وزير الدفاع الصيني: سنتحرك بحزم وقوة لمنع استقلال تايوان    وسام أبوعلي: معظم عائلتي استشهدت    «الأرصاد»: طقس الأحد شديد الحرارة نهارا.. والعظمى بالقاهرة 37 درجة    «أوقاف شمال سيناء» تنظم ندوة «أسئلة مفتوحة عن مناسك الحج والعمرة» بالعريش    إضافة 3 مواد جدد.. كيف سيتم تطوير المرحلة الإعدادية؟    إنفوجراف| ننشر أسعار الذهب في مستهل تعاملات اليوم الأحد 2 يونيو    مبروك للناجحين وأوائل 3 إعدادي..رابط سريع لنتيجة الشهادة الإعدادية 2024 الترم الأول في الفيوم    32 لجنة تستقبل 5 آلاف و698 طالبا لأداء امتحانات الثانوية الأزهرية بكفر الشيخ    منصة ستيم لألعاب الكمبيوتر: حسابات ألعاب المستخدمين غير قابلة للتوريث    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 2يونيو 2024    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس شعبة المخابز يتحدث عن تطبيق قرار الخبز    أسعار الخضار في الموجة الحارة.. جولة بسوق العبور اليوم 2 يونيو    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    سيناتور أمريكي: نتنياهو مجرم حرب ولا ينبغي دعوته أمام الكونجرس    الفنان أحمد جلال عبدالقوي يقدم استئناف على حكم حبسه بقضية المخدرات    عبير صبري: وثائقي «أم الدنيا» ممتع ومليء بالتفاصيل الساحرة    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    توقيف يوتيوبر عالمي شهير نشر مقاطع مع العصابات حول العالم (فيديو)    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارةً جويةً جنوب لبنان    مواعيد القطارات اليوم الأحد على خطوط السكك الحديد    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان «المصرى»!
والله لسه بدرى يا شهر الصيام
نشر في الوفد يوم 29 - 05 - 2019

رمضان فى مصر له مذاق خاص.. له طعم ولون ورائحة تتميز به شوارع المحروسة.. وحاراتها وميادينها ومساجدها وشرفات بيوتها ومقاهيها.
تتزين مصر كلها بالأنوار والألوان والبهجة فى شهر الصيام.
حتى إن «رمضان المصري» أصبح علامة مسجلة وجاذبة لملايين يأتون إلى «مقاهى المعز» ليستشعروا ملامحه فى كل شىء.. فى وجوه الناس.. وفى تفاصيل الأماكن.
الكل فى رمضان يبحث عن دفء «اللمة» سواء فى «عزومة عائلية» تجمع الأهل والأحباب لا يهم وقتها الأطباق والأصناف بقدر ما يأنسون بالأصوات والضجة المحببة التى ينتظرونها من العام إلى العام.. أو فى سهرة على مقهى أو خيمة يستمتعون بالمشروبات الشعبية والحلوى الشرقية، ويجد الشباب تحديدًا طريقهم للسعادة فى مثل هذه السهرات.
وتبقى صور التكافل والرحمة من أهم المشاهد الرمضانية المدعومة بموائد عامرة بصنوف الطعام والشراب تميزت به مصر. لتتنوع وتتزايد باستمرار كشهادة حية على الخير فى أهل مصر إلى يوم الدين.
الأحياء الشعبية.. آخر حصون خصوصية شهر الصوم
على أنغام الأغانى الرمضانية الجميلة «رمضان جانا، هاتو الفوانيس يا ولاد، وحوى يا وحوى» يعيش أبناء الأحياء الشعبية الأجواء الرمضانية التى قد لا تجدها فى أماكن كثيرة أخرى، فشهر رمضان فى الأحياء الشعبية له طعم آخر يختلف عن الأحياء الأخرى.
الحسين أحد أهم وأقدم الأحياء الشعبية فى القاهرة، يمتاز بأجواء رمضانية شاملة لكل الأذواق، فمن يريد الاستمتاع بأداء الطقوس الدينية والروحية خلال الشهر فعليه بالذهاب إليه، ومن يريد الاستمتاع بأجواء الأغانى الرمضانية والتراث المصرى وتنظيم جولة سياحية و«فسحة» مع الأسرة، فسيكون اختياره الأول حى الحسين.
فى الحسين مسجدان من أكبر مساجد مصر وأشهرها تاريخيا، هما مسجدا الحسين والأزهر الشريف، اللذان لا ينقطع بهما ذكر الله طوال الليل والنهار سواء أثناء الصلوات الخمس أو بين الصلاة وغيرها، فلا تتوقف فيهما حلقات الذكر وقراءة القرآن والحضرات الصوفية وغير ذلك من الطقوس التى يتميز بها المسجدان، وخاصة الحسين.
