هل أراد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى أن يرد الجميل لنواب مجلس الشعب الذين وقفوا معه حتى تم انتخابه رئيسًا.. هل أراد ذلك بدليل أنه أقدم على تمزيق حكم المحكمة الدستورية العليا.. فأعاد لهم المجلس ليستفيدوا من رواتب العضوية والحوافز والبدلات.. بل والقروض طويلة الأجل التى حصلوا عليها.. هل فعل الرئيس ذلك بدليل أن أول ما فعلوه بعد أن دخلوا المجلس أن انطلقوا إلى خزينة المجلس ليصرفوا مرتباتهم ومستحقاتهم عن الشهرين الماضيين.. بصراحة: اعتقد ذلك.. واسألوا موظفى الخزانة الذين تجمع أمامهم نواب المجلس ليسحبوا.. قبل أن تقع واقعة أخرى تمنعهم من صرف هذه الأجور والبدلات.. كأن يصدر حكم آخر يلغى قرار رئيس الجمهورية باعادة المجلس.. وبالتالى تضيع عليهم كل هذه الأموال التى تقدر بالملايين كل شهر. وسبحان الله عندما كان نائب البرلمان عندنا «زمان» كان يطلق عليه «حضرة النائب المحترم».. أما الآن فقد فقدوا هذه الصفة.. وأصبحوا يجرون وراء المصالح والرواتب والأجور. ولكن أخطأ الرئيس.. وداس على أهم مبادئ الحكم فى مصر وهو الفصل بين السلطات، بل والاعتداء على أحكام القضاء، كل ذلك ليكافئ النواب الذين وقفوا معه ودعموه فى الانتخابات، خصوصًا بعد أن تحول إلى مرشح فعلى وكان مجرد مرشح احتياطى.. فهل من أجل مصلحة، ومن أجل الوصول إلى كرسى الرئاسة يدوس السيد الرئيس على كل شئ. لقد كنا نتوقع أى شىء من الرئيس مرسى إلا أن يضرب بأحكام القضاء عرض الحائط.. بعد ثمانية أيام فقط لا أكثر من أدائه اليمين الدستورية أمام نفس المحكمة.. ولكنه كان قد وعد النواب.. فكان أخطر قرار فى تاريخه وهو استعجال الصراع حول السلطة. هنا تحضرنى قصة كان يفخر بها السياسى الشهير ونستون تشرشل وكانت الحرب العالمية الثانية على أشدها.. وكانت الطيران الألمانى يقصف العاصمة البريطانية لندن ومعظم المدن البريطانية.. وكذلك كان الصواريخ الألمانية تفعل فعلها.. وكانت الطائرات البريطانية تحاول أن تتصدى لهذه الطائرات الألمانية صعودًا وهبوطًا.. ولكن أصوات هذه الطائرات التى تدافع عن المدن البريطانية والشعب البريطانى كانت تزعج قاضى محكمة صغيرة بجوار إحدى القواعد الجوية البريطانية.. وبالتالى تعوق عمل المحكمة.. وتمنعها عن أداء واجبها تجاه المتقاضين. وأصدر القاضى حكمًا بإغلاق القاعدة الجوية البريطانية ومنع الطائرات من أداء واجبها القومى. وذهب وزير العدل البريطانى إلى رئيس الوزراء الأشهر فى تاريخ إنجلترا «ونستون تشرشل» يعرض عليه أن يصدر بصفته حاكما عسكريًا - بسبب ظروف الحرب فقد كانت بلاده تخوض «معركة بريطانيا الكبرى» - قرارًا بإغلاق المحكمة حتى لا تتأثر عمليات الدفاع عن بريطانيا.. هنا تظهر عبقرية الرجال. لقد أصدر تشرشل قرارًا فوريًا وعاجلاً بإغلاق القاعدة الجوية تنفيذًا لحكم هذه المحكمة الصغيرة.. وقال قولته العظيمة: خير لنا أن نخسر الحرب كلها من أن يقال إن تشرشل رفض تنفيذ حكم محكمة.. وقد كان!! هذا هو عصر الرجال الكبار.. وهذا هو تشرشل الذى قاد بلاده نحو أكبر انتصار عسكرى فى تاريخها ضد هتلر وضد ألمانيا النازية.. وقوات موسولينى ديكتاتور إيطاليا. ومثال آخر من أمريكا هذه المرة.. عندما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا هناك - وهى تعادل المحكمة الدستورية العليا عندنا - حكمًا ضد الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون لأنه أصدر تعليماته لرجال حزبه ولرجال الأمن بالتنصت على اجتماع الحزب المنافس، خلال المعركة الانتخابية، وهى التى عرفها العالم باسم فضيحة ووترجيت.. ورغم أن نيكسون كان قد فاز بأغلبية كاسحة فى الانتخابات وليس بنسبة 51٪ - كما حدث عندنا أخيرًا - وهى كانت من أعلى الانتخابات شعبية فى تاريخ أمريكا. ورضخ نيكسون لحكم المحكمة.. وقدم استقالته وكان من أشهر الساسة فى تاريخ أمريكا فقد كان نائبًا للرئيس الأشهر ايزنهاور لمدة 8 سنوات.. كما فاز بالرئاسة فى فترة أولى وكانت الانتخابات التى أدين فيها هى للفوز بفترة الرئاسة الثانية. ومثال ثالث كان بطله بيل كلينتون الذى كان يتشبه بالرئيس الشاب الآخر جون كنيدى.. فقد كان بطلاً لفضيحة أخلاقية عرفت باسم فضيحة مونيكا.. وحوكم الرئيس أمام المحكمة بتهمة الكذب على المحكمة.. وصدر الحكم ضده.. وكان عليه أن يعتذر.. واعتذر. هذا فى البلاد المتقدمة.. أما عندنا - وفى بداية حكم الإخوان المسلمين لمصر - اعتدى الرئيس مرسى على المحكمة الدستورية العليا ولم يتحرك له جفن.. فى أول سابقة تعرفها مصر. فهل بعد هذا يتحدثون عن الديمقراطية وعن احترام الفصل بين السلطات.. أم أن القضية مجرد قسم أداه الرئيس ثم حنث به أو تجاهله.. إلا إذا كان قد أقسم على شئ آخر فى نفس يعقوب.. وفى «الإخوان» كثير من أهل يعقوب. ولكنه أيضا أهم أسرار التقدم عندهم.. والتأخر عندنا.