من منطلق أن الكوميديا المصرية منذ فترة طويلة ترفع شعار الضحك من أجل الضحك؛ بدون أن يكون هناك رؤية ابداعية أخرى يتضمنها العمل؛ من هذا المنحنى يتناول الناقد لتلك الأعمال من خلال ما تعطيه من بهجة دون السقوط فى هاوية الإيحاءات الجنسية قولا وتلميحا؛ والتى هى التيمة الأساسية التى يدلف إليها أصحاب تلك الأعمال من منطلق، أنه وصفة مجرب نجاحها من قبل؛ مهما رفضها الذوق العام. وفى هذا العام قدمت سلسلة من الاعمال الكوميدية؛ وللأسف أن أغلبها استخدم هذا الأسلوب إلى جانب الاستخفاف المبالغ فيه بعقلية المشاهد، معتمدًا بعض نجوم الكوميديا الذين أفرزهم مسرح مصر؛ معتمدين على رصيدهم لدى الجمهور من هذا المسرح؛ الذى أرى عليه الكثير من التحفظات. ولم ينج من هذا الطرح سوى مسلسل دنيا سمير غانم «بدل الحدوتة 3» والذى حظى بقدر معقول من المشاهدة لاعتماده ليس فقط على الكوميديا البعيدة عن الإسفاف والإيحاء الجنسى؛ ولكن المتضمنة أيضا الاستعراض خفيف الدم الذى تؤديه دينا باقتدار؛ إلى جانب فريق عمل فى 3 حكايات المختلفة، فكل 10 حلقات هناك حكاية منفصلة والجميل فى هذا العمل أنه يركز على كل المبدعين به لتقديم صورة كوميدية كاملة. فتزداد مقدار الهوة والاتساع والشمول فى الرؤية لتكوين لوحة «فسيفساء» متقنة الصنع للعمل الكوميدى. بقدرة فائقة لتضفير الكوميديا الجياشة بالاستعراض بشكل كبير، ولقد كان لدينا دور كبير بقدرتها الخلاقة والفريدة على تحويل كل مشهد إلى مادة قابلة لتفجير الضحك التلقائى، وصهره فى شكل عمل إبداعى مفرداته بسيطة وليس به أى فذلكة!. وقدم العمل شخصيات غريبة الأطوار، فكانت وسيلة جيدة لاستكمال منظومة الكوميديا وخاصة أن معظمهم له رؤيته الخاصة بالإبداع. المبدع فى هذا العمل هو أنك تعرف أن كل شخص فيه يعرف ويدرك أنه ضمن منظومة أداء وأن الأمور لا تسير من خلال الارتجال الشخصى والخروج عن النص. فليس مهما أن تحاول لفت النظر اليك بمشاهد تضاف اليك ومساحة واسعة تتواجد فيها؛ ولكن الجميع عينه على الهدف النهائى؛ بتقديم عمل يشار فيه للجميع؛ ويرتبط فيه المشاهد بكل الممثلين. وأعتقد أن المرونة فى كتابة الشخصيات بدون التقيد بنرجسية النجم كانت صفة لازمة لهذا العمل، فترك الجميع بصمتهم الخاصة على كل مشهد قاموا به، مما جعل العمل تنفتح فيه آفاق رحبة للإبداع بشكل مختلف وعفوى. فكانت معظم المشاهد بعيدة عن الأكليشيهات المحفوظة والمعلبة، الجاهزة التى نراه دوما ورغم أن الحكاية الثانية فى المسلسل أعادت تقديم شخصية لهفة، التى سبق أن ظهرت فيها دنيا قبل أعوام برمضان 2015. ولكن هنا كانت لهفة «دنيا سمير غانم» مختلفة، فلم يقدمها العمل على أنها الكومبارس الساعية للبطولة السينمائية، ولكن مال إلى الدخول إلى عالم المهووسين بأن يصبحوا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعى، لذلك تبدأ الحلقات بهذا الجزء بمحاولتها جذب متابعين أكثر بتقديمها فيديو عن المكياج، حيث تضم صفحتها حوالى 1500 متابع فقط، بينما تتقرب من المشاهير، بينما يساندها والدها الحلوانى «سمير غانم» وزوجته أنيسة «شيماء سيف» التى تمتلك «سايبر» بالمنطقة؛ وفى الواقع أن شيماء طاقة كوميدية هائلة وقدرة على تلوين الأداء فى الثلاث حكايات، وهى من أهم عناصر نجاح المسلسل. إلى جنب «أحمد رزق» الذى ظهر اولا ككبير الخدم بفيلا السيدة أصيلة، المخلص بشدة لها ولعمله، لذلك قررت أن تنقل له ملكية القصر، ولكنها تتوفى قبل التوقيع عليه، لتطرده منه سريعا حفيدتها علياء، ليواجه مصيره وتتداخل مشاهده مع محاولة لهفة تزوير دعوة حضورها بأحد الحفلات الضخمة لمشاهير مواقع التواصل الاجتماعى، من خلال المعلم عمورة. وخاصة مع حصول