وإضافة إلى أداء الصلاة والعبادات، يعتبر الحسين ملاذا للفقراء والمحتاجين، حيث يتوافد عليه يوميا أهل الخير لتوزيع الوجبات على الصائمين وقت الإفطار وتقام داخله مائدة لإطعام الفقراء عند أذان المغرب، وكذلك الحال فى السحور يوزع العديد من المواطنين الطعام والمياه على الموجودين داخل المسجد.
هذه الأجواء تتكرر فى الجامع الأزهر ولكن بشكل مختلف عن الحسين نسبيا، حيث ينظم الأشخاص أنفسهم فى جماعات صغيرة لا تتعدى ال20 أو 30 فردا، وكل منهم يضع طعامه أمام الجميع ليأكلوا منه، فضلا عن توزيع الوجبات من أهل الخير أيضا، كما يشهد الجامع الأزهر هذا العام تجمعا مستمرا لعدد من طلاب العلم الوافدين من ماليزيا واندونيسيا على الإفطار يوميا.
وقد احتفل مسئولو الأزهر خلال شهر رمضان الحالى بذكرى مرور 1079 عاما على افتتاح الجامع، الذى أقيمت فيه الصلاة للمرة الأولى فى 7 من رمضان لعام 361 من الهجرة فى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى، حيث أقام الأزهر احتفالية كبرى، بحضور عدد من كبار العلماء والمسئولين وقيادات الأزهر.
وتضمنت الاحتفالية عددا من الفعاليات والأنشطة، التى عقدت على مدار اليوم، فضلا عن إفطار جماعى مفتوح لنحو 2500 شخص، ثم أقيمت صلاة قيام الليل، وبعدها شهد الجامع حفل تكريم الطلاب الفائزين فى مسابقة الأزهر العالمية للقرآن الكريم.
ومن الأجواء الرمضانية التى لا يجب أن تفوتك فى الجامع الأزهر، أداء صلاة القيام، التى قررت إدارته جعلها 20 ركعة بعدما كانت تؤدى 8 فقط، ولكن بأسلوب جديد ومميز جذب إليه الكثير من المصلين.
وتتجلى روحانيات الشهر الكريم فى هذه الصلاة مع تنفيذ هذا الأسلوب، حيث يتم تخصيص 4 شيوخ لإمامة المصلين أثناء الصلاة، بجزء كامل أو أكثر قليلا، على أن تأتى ليلة فى السادس والعشرين من رمضان وهى ليلة ختم القرآن.
هذا ما يخص النوع الأول الذى يحب أداء الطقوس الدينية فى أجواء روحانية، وإلى جانب مسجدى الحسين والأزهر تزخر القاهرة الفاطمية بمناطق ينطلق منها عبق رمضان فى مقدمتها شارع المعز لدين الله الفاطمى وما يحتويه من آثار جعلته أكبر متحف إسلامى مفتوح فى العالم، ومقاهى الحسين المتنوعة المتواجدة داخل الميدان وغيرها فى الداخل مثل الفيشاوى وولى النعم وغيرها.
فأما شارع المعز فسيكون «فسحة» جميلة فى ظل أجواء رمضانية تجعلك تعود بالذاكرة سنوات وسنوات للوراء، مع الاستمتاع بالجلوس على المقاهى والكافيهات بأسعار متوسطة فى المتناول، وأما أسعار مقاهى ميدان الحسين والفيشاوى فقد تكون مرتفعة قليلا ولكنها أقل من بعض الأماكن الأخرى التى قد تسمع عنها وتصل فاتورة الحساب بها لآلاف الجنيهات!
حى السيدة
حى السيدة زينب، ذلك الحى التاريخى العريق، الذى لا يقل فى أهميته عن الحسين، وتكاد تكون أجواء رمضان به متشابهة إلى حد كبير مع الحسين والأزهر، سواء فى أداء الطقوس الدينية أو الاستمتاع بالجلوس على المقاهى والكافيهات.
فبمجرد وصولك إلى ميدان السيدة زينب عند الإفطار ستجد أمام عينيك مائدة رحمن لإفطار الصائمين والفقراء والمحتاجين، يتجمع عليها المواطنون بمختلف طبقاتهم، وتوزيع الوجبات وزجاجات المياه على السائقين وأصحاب السيارات الذين يضطرون إلى الإفطار فى الشارع بسبب تواجدهم خارج بيوتهم أثناء الأذان.
ثم تجد توزيع الطعام داخل المسجد على المصلين وإقامة الموائد، فضلا عن عصائر التمر والعرقسوس والبلح العجوة لكل من يتواجد أثناء صلاة المغرب.
ومن يزور ميدان السيدة زينب فى رمضان، سيرى حرص الكثيرين على شراء الكنافة والقطائف من أحد المحلات الشهيرة الذى يعتبر أحد علامات الميدان عبر التاريخ.
