاه الإسرائيلية طلبه للحصول على سكن في الإسكان الشعبي، مؤكداً أن حالة سليمان لن تكون الوحيدة في ظل السياسات الرأسمالية التي يطبقها نتنياهو والتي لا تنظر بعين الرحمة إلى الفقراء والمحتاجين. فيما رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن سليمان هو رمز للوضع الذي وصل إليه المواطنون اليائسون في إسرائيل في ظل غياب الأمن الاجتماعي، رغم أن البعض يعتبره مجرد حالة فردية لأزمة اقتصادية ويأس شخصي ولا علاقة له بالاحتجاج الاجتماعي. وأضافت المحللة الإسرائيلية "إيريانا ملاميد" في مقالها بالصحيفة أن التقاطب واختلاف وجهات النظر في توصيف حالة موشيه سليمان لا يخدم سوى الراضين والمنتفعين من السياسات الحالية والذين يريدون إبقاء الوضع على ما هو عليه، متوقعة أن يظل الحال على ما هو عليه دون أدنىى تغيير. وتابعت ملاميد أنه ليس من قبيل العبث أن وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حالة سليمان بأنها "تراجيديا شخصية" دون أن يتطرق إطلاقاً للجانب الاجتماعي لما فعله سليمان احتجاجاً على سياساته، وكذلك ليس من قبيل العبث أيضاً أن يأمر نتنياهو وزرائه بالنظر في حالته، وحالته هو فقط وليس النظر في السياسات المتبعة كلها وعلاج المشكلة من جذورها حتى لا يكون هناك الكثير مثله. وأضافت الكاتبة الإسرائيلية أن الإسرائيليين كلهم حالات فردية، وأن نتنياهو لازال يعتبر موشيه سليمان إنساناً وقع في ورطة، ومؤسسة التأمين التي من المفترض بها أن تنقذه من اليأس ستظل تعمل بنفس الطريقة، وكل شيء سيظل على حاله لأن حكومة إسرائيل ومؤيديها ليست لديهم القدرة على الاعتراف بمدى تعقد الموقف الحالي، وبأن الحكومة هي المسئولة عن تلك الحالة الفردية، وأن نشطاء الاحتجاج المتحمسين كاللهيب لديهم ما يبرر موقفهم، ورغم ذلك لازالت الحكومة غير قادرة اليوم على استيعاب أن الناس في دول أخرى يشعلون النار في أنفسهم عندما تسلب منهم الحرية وسبل الحياة ولا يجدون السبيل للتغيير، في إشارة للمواطن التونسي بوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه بعدما ضاق ذرعاً بالحياة وأصبح رمزاً للثورة التونسية.