عم سعيد على مهنة جديدة لمظهر، كجرسون بالحفلة ذاتها، التى يمنع فريق الأمن لهفة من الدخول لها ما يجعلها تحتال من أجل ذلك، بأن تستأجر مركبا صغيرة، ليجدها مظهر فتخبره أنها تعمل معه بالبوفيه، ثم تحاول التقرب إلى مشاهير السوشيال ميديا بالحفل، قبل أن تفتعل مشكلة مع واحدة منهم ومع مظهر ليسارع الأمن بطردهم من الحفل. ومن هنا يكون تواجد لهفة مع مظهر حيث تطلب منه تعليمها الإتيكيت وأساليب التعامل مع الطبقة الراقية، وتحضره إلى منزلها للتعرف على والدها الحلوانى، بينما يحاول عباس «محمد أوكاتا» اختراق هاتف لهفة التى يحبها بينما ترفضه؛ ويقوم مظهر بمساعدتها بتشكيل فريق من أجل ذلك يضم يحيى «عمرو وهبة»، ويتجهون للاستفادة من مشاهير السوشيال ميديا، وأولهم الدكتور تحسين مفتاح «بيومى فؤاد»، المختص بالطاقة الايجابية وأساليب النجاح. وبالتصوير مع شخصيات عديدة تحصل لهفة على متابعين وتتفجر المواقف الكوميديا عندما نعلم أن تحسين نصاب ولا يحمل الماجيستير أو الدكتوراه ومازال طالبا بالجامعة. وهناك حلقة بنيت الكوميديا بها على ايجاد حملة على مواقع التواصل الاجتماعى ضد زيد السكرى «تامر هجرس»، والذى يفرض إتاوة على أصحاب المطاعم بأن يتولى هو عمل إعلانات لهذه المطاعم. ومع ظهور حكايات جديدة والاستعانة بضيوف الشرف تظهر شخصية جديدة أمام لهفة، وهى الطفلة لارا ووالدتها غادة «روجينا»، حيث تحتال عليهم لهفة بأنها أم لطفل كمبودى حتى تتقرب من جروب الأمهات الأعضاء به، وهو ما يوقعها فى مشاكل عدة مع غادة، بينما تدعوهم لارا إلى عيد ميلادها، فيما تقدم لهفة أغنية عن أمنيات وطلبات الفتيات فى الشباب. وهناك حلقة عن جواز المشاهير ويظهر فيه أحمد فلوكس وهنا شيحة وهذا الجزء من الحكايات الثلاث كان بصدد مناقشة أمراض السوشيال ميديا وتأثيرها السلبى علينا من خلال شخصية لهفة. وبالتأكيد أحمد رزق أضفى من خبرته فى الأداء السلس الكثير من أسباب نجاح هذا الجزء. الحكاية الأخيرة من مسلسل «بدل الحدوتة 3»، عن «لولى ومزرعة البطاطس»، كفكرة مبنية على الفانتازيا؛ من خلال اختباء 5 أفراد فى المزرعة بعد اقتناعهم بنهاية العالم التى توقعوها فى بداية الألفية بسبب «البعبعون» وهم أشخاص كانوا يعملون بقصر رجل ثرى وزوجته، فلم ينجُ سوى ابنتهم لولى «دنيا سمير غانم» لتحميهم إحسان «سلوى محمد علي» بالمزرعة، ويمكثوا بها 20 عاما. الفكرة الكوميدية قريبة من أطروحة السينمائية لساندرا بولوك، صندوق الطيور فى أخذ فكرة الكائن المرعب الذى يقضى على العالم، ويختبئون منه وبالطبع كان الطرح السينمائى فانتازيا مرعبة. وفى الحكاية يظهر جمال سويسرا «هشام ماجد» النصاب بإحدى المناطق الشعبية، وأعتقد أن هشام له قدراته واساليبه فى خلق حالة البهجة فى المشاهد التى يشارك فيها. ويتفق «هشام ماجد» معه أحد أصدقائه موستا «محمد أوكاتا» وهو أيضا من الممثلين الذين كان لهم حضورهم المميز والمختلف فى الثلاث حكايات، ولكن تميزه كان فارقا فى الحكاية الأخيرة ومحاولته لإتمام مهمة للمعلم كمونى «محمد ثروت» لنقل شنطة معهما، إلا أن موستا يتمكن من ضربهم بالصدمة ويفر مع جمال لإخفاء الحقيبة المليئة بالأموال، ووضعها فى منطقة مهجورة، التى تقع بالقرب من المزرعة، لتخرج فى ذلك الوقت خلسة لولى للبحث عن أرنبها المفقود سبايسى، لتتفاجأ به وكونه ذكرا حيا ولم يصبه البعبعون، بينما تجدهم إحسان وتضربه على رأسه، ليفقد وعيه؛ وتستكمل الحكاية باكتشاف أكذوبة نهاية العالم لتكون المفارقات الكوميدية نابعة من الفارق بين العالم الآن وما كان عليه فقط من عشرين عاما، والطريف أنه فارق كبير يجعلك تضحك وتفكر فى التحولات التى حدثت لنا فى تلك الفترة القصيرة.