وكذلك الحال فى مشهد شراء المواطنين للمخللات من محلات فى السيدة زينب، حيث يزداد الإقبال على شراء المخلل فى شهر رمضان كثيرا لإضافته إلى مائدة الإفطار التى لا تكاد تخلو بيوت المصريين منه فى هذا الشهر.
هنا شبرا
حى شبرا هو الآخر يتفرد بأجواء لا توجد لها مثيل فى أى منطقة أخرى بمصر خلال الشهر الكريم، حيث يشارك المسيحيون إخوانهم المسلمين فى تنظيم موائد الرحمن وتوزيع الطعام على الصائمين فى الشوارع أثناء الإفطار.
أما المظهر الآخر الذى يدل على عبقرية الشعب المصرى وأنه بالفعل شعب واحد لا فرق فيه بين مسلم أو مسيحى، فهو مائدة «الوحدة الوطنية» التى يقيمها «عم جميل بنايوتي» وبعض شركائه، ذلك الرجل المسيحى الذى بدأ فى تنظيم هذه المائدة الرمضانية منذ 37 عاما وحتى الآن.
هذه المائدة ليست كباقى الموائد الرمضانية التى نراها فى المجتمع ولكنها تتمتع بطابع خاص بها، قد لا تجده فى أى مائدة أخرى بمصر، فهى لا تعتمد بشكل رئيسى على ضرورة تواجد الصائمين فى المكان المخصص لها عند أذان المغرب، ولكنها تعتمد على فكرة مبتكرة من جانب القائمين عليها، وهى «العمود».
هذه الفكرة بدأ تنفيذها منذ سنوات، بحيث يتسلم كل فرد عمودا مخصصا للأكل من مسئولى المائدة مع بداية شهر رمضان ببطاقة سارية المفعول حسب عدد أفراد الأسرة، وعقب تسلم الفرد هذا العمود، فإنه يستطيع الذهاب كل يوم إلى المائدة ويحصل على الطعام الذى يكفيه هو وعائلته أو أصدقائه وزملائه فى العمل إذا كان صاحب ورشة أو مصنع مثلا.
الأمر الأكثر إعجابا واختلافا فى مائدة الوحدة الوطنية والذى يميزها بالفعل عن غيرها، هو إمكانية طلب المترددين على المائدة من المسئولين طبخ نوع معين من الأكل فى اليوم التالى أو الأسبوع المقبل، فقد يطلب أحد المواطنين من مسئولى المائدة طبخ ملوخية كمثال، وبالفعل يجهز القائمون على المائدة هذا الصنف فى نفس اليوم حتى يحصل عليه المواطنون فى اليوم التالى، وإذا تعذر وجوده، يتم شراؤه وطبخه فى الأسبوع التالى.
إضافة إلى ذلك، فإن أصحاب هذه المائدة والمشاركين فيها قد لا يعرفون بعضهم شخصيا، وإنما يربطهم فقط شهر رمضان والطلبات الخاصة بالمائدة سواء سلع غذائية أو معدات أو غير ذلك من الطلبات الأخرى.
موائد الرحمن.. أبرز مظاهر كرم المصريين
موائد الرحمن إحدى أبرز مظاهر شهر رمضان فى مصر فلا يشعر المواطنون بقدوم شهر رمضان دون إقامتها، فلا يكاد يخلو حى من الأحياء المصرية سواء شعبية أو راقية من هذه الموائد فى مختلف المحافظات، من أجل إفطار الصائمين ومساعدة الفقراء والمحتاجين فى هذا الشهر.
1100 عام هى تاريخ بداية موائد الرحمن فى مصر وفقا للمصادر التاريخية، أول من أقام موائد الرحمن فى رمضان أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية فى مصر.
وأقام ابن طولون موائد الرحمن فى السنة الرابعة من ولايته، حيث جمع التجار والأعيان والقادة على مائدة حافلة فى أول رمضان وخطب فيهم قائلا «إننى لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم فى حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكننى وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم فى رمضان، ولذلك فإننى آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما
ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم»، وأخبرهم ابن طولون أن هذه المائدة ستستمر طوال أيام الشهر الكريم.
وبعد ابن طولون أتى الفاطميون، واستمروا فى إقامة الموائد، وكانوا يعدون المائدة تحت اسم دار الفطرة وكانت تقام بطول 175 مترا، وكان الخلفاء الفاطميون يطلقون عليها «السماط» بمعنى الموائد الكبيرة، ويعد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى أول من وضع تقليدا للمآدب الخيرية فى عهد الدولة الفاطمية، وكان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء.
أتى بعدهم المماليك وكانت الموائد فى عصرهم تقام عبر حجج الأوقاف، فكانت ترصد لها مبالغ ويتم توزيع الإفطار على المحتاجين والفقراء، وانتشرت هذه الموائد كنوع من كسب حب الشعب ووده للأمراء والحكام، ومن أشهر الموائد فى العصرين الفاطمى والمملوكى، موائد المعز لدين الله الفاطمى، التى كانت تقام بطول البلاد وعرضها وكانت تسع أكثر من 100 ألف صائم يوميا، ومائدة الأمير ابن الفرات المولود بحى شبرا بالقاهرة.
أما فى العصر الحديث، فقد اختلف الأمر، حيث عزف الحكام والوزراء عن إقامة الموائد، وتولى بنك ناصر الاجتماعى الإشراف على موائد الرحمن منذ عام 1961 بشكلها الحالى، وكان أشهرها التى تقام بجوار الجامع الأزهر ويفطر عليها حوالى 4 آلاف صائم يوميا، كما تولى الفنانون ورجال الأعمال إقامة الموائد لأسباب خاصة بكل منهم، ما أدى إلى انتشارها فى كل مكان داخل مصر، إضافة إلى موائد أهل الخير من عامة المواطنين.
نظام الموائد بشكلها التقليدى هو المنتشر فى أغلب أنحاء مصر، وهو وضع الطعام على المناضد وجلوس المواطنين على كراسى أو الأرض إذا كانت المائدة مفروشة بالسجاد أو الحصير، لكن استحدث بعض المصريين طرقا أخرى لإقامة الموائد خلال السنوات القليلة الأخيرة، أبرزها وضع الطعام المخصص للإفطار فى علب من البلاستيك أو الألومنيوم وتوزيعها على الصائمين قبل الإفطار مباشرة توفيرا لنفقات إقامة المائدة فى الشارع وتعطيل المرور وغير ذلك من المشاكل التى قد تظهر بسبب تنظيمها.
وهناك نظام آخر هو توزيع أصحاب المائدة الطعام على بيوت المحتاجين، لكى يفطروا فى بيوتهم بدلا من تنظيم المائدة فى الشارع.
ويرتاد الموائد الرمضانية مصريون من مختلف الطبقات الاجتماعية وليس الفقراء فقط، فالبعض تجبره الظروف أحيانا على الإفطار فيها، قد تكون هذه الظروف إما السفر أو العمل أو الدراسة وغير ذلك، فتجد الجالسين عليها مسافرين وعمالا وطلابا وأصحاب أعمال وصنايعية.
«الوفد» رصدت فى جولة لها مشاهد وأجواء عدد من موائد الرحمن فى شوارع القاهرة، حيث يتجمع المئات والآلاف فى بعض الأحيان على الموائد فى انتظار انطلاق مدفع الإفطار وسماع أذان المغرب إيذانا ببدء الإفطار.
وحسب تأكيدات عدد من المواطنين فإن أسباب إفطارهم على الموائد، تتنوع ما بين ظروف العمل أو الدراسة العلمية والبعد عن الأهل أو السفر خارج المحافظة التى يقيمون فيها.
قال إسماعيل عبدالرحمن، إنه طالب بجامعة الأزهر وبعيد عن أهله ولا يجد من يصنع له الطعام فى البيت، كما أنه لا يستطيع شراء الطعام يوميا من الأسواق بسبب الظروف المادية.
وأضاف اسماعيل «أنا مغترب فى القاهرة، وسايب قريتى علشان أتعلم، ولما بييجى علينا رمضان أثناء الدراسة أو الامتحانات بنلاقى نفسنا مضطرين إننا نفطر على الموائد حتى لو مش كل يوم بس فى أوقات كتير من الشهر بنعمل كده علشان مش هنقدر نشترى كل يوم أكل جاهز من السوق».
وقال إبراهيم مصطفى، عامل نظافة، إن طبيعة وظروف عمله هى السبب الرئيسى فى جلوسه على المائدة للإفطار، لأن عمله يبدأ من الصباح الباكر وينتهى فى المساء أو العكس، وأغلب عمال النظافة من محافظات قريبة من القاهرة، ولذلك فلن يصلوا إلى بيوتهم على موعد الإفطار.
وتابع إبراهيم «إحنا أغلبنا من محافظات بجوار القاهرة، فينا اللى من القليوبية والمنوفية والجيزة، وعقبال ما نخلص شغل ونركب المواصلات علشان نروح يكون المغرب أذن، وعلشان كده بنفطر على الموائد.. كمان فى مننا اللى بيبدأ شغله بعد الفطار فبييجى من بيته بدرى شوية علشان مايتأخرش وبيفطر على المائدة بردو».
فيما قال على عبدالحميد، عامل بأحد ورش التجليد، إن ظروف العمل أيضا تعد سببا رئيسيا فى إفطاره على الموائد فى حالة تأخره فى العمل وعدم ذهابه لبيته قبل الإفطار إذا كانت ظروف العمل لا تسمح بذلك وهناك طلبات متأخرة يريد الانتهاء منها.
وأضاف على «العادى بتاعنا أننا بنفطر فى بيوتنا ونروح قبل أذان المغرب بشوية ونرجع الورشة تانى، لكن ساعات بيكون فى ضغط شغل ومحتاجين نخلص طلبيات مستعجلة، فبنلاقى نفسنا مجبرين إننا نفطر فى الشغل، واللى قادر يشترى أكل من المطاعم بيشترى واللى مش عاوز بيفطر على أى مائدة عادى».
أما حسين مهران، فقال إنه كان فى القاهرة لقضاء حاجة ووجد نفسه لن يلحق بموعد القطار وسيتأخر فى الوصول إلى بيته للإفطار مع أهله، فقرر زيارة مسجد الحسين، ووجد أهل الخير يوزعون عليه وجبات الإفطار.
وأضاف حسين «أنا كنت جاى الموسكى فى مشوار شغل ولاقيت نفسى هتأخر على ميعاد القطر.. فقولت أصلى وأفطر فى الحسين وبعدها أرجع ع البلد».
وقد لاحظنا خلال جولتنا فى منطقة الحسين والأزهر، ازدحام موائد الرحمن بطلاب العلم الوافدين من ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما من الدول الآسيوية والإفريقية الذين يدرسون فى الأزهر، وهو ما يعتبر عملا طيبا جدا لمساعدة طلاب العلم غير القادرين على التكيف مع ارتفاع الأسعار، كما أشاد عدد من هؤلاء الطلاب الذين يتحدثون العربية فى تصريحاتهم مع «الوفد»، بالأجواء الرمضانية فى القاهرة والتى أكدوا أنهم لا يجدونها فى بلادهم سواء تايلاند أو ماليزيا أو اندونيسيا.
الخيام والكافيهات.. سهرات حتى مطلع الفجر
تتميز مصر دون غيرها من الدول العربية خلال شهر رمضان بأجواء ممتعة ليلا ونهارا وخاصة فى الليل، من خلال الخيام الرمضانية والسهرات الشبابية على المقاهى والكافيهات بمختلف المحافظات وخاصة القاهرة.
سهرات الشباب فى رمضان تختلف من مكان لآخر ومن طبقة اجتماعية لأخرى حسب مستويات الدخل الخاص بالفرد والأسرة، فنحن نجد من يفضل الذهاب إلى الأحياء الشعبية السياحية من أجل الاستمتاع بالأجواء الرمضانية فيها، والتى قد لا يجدها فى أماكن غيرها حتى لو كان من ذوى الطبقات الاجتماعية مرتفعة الدخل أو متوسطة الدخل، ونجد آخرين يفضلون الذهاب إلى الفنادق والخيام الرمضانية ذات الأسعار المرتفعة وغالبا ما يكونون من أبناء الطبقات ذات الدخل المرتفع.
ويشهد رمضان هذا العام الارتفاع الكبير فى فاتورة السحور لدى بعض الكافيهات والخيم الرمضانية، التى لاقى بعضها ردود أفعال غاضبة وواسعة على مواقع التواصل الاجتماعى وانتشرت بشكل كبير صور بعض فواتير السحور التى وصلت إلى 1000 و4 آلاف جنيه.
«الوفد» تجولت بين مجموعة من الكافيهات والخيام الرمضانية فى عدد من الأماكن لرصد الأجواء والأسعار، أبرزها تكية خان خاتون أو زينب خاتون بحى الأزهر، وقهاوى السحيمى واللورد بشارع المعز لدين الله الفاطمى وغيرها.
البداية كانت مع «تكية خان خاتون»، التى وجدناها مزدحمة بالشباب من الجنسين عقب الإفطار وحتى السحور لتناول الطعام والمشروبات والشيشة، على وقع سماع الأغانى الرمضانية والشعبية، فضلا عن الاستمتاع بالأجواء التراثية والزخارف الأثرية الخاصة بالمكان، خاصة أنه ملاصق لعدد كبير من الآثار الإسلامية منذ عصر المماليك.
وقال أحمد خاتون، صاحب تكية خان خاتون «زينب خاتون»، إن التكية تقدم وجبات إفطار وسحور خلال شهر رمضان للعملاء، مشيرا إلى أن الإفطار يكون من خلال الحجز بالتليفون قبل الموعد بيوم على الأقل، أما السحور فيكون دون حجز مسبق.
وأوضح أنه فى حالة حضور مجموعة من الشباب قبل الإفطار بساعات قليلة وهناك أماكن خالية فلا مانع من الدخول وطلب الطلبات، طالما هناك طعام جاهز لها، لأنه من الممكن أن
يكون هناك أماكن ولا يوجد طعام يكفى لهم بسبب عدم الحجز المسبق.
وأضاف: «الحساب بيكون على الطلبات اللى هتطلبها فقط دون أى رسوم أخرى، يعنى مفيش رسوم حجز الترابيزة أو أى حاجة تانية من اللى بنسمعها فى بعض الأماكن التانية أو حد أدنى للطلب «مينمم تشارج».. لو طلبت ب100 جنيه مش هتدفع غير ال100 جنيه بس».
وقال «بعد الفطار تسير الأمور بشكل طبيعى كالمعتاد من تقديم المشروبات الساخنة والطبيعية والشيشة، إلى أن يأتى موعد السحور وغالبا يبدأ بعد الساعة 12 والأكل كله شعبى.. فول وبطاطس وطعمية وبيض ومخلل وغيرها من الأصناف الشعبية وأسعارها فى المتناول.. الأجواء بتكون شعبية خالص».
وأشار صاحب تكية خاتون، إلى أن السحور يكون عكس الإفطار بدون حجز، بمعنى إنه بمجرد أن يأتى الزبائن يدخلون ويطلبون الطلبات، موضحا أن الإقبال فى أول أيام رمضان كان متوسطا ثم بدأ يزداد تدريجيا وخاصة بعد مرور 10 أيام من الشهر.
قائمة أسعار السحور فى التكية تشمل: الفول بمختلف أنواعه ب20 جنيها سواء كان بزيت حار أو زيت زيتون أو بسطرمة، البيض المسلوق أو الزيتون أو الرومى أو الأومليت ب20 جنيها، طلب الجبنة القريش ب20 جنيها، وطلب الطعمية أو البطاطس ب20 جنيها.
أما الإفطار فأنواعه مختلفة وأسعاره متعددة، فالطواجن مثلا تبدأ من 40 جنيها للأرز المعمر ثم 45 جنيها للمكرونة الفرن وتصل إلى 80 جنيها لطواجن اللحمة و100 جنيه لفتة الكوارع، وأسعار الأطباق الرئيسية يقدم معها أرز وبطاطس تبدأ من 70 جنيها للحمام المحشى أو المشوى، ثم 100 جنيه لأطباق الشيش والفراخ والكفتة، حتى تصل إلى 125 جنيها لطبق الكباب والريش.
وبلغت أسعار المقبلات مثل ورق العنب 40 جنيها، والممبار محشى 50 جنيها والسمبوسك اللحم 4 قطع ب40 جنيها والجبن 4 قطع 30 جنيها، أما البيتزا فتتراوح أسعارها بين 50 و65 جنيها حسب النوع.
وتبدأ أسعار المشروبات من 15 جنيها للشاى والجنزبيل والينسون، ثم 20 جنيها للشاى بالحليب والليمون والقرفة وبعض أنواع القهوة، و25 جنيها للشاى البراد وعدد من أنواع القهوة والنسكافيه، أما العصائر الطبيعية فتتراوح بين 20 و35 جنيها سواء الليمون أو المانجو والفراولة والجوافة والموز وغيرها من الأنواع.
أما أسعار الشيشة فتبدأ من 20 جنيها للأنواع العادية ثم 50 جنيها للتفاح والخوخ والنعناع وتصل إلى 60 جنيها للبرتقال كريمة والفراولة والريد بول.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى شارع المعز ورصدنا الأجواء به وخاصة فى قهوتى السحيمى واللورد، اللتين يستمتع فيهما الزبائن بالاستماع إلى الأغانى القديمة لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ والأغانى الرمضانية، فضلا عن مشاهدة فقرات فنية شعبية كالتنورة والمزمار البلدى وغيرها.
وقال مصطفى عطية، أحد المسئولين بمقهى السحيمى، إن المقهى يهتم بالسحور أكثر من الإفطار خلال شهر رمضان، حيث إن الإفطار يكون من خلال حضور مجموعة من الشباب للقهوة بطعامهم والأكل عليها، ثم يبدأون فى طلب المشروبات الخاصة بهم، لكن السحور يكون من خلال تقديم الوجبات الخاصة بالقهوة لهم.
وأضاف: «إحنا عندنا اهتمام بالسحور أكتر من الفطار، يعنى ممكن مجموعة من الشباب عددهم يصل إلى 10 أو 20 يجيبوا فطارهم معاهم ويقعدوا على القهوة يفطروا لكن بعدها لازم يطلبوا مشروبات ساخنة وطبيعية وياخدوا وقتهم لغاية ما يخلصوا ويمشوا».
وتابع: «بعد الفطار الدنيا بتمشى طبيعى كأنه يوم عادى وأغلب الزبائن بتكون من الشباب ولاد وبنات مش ولاد بس.. بيقعدوا يشربوا شيشة وشاى وأى مشروبات تانية لغاية ما ييجى وقت السحور اللى بيبدأ فيه شغلنا المهم فى رمضان».
وأوضح مصطفى أن السحور يكون عبارة عن فول بأنواع مختلفة، تبدأ من فول بالزيت الحار أو ذرة وحتى الفول بالبيض والبسطرمة، وطعمية وبطاطس وبيض بأنواعه المختلفة بداية من المسلوق وحتى أومليت البسطرمة والشيدر والأسعار متوسطة.
ولفت إلى أنه أحيانا يكون هناك فقرات فنية تقدم للزبائن ولكنها ليست أساسية أو تابعة للمقهى مثل التنورة أو الطبل البلدى والمزمار.
وبالنظر فى قائمة أسعار السحور لدى المقهى، وجدنا أن أسعار الفول مثلا تبدأ من 15 جنيها للفول بزيت الذرة أو الزيت الحار وتنتهى ب30 جنيها للفول بالبيض والبسطرمة، وأسعار الطعمية تبدأ من 15 جنيها للطلب وحتى 20 جنيها لطلب الطعمية الشيدر والاسكندرانى، أما أسعار البيض فتبدأ من المسلوق ب15 جنيها للطلب ثم 30 جنيها للأومليت شيدر و40 جنيها للأومليت بسطرمة شيدر.
ولا تختلف الأجواء كثيرا فى قهوة اللورد، إلا أن أسعار السحور تكون من خلال الفرد، حيث إن وجبة الفرد يبلغ سعرها 60 جنيها، تتمثل فى 3 أنواع حسب الطلب، من بين الفول والطعمية والبطاطس والبيض والجبن.
أما السحور فى الفنادق وبعض الكافيهات فى المناطق الراقية فيختلف نوعا ما عن المناطق الشعبية السياحية، حيث تشهد بعض الفنادق والخيام الرمضانية إقبالا كبيرا خلال شهر رمضان سواء فى حفلات الإفطار أو السحور، إذ يحرص الكثير من الأشخاص على التجمع مع أصدقائهم والاستمتاع بأجواء رمضانية خارج المنزل.
وقد انتشرت خلال الأيام الأولى لشهر رمضان فواتير سحور فى بعض الكافيهات وصلت إلى 4000 جنيه، وقد أثارت غضبا وسخرية وردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، منها فاتورة لأحد الكافيهات فى المهندسين وصلت قيمتها إلى 1000 جنيه لأربعة أفراد وكان من بين الأصناف التى أثارت جدلا فى الفاتورة «الفول بالزيت» والذى كان سعره 105 جنيهات، و«البيض المدحرج» الذى بلغ سعر البيضة الواحدة به 25 جنيها، وأخرى فى المعادى وصلت قيمتها إلى 4 آلاف جنيها، وبلغ سعر طبق «الفول» فيها 75 جنيها، وسعر الجبنة البراميلى 100 جنيه، بينما بلغ سعر الشكشوكة 270 جنيها.
أما الفنادق الكبرى ذوات ال5 نجوم فبعضها يقدم السحور بنظام البوفيه المفتوح وبعضها الآخر بنظام الوجبات، حيث بدأت أسعار السحور فيها للفرد الواحد بنظام البوفيه المفتوح من 300 جنيه وحتى 500 جنيه، أما أسعار الفرد بنظام الوجبات فتراوحت ما بين 360 و770 جنيها، باختلافات بسيطة قد تكون وجود فقرات فنية أو حضور فنان معين للفندق.
عزومات الشهر الكريم.. عادة من السنة للسنة
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها المصريون خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من إقامة العزومات خلال شهر رمضان كعادة كل عام.
«هتيجى تفطر عندنا إمتى؟».. هذا السؤال دائما ما يكون أبرز جملة تقال فى أحاديث المصريين عند دخول شهر رمضان، تعبيرا منهم عن معرفة موعد عزومة الطرف الأول للطرف الآخر خلال هذا الشهر كعادة كل سنة، فى مشهد يدل على توطيد صلة الرحم بين الأسرة الواحدة، والعائلات المختلفة.
فلا يكاد يمر شهر رمضان فى مصر إلا ويزور المواطنون بعضهم البعض على الإفطار تعبيرا منهم عن المودة وصلة الرحم، خاصة بين الأسرة الواحدة، سواء من خلال عزومة الأب لأبنائه أو الأخ لإخوته وأقاربه، فى مشهد يبرز المقولة المشهورة «رمضان يحب اللمة».
ورغم الآثار السلبية للعزومات على النظام الصحى فى رمضان وارتفاع تكاليفها والظروف الخاصة بكل أسرة، إلا أن الكثيرين لا يزالون يحرصون على إقامتها وخاصة عزومة الآباء لأبنائهم والإخوة لإخوتهم.
لكن ذلك لا يعنى أيضا عزوف البعض عن الإسراف فى إقامة هذه العزومات خلال السنوات القليلة الماضية بسبب ارتفاع أسعار السلع التى جعلت تكاليف العزومة الواحدة بمقدار راتب شهر أو أقل قليلا لرب الأسرة.
وفى هذه الأجواء تتنافس برامج الطبخ على شاشات التليفزيون طوال الشهر الكريم على جذب المشاهدين من خلال عمل الكثير من الأطباق والوجبات والأطعمة التى تجذب انتباه الأمهات فى البيوت، وترشدهم إلى الطريق الذى يسلكونه عند إقامة العزومات، والبعض منهم يطرح طرقا مختلفة لتجهيز العزومات بأقل التكاليف.
«الوفد» رصدت آراء المواطنين حول مدى إقامتهم للعزومات خلال رمضان هذا العام، فى ظل ارتفاع الأسعار والتكاليف، حيث أكد البعض على ضرورة دعوته لأقاربه على الإفطار فى هذا الشهر بعيد عن أى ظروف، وأشار آخرون إلى استمرارهم فى تنظيم العزومات ولكن ليس كما كانت بالمعدل المعتاد، فيما لفت البعض الآخر، أنه أعرض عن التفكير فى إقامة العزومات سواء أكان هو صاحب الدعوة أو المدعو.
أحمد مصطفى، «تاجر» يقول إنه لا يترك شهر رمضان يمضى حتى يقيم عزومات لأولاده وإخوته، لأن ذلك عادة طيبة اعتاد عليها طوال حياته ولن يغيرها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى أثرت على الجميع.
وأضاف: «ماينفعش شهر رمضان ييجى ويخلص من غير ما أعزم ولادى وزوجاتهم وإخواتى، علشان دى عادة جميلة ممكن ماتتكررش تانى طول السنة.. فبييجى شهر رمضان ويخلينا نشوف بعض والكل يروح للتانى ويزوره بدل ما الواحد بقى مش بيشوف أخوه أو ابنه غير كل فين وفين مرة».
وتابع: «قبل ما يكون فى تليفون محمول كان الواحد بيروح لأخوه وأخته باستمرار ويطمئن عليهم.. لكن دلوقتى بمكالمة واحدة بتعرف عنهم كل حاجة بس مش بتشوفهم ولا تطمن عليهم زى الأول.. علشان كده عزومة رمضان بتبقى حلوة رغم أى شىء».
وقالت آمال إبراهيم، «ربة منزل»، إنها أخت وحيدة لأخوين، ولا تفوت رمضان إلا وتنظم عزومة لكل منهما، وتذهب هى الأخرى عندهما فى عزومتهما لها، ولذلك فهى تحرص على إقامتها كل عام.
وتابعت: «مليش فى الدنيا دى غير اتنين إخوات.. علشان كده مفيش رمضان بيعدى غير لما أعزمهم هما وعيالهم.. وكل واحد بحب أعمله الأكل اللى بيحبه».
وترى نعمة أحمد «تاجرة»، إنه رغم وفاة زوجها مؤخرا، إلا أن ذلك لم يمنعها من زيارة والدها وحضور العزومة الخاصة به، مشيرة إلى أن وفاة زوجها كانت أيضا سببا فى زيادة زيارات إخوتها لها وإفطارهم معها عكس السنوات السابقة.
وأضافت: «موت زوجى كان سبب فى زيادة زيارات إخواتى ليا فى رمضان .. وده شىء فرحنى جدا علشان هما ماكانوش بيزورونى كتير قبل كده.. كمان لما أبويا عزمنى روحت وحضرت لأن العزومة حاجة كويسة مش وحشة».
وقال مصطفى عبدالخالق، «عامل» إنه رغم أهمية العزومات فى توطيد العلاقات بين الأسرة والعائلات، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة أجبرته على عدم إقامة العزومات بالمعدل المعتاد كل عام، فبعد أن كان يقيم 3 و4 عزومات فى رمضان أصبح يقيم عزومة واحدة أو اثنين فقط.
وأضاف: «ماكدبش عليك بعد الأسعار ما ولعت والحاجة بقت غالية لاقيت نفسى مش هاقدر على العزايم اللى كنت بعملها وبقيت أعمل عزومة واحدة أو اتنين بالكتير أوى فى رمضان.. والناس أكيد عارفة ظروف بعضها وبتقدر الموضوع ده ومحدش هيزعل».
وقال عثمان سيد، «تاجر»، إنه يقيم كل عام هو وشركاؤه عزومة لأصدقائه وزملائه فى العمل، كلما سمحت الظروف بذلك.
وعلى النقيض من هذا الاتجاه، قال محمد الصعيدى، تاجر، إنه قرر عدم حضور أى عزومة فى رمضان هذا العام أو تنظيم عزومة لأى شخص آخر سواء قريب أو صديق.
وأضاف: «الظروف بصراحة مش مساعدة حد إنه يعمل عزومة يصرف عليها فلوس كتير يضيع بيها نص المرتب تقريبا أو إنه يروح عند حد ويخليه يتكلف بردو نفس التكاليف.. وعلشان كده أنا قولت لا هروح لحد ولا هعزم حد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.